جرس «التزويغ» ضرب| المقاهى.. ملجأ «الفاشلين» و«البلاى ستيشن» في المقدمة «صور»

القفز من أعلى سور المدارس ظاهرة مستمرة
القفز من أعلى سور المدارس ظاهرة مستمرة

يلقى بحقيبته من فوق السور ليقفز بعيداً عن المدرسة ويتخلص من قيودها.. يسير على الكورنيش أو يجلس على المقهى أو يلعب كرة القدم فى الصباح الباكر أثناء اليوم الدراسي.. كلها مشاهد نراها يومياً تعكس مدى انتشار ظاهرة الهروب من المدارس أو «التزويغ»، هذه المشكلة التى يمكن ان تتسبب فى العديد من الانحرافات للطلاب والتى قد تشكل خطراً داهماً على العملية التعليمية، فتلقى بظلالها السلبية على مستوى الطالب، كما أن اعتياد الرغبة فى عدم التواجد بالمدرسة قد يؤدى إلى ارتفاع نسبة التسرب التعليمى الذى وفقاً لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بلغ عدد المتسربين من التعليم فى الفئة العمرية من 6 إلى 20 عاماً حوالى 1.122 مليون طالب.. بالإضافة للأضرار التى يمكن أن تسببها للمجتمع مثل السلوك العنيف للطلاب والمراهقين الذين يتفرغون للمشاجرات والانحرافات الأخلاقية وغيرها.. يساعد انتشار المقاهى ومحال «البلايستيشن» وساحات الكرة بجوار التجمعات المدرسية فى تفاقم الأزمة، مما دفع بعض الأحياء لإصدار قرارات بإغلاق المقاهى المجاورة للمدارس مثل حى باب الشعرية الذى أغلق 13 مقهى مجاوراً للمدارس لمعالجة المشكلة، كذلك فى محافظة بورسعيد، ولكن الأمر لا يتوقف عند المقاهى فقط.


«الأخبار» تناقش فى هذا الملف ظاهرة «التزويغ»، وترصد حالات الهروب من المدارس على أرض الواقع، كما تناقش المسئولين لتحليل الأسباب والنتائج المترتبة ووضع حلول لمعالجة المشكلة.

 

 

20 جنيهاً للساعة فى ألعاب الفيديو.. و50 لتأجير الملعب صباحاً

إقبال كبير تشهده محال «البلايستيشن» وساحات كرة القدم من الطلاب الهاربين من المدارس، فهذه الأماكن تأتى فى مقدمة أولوياتهم لتضييع ما تبقى من الوقت قبل العودة إلى المنزل.. اثناء جولتنا فى منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، قابلنا مجموعة من محال البلايستيشن وساحات كرة القدم فى قلب المجمعات المدرسية وتحديداً مجمع مدارس السلام.


وسط المجمع تتواجد ساحة لكرة القدم أمام معهد الإمام عبد الحليم محمود الأزهري، وتحاوطها المدارس من كل الجهات وكأنها جزء من اليوم الدراسي، مجرد أرض ترابية مستطيلة يحاوطها سور معدنى طويل.. الشنط المدرسية ملقاة بجوار قوائم المرمى المعدنية وسط ضوضاء مرتفعة من الطلاب: «شوط - باصى - ألعب».


عديم الجدوى


خارجاً من الملعب والعرق يتصبب من جبينه، يقول إبراهيم محمود، طالب فى المرحلة الثانوية، إن المدرسة لم يعد لها أهمية نظراً لضعف أغلب المدرسين أو عدم رغبتهم فى شرح المواد بشكل وطريقة جيدة داخل المدرسة، مؤكداً أن جميع الطلاب يعتمدون على الدروس الخصوصية، ويضيف أنه حريص على لعب كرة القدم فهى هوايته المفضلة، كما أن ممارسة الرياضة ليست جريمة طالما أن حضور جميع الحصص المدرسية عديم الجدوى.


ويتابع : أن أولياء الأمور فى الوقت الحالى يدركون حقيقة أن «السناتر» أصبحت أهم من المدارس وبالتالى أصبح اهتمامهم بالالتزام فى الحضور من عدمه أمرا غير ضرورى، كما أن معظم الطلاب اشتكوا من قبل من انتشار القمامة وسوء النظافة فى محيط المدرسة إلا أنه لم يحدث جديد.
بينما يرى حسين عبد المنعم، طالب فى الصف الأول الثانوى أن الملعب الخاص بالمدرسة لا يمكن اللعب فيه لأنه من المحرمات من وجهة نظر إدارة المدرسة، وبالتالى يلجأ الجميع لاستئجار ساحة الكرة بالقرب من المجمع وممارسة كرة القدم.. ويضيف : أن سعر الساعة حوالى 50 جنيهاً لأن الأرضية ترابية كما أن السعر يقل فى التأجير بالنهار، وهناك ساحات اخرى مغطاة بالنجيل الصناعى تكون مرتفعة التكلفة وتتخطى الـ100 جنيه فى الساعة.


إقبال كبير


«البلايستيشن» يحتل قمة الاهتمامات، فأصبح بمثابة مشروع مضمون النجاح لما يحققه من مكاسب مادية كبيرة.. وتنتشر هذه الأماكن بالقرب من المدارس حيث الإقبال الكبير من الطلاب أثناء اليوم الدراسي.


ويقول مايكل هاني، صاحب محل للبلايستيشن، أن ألعاب الفيديو تعد مشروعاً ناجحاً يستفيد منه الكثير من الشباب الباحث عن الرزق، ومن الطبيعى أن يكون الطلاب هم الفئة العمرية الأكثر إقبالاً، ويضيف أن اختياره مكان المحل بالقرب من المدارس غير مقصود ولكنه حقق منفعة كبيرة، مؤكداً أن هروب الطلاب من المدارس مشكلة مرتبطة بأسباب عديدة أخرى وليست محلات «البلايستيشن» هى السبب بالتأكيد.
ويضيف أنه يبدأ عمله فى العاشرة صباحاً ويكون الإقبال متوسطا وأحياناً كبيرا خاصة يوم الخميس.


ضغوطات المذاكرة


ويرى عمر سيد، طالب فى الصف الثانى الثانوي، أن المدرسة لا تشجع على الالتزام فى حضور جميع الحصص التى معظمها يكون مملا وبدون فائدة، وحتى الكتاب المدرسى لا يشجع على المذاكرة ويتم اللجوء إلى المذكرات والكتب الخارجية، ويضيف أنه لابد من تغيير طريقة الشرح لتكون بشكل مميز يتناسب مع التطور التكنولوجى حتى يهتم الطلاب مجدداً بالحصص المدرسية.


ويضيف أنه دائم التردد على محال البلايستيشن برفقة زملائه، فهى من الأماكن المهمة للترفيه والتخفيف من ضغوطات المذاكرة والدروس المتزايدة.. بالإضافة إلى أنها غير مكلفة فيصل سعر الساعة ل 20 جنيهاً، وأكثر الألعاب المفضلة «فيفا 20» و»بيس 20»، وفى حالة اللعب الجماعى الذى يطلق عليه «مالتي» تكون الساعة بـ40 جنيهاً.


ولا يختلف الأمر فى 45 شارع إبراهيم الرفاعى بمدينة نصر، فأمام مدرسة الشهيد محمد مبروك الثانوية يتواجد محل للبلايستيشن، مما يشكل مصدر جذب للطلاب ويتسبب فى الإزعاج للسكان.

 

 

الطلاب: القفز من على السور «موضة قديمة»

صالات الكمبيوتر ومحال «البلايستيشن» والمقاهي، كلها مغريات تدفع الطلاب إلى ترك المدارس والتخلص من قيود اليوم الدراسى مقابل اللهو واللعب، خاصة إذا كانت تلك الأماكن بجوار المدارس، «الأخبار» قامت بجولة فى عدة مناطق بالقاهرة الكبرى لرصد حالات «تزويغ» التلاميذ، بالإضافة إلى تواجد «الكافيهات» و»السيبرات» بشكل مخالف.


البداية فى مجمع مدارس منطقة روض الفرج بمحافظة القاهرة، فى الساعة التاسعة صباحاً واثناء اليوم الدراسي، رصدنا تجمعات لبعض الطلاب على المقاهي.. مجموعة من التلاميذ يتبادلون الأحاديث، منهم من يلعب «الدومينو» والبعض يدخن «الشيشة» ضاربين بالمدرسة والالتزام فى الحضورعرض الحائط.. فيقول محمود عبد الله، طالب فى الصف الأول الثانوي، إنه يجلس برفقة زملائه على المقهى المجاور لمدرستهم لبعض الوقت فقط لكسر حالة الملل حتى يستطيعوا مواصلة اليوم الدراسى وحضور باقى الحصص، ويشير إلى أن الدخول والخروج فى المدارس الآن أصبح سهلا ولا يضطر الطالب للقفز من فوق السور فهذه الطريقة أصبحت «موضة قديمة»، وبكل سهولة يستطيع الخروج من الباب، فيقول: «التعليم مش بالعافية، والدروس الخصوصية هى الأساس لأن الاعتماد على شرح مدرس المدرسة مش هينجح اى طالب حتى لو كان متفوقا».


ملعب الكرة


بينما يقول زميله زياد محمد، إن المدرسة بشكل عام تفرض قيودا كبيرة على الطلاب بطريقة تجعلهم يبحثون عن الترفيه خارجها، فحتى ملعب الكرة داخل المدرس يُمنع اللعب بداخله فى اوقات حصص الألعاب أو وقت الفراغ.


ويتابع بأن إلقاء اللوم على الطالب فقط أمر ظالم، فعلى سبيل المثال هناك احد المدرسين يتعامل معهم بشكل سيئ للغاية وبالتالى يتعمد عدد كبير من طلاب الفصل الهروب من الحصة، فهناك بعض المعلمين يسيئون معاملة التلاميذ.


ويرى «عم حسين» صاحب المقهى، أن تواجد المقهى بجوار المدارس من عدمه لن يؤثر على هروب الطلاب من المدارس وإنما هى ظاهرة متواجدة منذ سنوات طويلة، ويتابع أنه لا يتعمد فتح المقهى فى الصباح الباكر من أجل الطلاب فهى تعمل على مدار 24 ساعة وإقبال الطلاب يزداد بعد انتهاء اليوم الدراسي.

 


الدراجات النارية


وفى مدينة شبرا الخيمة بالقليوبية، تحديداً مجمع مدارس السلام فى منطقة «عزبة عثمان» والذى يشهد حالة من الفوضى والتسيب.. تمتلئ المناطق المحيطة بمجمع المدارس بالطلاب الهاربين أثناء اليوم الدراسي، المقاهى وأماكن اللهو منتشرة بالمنطقة وكأنها وُجدت من أجل التلاميذ لتلهيهم عن الدراسة.


الأمر لم يقتصر على المقاهى فقط، فأمام مدرسة خالد بن الوليد الإعدادية «بنين»، تصطف الدراجات النارية «الموتوسكيلات»، وسط إقبال ملحوظ من التلاميذ الذين تركوا مدرستهم لتأجير الموتوسيكل والتجول به فى المنطقة المزدحمة معرضين حياتهم لخطر الحوادث.. شاب فى العقد الثالث من عمره يجلس على مقعد خشبى ويقوم بالإشراف على تأجير الموتوسيكلات بمبلغ 40 جنيهاً للساعة، فيقول انه يعمل أمام المدرسة منذ سنوات، وهو مشروع لكسب الرزق وليس له علاقة بهروب التلاميذ، فهم ليسوا فقط من يقومون باللهو بالدراجات النارية وإنما الشباب بمختلف الأعمار.. ويتابع قائلاً : أن معظم الطلاب يخرجون مبكراً من المدارس التى غالباً ما تكون أبوابها بلا رقابة، فهى مشكلة ليست بجديدة وغلق المقاهى وغيرها لن يحل الأزمة.


ويرى محمود السيد، طالب بالمرحلة الإعدادية، أن هروبه من المدرسة واللهو بالدراجة النارية أمر طبيعى لأن الحصص الأخيرة من اليوم الدراسى لا يحضرها احد.