آمنية

نوفمبر الحزين!

محمد سعد
محمد سعد

بأى حال من الأحوال عادت أيام نوفمبر تحمل ذكرياتها الحزينة ففى هذا الشهر المحمل بالأحداث بالنسبة لى فارقتنى أمى فى السابع والعشرين من ذات الشهر، كما صعدت روح أبى الثانى وشقيق والدى إلى بارئها فى الثامن من نوفمبر، وكان مولد أبى رحمه الله يوافق التاسع من نفس الشهر ولكنه أيضا فارقنى.
نعم نوفمبر حزين فى أيامه ولياليه ثقيلة لدرجة أننى أفقد فى بعض الأحيان الأمل فى طلوع الفجر وأن تهل علينا نسمات ديسمبر، ولما فقدت فى هذا الشهر أمى ولم أعد احتفل بمولد أبى ولم يشأ أن يغادرنى نوفمبر دون أن يأخذ قطعة أخرى من قلبى وهى أبى الثانى عمى الأكبر الذى راعنى فى الصغر وكان يحنو على وشقيقتى بل وكل أفراد عائلتي.
ما أصعب تلك المشاعر التى يودع فيها الإنسان أغلى ما فى حياته يودعه بينما يقف عاجزا فقد أراد القدر واستبق ليسترد وديعته، نعم فقدت والدتى من كانت تدعو لى فيفتح لدعائها أبواب السماء فقد كانت رحمها الله أعظم قيمة امتلكها فى حياتي.
وللحق فإن العيون تودع أحبابها ولا تتصافح الوجوه مرة أخرى فتترك فراغا موحشا وجرحا غائرًا وذكريات مليئة بالأحداث فمن رحلوا تركوا القلوب لتنزف وجعًا.
لحظة فقدان الأعزاء هى لحظة أفلت فيها شمس الحياة وانطفئ الوهج بعد أن أذن المنادى بالرحيل فلا راد لقضاء الله وقدره، ولكن تمكث الذكرى غير راحلةً، وكيف ترحل وهى باقية عالقة بالأذهان، فإلى أمى وأبى لقد أسلمت أرواحكم إلى رب السماء على فراش المرض لكنكم تركتم خلفكم سيرة عطرة تنشر حبا ساكن الأفئدة.
من بين هذه الذكريات استرجع أياما جلست فيها إلى جوار أبى أدعو الله أن يطيل عمره فهو البركة فى الدعاء والدعاء المستجاب، جلست لا أفارقه وهو فى معية الرحمن كى التمس أغلى ما فى الحياة، جلست إلى جوار فراش مرضه ينتابنى الإحساس بقرب الفراق، ودعنى أبى أمام عينى فبكيت وتضرعت لمن يفتح الأبواب، ودعته الوداع الأخير فعز على الوداع وترك فى وجدانى جرحا غائرًا.
من المؤكد أن الموت هو الحقيقة الوحيدة فى الحياة وكذلك يرحل الأحباب ويتساقطون كأوراق الخريق وينتهى الأمر فلله الأمر من قبل ومن بعد فالقدر كتب مشهد النهاية فأسدل الستار على رواية الحياة.
مسك الختام
إلى الله أتوجه بالدعاء - فى تلك الأيام المباركات - أن يتغمد موتانا بواسع رحمته ويسكنهم الفردوس الأعلى وأن يربط على كل القلوب الحزينة ويلهمها الصبر والسلوان.