حكايات| حسين حجازي.. أسطورة كروية خلدها كتاب إنجليزي بعد 108 سنوات

حسين حجازي.. أسطورة خلدها كتاب إنجليزي بعد 108 سنة
حسين حجازي.. أسطورة خلدها كتاب إنجليزي بعد 108 سنة

في مثل هذا اليوم 11-11-1911، وسط ضباب العاصمة البريطانية لندن، أشرقت شمس أول لاعب مصري وعربي في تاريخ الكرة الأوروبية والإنجليزية على وجه الخصوص، حين استعد بحذائه الخاص تسبقه نجومية كبيرة صنعها خلال أسابيع قليلة بمهاراته التي أبهرت مخترعي كرة القدم على أرضهم، مخالفًا رغبة الأم التي أرسلته لدراسة الهندسة في جامعة كامبريدج لإبعاده عن عشق كرة القدم، ليرتدي قميص فولهام في مواجهة ستوكبورت كاونتي بدوري الدرجة الأولى الإنجليزي.

 

"بوابة أخبار اليوم" تكشف حكايات حسين حجازي التي خلدها كاتب إنجليزي في كتاب خصصه بالكامل ليتحدث عن صاحب الأسطورة المصرية الأولى في تاريخ أوروبا والكرة الإنجليزية مستغلاً الشعبية الكبيرة لمحمد صلاح، نجم مصر وليفربول الإنجليزي الحالي، والذي دفعه لتسجيل تاريخ أبو الكرة المصرية في كتاب صدر خلال شهر مارس من العام الحالي 2019.

 

بداية الحكاية

 

مع بزوغ فجر يوم الرابع عشر من سبتمبر من العام 1891، تعالت صرخات مولود جديد اسمه حسين حجازي، ليعكر مزاج جنود الاحتلال في منطقة مصر القديمة، معلنًا قدومه للحياة التي أقبل عليها بكل ما يملك، فهو ابن الأسرة ميسورة الحال والتي ألحقته بأفضل المدارس في مراحل التعليم المبكرة، لكن المفاجأة تمثلت في انجذابه لتلك الكرة المصنوعة من الجلد والتي أدخلها جنود الاحتلال البريطاني إلى المحروسة في العام 1882.

 

في الشارع والمدرسة وحتى المنزل، لم تبتعد الكرة عن قدميّ حجازي، فأفصحت له بكل أسرارها منذ الوهلة الأولى بقدر ما منحها من الحب والاهتمام الكبيرين، فأصبح في غضون سنوات قليلة أشهر لاعب كرة قدم في القاهرة، وأسس فريقًا أسماه «حجازي 11» من بعض أصدقاء الطفولة والدراسة، وجاب شوارع القاهرة ليلاً ونهارًا يبهر جنود الاحتلال البريطاني بتفوقه عليهم في ممارسة اللعبة التي اخترعوها وصدروها للعالم لتصبح اللعبة الشعبية الأولى حتى يومنا هذا.

سبقته شهرته إلى السعيدية الثانوية فأصبح قائد فريق الكرة في المدرسة العريقة، وانضم من خلالها لأول تشكيل لفريق كرة قدم للنادي الأهلي الذي تأسس عام 1907، ليصبح النجم الأول للقلعة الحمراء في 1911، لتبدأ مع هذا التاريخ لمسات القدر التي رسمت وكتبت حكاية «أبو الكرة المصرية» حسين حجازي.

 

عاشق الكرة في عاصمة الضباب

 

وصل الشاب ذو الـ 20 ربيعًا إلى لندن على متن باخرة كبيرة، يحمل حقيبته وأحلام عائلته، مخلفًا وراء ظهره عشق كرة القدم، لينهي فورًا أوراق التحاقه بالجامعة لدراسة الهندسة، ويختار محل سكنه في أحد أحياء العاصمة البريطانية، ولكن المفاجأة أنه كان قريبًا من أحد الأندية الصغيرة التي تمارس كرة القدم، وما كان منه إلا أن لبى نداء العشق، وانضم لنادي دولويتش هاملت في الثاني من سبتمبر من العام 1911.

 

وشارك اللاعب المصري الشاب مع فريق دولويتش هاملت في مباريات ودية عدة، أولها أمام وست نوروود وسجل في شباكه هدفين، كما نجح في إحراز العديد من الأهداف خلال فترة الإعداد ليبهر مسؤولي وجماهير الفريق اللندني، وبعد أقل من شهرين، تلقى حسين حجازي دعوة من نادي فولهام الذي كان ينافس وقتذاك في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي للانضمام إلى صفوفه وخوض مباراة رسمية أمام ستوكبورت كاونتي.

 

"بوابة أخبار اليوم" تنفرد بنشر الصورة الوحيدة لحسين حجازي مع فريق فولهام (الثاني وقوفًا من اليمين بجوار جيمي شارب أسطورة اسكتلندا ) قبل مواجهة ستوكبورت كاونتي التي أدخلته التاريخ، وإن لم يكن يدري ذلك حينها، فهو لعب المباراة من أجل شغفه، ولكنها سجلت الظهور الرسمي الأول للاعب عربي مصري في تاريخ الكرة الإنجليزية والأوروبية آنذاك، ولكنه ليس الإفريقي الأول فقد سبقه بعشرين عامًا الغاني آرثر وارتون الذي لعب لناديي روثيرهام وشيفيلد يونايتد.

 

 

شارك حجازي أساسيًا مع فولهام أمام ستوكبورت كاونتي، وافتتح التسجيل في الدقيقة 15، وقاد الفريق اللندني إلى الفوز على منافسه بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد وسط انبهار كبير وإعجاب شديد من كل المتابعين الذين وصفوه بالساحر المصري.

 

العودة لدلويتش هاملت

 

عقب تألقه في ظهوره الأول بقميص فولهام أمام ستوكبورت كاونتي، أصّر المدير الفني للفريق اللندني، الاسكتلندي فيل كيلسو، على اصطحاب حجازي لخوض مباراة في الأسبوع التالي أمام ليدز سيتي، ولكن النهاية الدراماتيكية لمشوار حجازي مع فولهام جاءت سريعة وغير متوقعة.

فوجئ المهاجم المصري الشاب أثناء تلقيه التهاني من زملاء الدراسة على تألقه في المباراة الأولى مع الفريق اللندني، بوجود رئيس نادي دولويتش هاملت، ويلسون ومساعده جورج ويلر، ليخبره بأنه أحد أهم أعمدة الـ«هاملت»، مؤكدًا حاجة الفريق إلى جهوده في المرحلة المُقبلة، ومشيرًا في الوقت نفسه إلى إن استمراره مع الفريقين - فولهام ودوليتش هاملت - في آن واحد غير قانوني.

 

وكعادة المصريين، كان للعاطفة الأثر الأكبر على قرار حجازي الذي قرر ترك فولهام المنافس في دوري القسم الثاني بعد خوض مباراة واحدة فقط، عاد إلى دولويتش هاملت الذي لا يقارن بفولهام من حيث التاريخ أو الاحترافية، رافضًا السفر مع النادي اللندني لمواجهة ليدز، قائلًا :« كنت أتمنى أن أخوض عددًا كبيرًا من المباريات في الدوري، ولكني أيضًا لا أرغب في الابتعاد عن دولويتش هاملت، ولذلك قررت العودة، وأعتذر عن خيبة الأمل التي سببتها لفولهام».

 

ووقع قرار حجازي على المدير الفني لفولهام الاسكتلندي «كيلسو» كالصاعقة، وبعد أن ضحى حجازي باللعب في الدوري مع فولهام، ورفض عرضًا مغريًا من ميلوال، وقّع المهاجم المصري الشاب عقدًا مع دولويتش هاملت، ليصفه رئيس النادي اللندني الصغير بـ«أشرف من وطأت قدماه ملاعب كرة القدم».

 

الانضمام للمنتخب والتسجيل في مرمى أياكس

 

في ديسمبر من العام 1911 أختير حجازي مع اثنين من زملائه في فريق دولويتش هاملت هما آرثر نايت وجورج شيبوي ضمن تشكيلة منتخب مقاطعة لندن الذي خاض معه خمس مباريات، ليصبح اللاعب المصري الأول والأخير الذي ينضم إلى منتخبات المقاطعات الإنجليزية.

وشهد موسم 1911/1912 تألقًا كبيرًا لحجازي ضمن صفوف دولويتش هاملت بعدما سجل العديد من الأهداف التي جعلت منه أميرًا متوجًا لدى جماهير ومسؤولي النادي الصغير، وتهافتت عليه الأندية الكبرى ثانية، ليوقع «عقد هاو» مع نادي ميلوال مطلع موسم 1912/1913.

 

ولم تكن تجربة ميلوال أفضل من سابقتها مع فولهام حيث ظهر حجازي بألوان فريقه الجديد في مباراتين فقط آخرهما أمام كارديف سيتي، قبل أن يعود مرة أخرى إلى صفوف دولويتش هاملت ويشارك في جولاته الأوروبية، وكانت أبرزها في هولندا، حيث شهدت الفوز الوحيد لـ"الهاملت" على أياكس أمستردام الهولندي بنتيجة 4-1 سجل حسين حجازي منها هدفين.

 

كتاب إنجليزي.. "حسين حجازي.. ملك دلويتش هاملت المصري"

جاك ماكينروي، مؤرخ وكاتب مهتم بتاريخ الكرة الإنجليزية وتحديدًا نادي دولويتش هاملت، خلد أسطورة حسين حجازي في كتاب بعنوان "حسين حجازي.. ملك دولويتش هاملت المصري"، وكان هذا الكتاب خلاصة بحث مدته 25 سنة عن تفاصيل انضمام اللاعب المصري للهاملت، وما قدمه للكرة الإنجليزية من فن وإبداع.

يروي جاك ماكينروي لـ"بوابة أخبار اليوم" :"منذ 25 سنة وأنا أكتب عن تاريخ نادي دولويتش هاملت، وخلال فترة التسعينات لم يكن أحد يعلم من هو حسين حجازي، ولكن هناك جملة قرأتها في كتاب عن تاريخ النادي لفتت نظري لهذا الاسم المصري فبدأت البحث عنه بكل الطرق لأعرف تاريخه وكان مفاجأة بالنسبة لي".

 

"قرأت في إحدى أوراق تاريخ نادي دولويتش هاملت أن الثنائي الأشهر جورج شيبوي وحسين حجازي حصلا على شارة وغطاء للرأس كأفضل اللاعبين في دوري الهواة خلال موسم 1912-13، ونال حجازي شهرة واسعة في كل أوساط كرة القدم الإنجليزية.. ومن هنا بدأت البحث".

 

"بدأت البحث من صحف عصر الإدوارديين، وبالفعل فوجئت بأن هناك لاعب مصري له قصة عظيمة، وكنت أود أن أعرف التفاصيل، لأنني كلما قرأت تقارير ما بعد المباريات في هذا التوقيت أجد أن الأفضل دائمًا اسمه حسين حجازي".

"كتبت مقالي الأول عن حسين حجازي قبل 21 عامًا، ونشرته مجلة تاريخ دولويتش هاملت عام 1998، واكتشفت أنه كان أحد أفضل لاعبي كرة القدم في هذا التوقيت داخل انجلترا، وأثار فضولي أن أعرف ماذا حدث بعد عودته إلى مصر، وهل استمر في كرة القدم أم لا، وبدأت رحلة مراسلات كبيرة".

 

"عندما خاطبت السفارة المصرية لمعرفة طريقة التواصل مع الاتحاد المصري لكرة القدم، لن أنسى ردهم عليّ، فعندما أخبرتهم أنني أبحث عن معلومات حول لاعب هاو اسمه حسين حجازي لعب في الدوري الإنجليزي مطلع القرن العشرين، كان الرد أن حسين حجازي هو أعظم لاعب في تاريخ الكرة المصرية".

 

"خاطبت اتحاد الكرة المصرية وعلمت الكثير عن حسين حجازي وأصول عائلته وتاريخه مع كرة القدم المصرية، وكذلك بدأت زيارات دورية للمكتبة البريطانية في لندن، وبحثت في الصحف وكتب التاريخ، وقمت بتأريخ فترة تألق حجازي مع كرة القدم الإنجليزية، لكن ما علمته من الصحافة المصرية عن فترة ما بعد رحيله عن إنجلترا بسبب الحرب العالمية أكد لي أن تأثير حسين حجازي تخطى فترة اللعب بإنجلترا ووصل إلى تأثير عميق في تاريخ كرة القدم المصرية.. وصدر كتابي في مارس عام 2019 الحالي بثماني جنيهات استرليني".

 

إحباط الفايد يقضي على حلم التوثيق التليفزيوني لأسطورة حجازي

 

يكشف جاك ماكينروي مفاجأة في حديثه لـ"بوابة أخبار اليوم" تتمثل في رفض الملياردير المصري محمد الفايد مالك نادي فولهام الإنجليزي السابق لتمويل عمل تليفزيوني يوثق فترة تواجد حسين حجازي بقميص ناديه في الدوري الإنجليزي.

ويقول جاك ماكينروي :"حضرت اجتماعًا مع اثنين من كتاب السيناريو في هيئة الإذاعة البريطانية BBC وكنا نأمل في تقديم عمل يوثق تاريخ حسين حجازي مع الكرة الإنجليزية، وكان هذا الثنائي يأمل في الحصول على تمويل العمل من الملياردير المصري محمد الفايد مالك نادي فولام آنذاك".

 

واستحوذ الفايد على ملكية نادي فولهام الإنجليزي منذ العام 1997، وحتى العام 2013 الذي شهد بيعه للنادي اللندني لرجل أعمال أمريكي باكستاني يدعى شاهيد خان.

 

واختتم جاك ماكينروي: "للأسف عندما اختمرت فكرة العمل التليفزيوني عن حسين حجازي، كان الفايد في مرحلة شعور كبير بالإحباط بسبب رفض الحكومة الإنجليزية منحه الجنسية البريطانية آنذاك للمرة الثانية".

 

دلويتش هاملت لم ينس حجازي أبدًا

 

مع بداية المراحل الأخيرة في عمر حجازي، وتحديدًا في العام 1959، تصدرت صورته الصحافة الإنجليزية إلى جوار صور تشرشل وعبد الناصر وتحتها تعليق كبير (دولويتش هاملت لم ينس أبدًا حجازي) في لفتة لدعم الأسطورة المصري في أزمته الصحية.

وامتد عطاء حجازي إلى خارج المستطيل الأخضر، وبدأ رحلة إنشاء الاتحاد المصري لكرة القدم عام 1920، حتى تحقق الحلم في نهاية عام 1921، وتم إعلان تأسيس أول اتحاد مصري لكرة القدم برئاسة جعفر والي باشا، لتدخل «المحروسة» مرحلة جديدة في تاريخ اللعبة، ولم ينقطع عطاء حجازي للكرة المصرية إلا في يوم الرحيل 8 أكتوبر عام 1961.

 

وبعد تدهور في حالة حسين حجازي الصحية رحل الأسطورة الخالدة في العام 1961، تاركًا خلفه تاريخًا عصي على المحو أو النسيان سواء في مصر أو إنجلترا واستحق لقب "أبو كرة القدم المصرية".