صور| التاريخ مر من هنا.. أسرار 5 بنايات تاريخية بوسط البلد

عمارات وسط البلد
عمارات وسط البلد

- «يعقوبيان» احتضنت سكان ديانات متعددة وأثرياء مصر.. و«رواية وفيلم سينمائي» يجسدان ذكرياتها

-«جروبي» عمارة الأجانب تتحول إلى بيوت عنكبوت.. و«المقهي» ملاذًا للكتّاب والصحفيين والفنانين والنجوم

-«الإيموبيليا».. أغرت 30 فنانًا للسكن بها.. بينهم «ليلي مراد ومحمد عبدالوهاب ومحمود المليجي»

-«بهلر» اشتهرت بأفضل الملابس الماركات العالمية.. وضمت صالات لعرض اللوحات الفنية

- و«صيدناوي» تتحول إلى صرح تجاري لبيع الأقمشة والمنسوجات «مصرية الصنع»

 

«حضارة مصر في بنايات».. طالما جسد الشارع المصري بمعالمه وبناياته ملامح الحياة المعيشية في المحروسة على مر التاريخ، ولعل أبرز هذه المعالم العمارات التاريخية التي ظلت شاهدت على حضارات ازدهرت وأخرى اندثرت، وارتبطت بوجدان كل مصري، لما لها من تفاصيل منقوشة بمهارة، ولارتباطها بأحداث تاريخية وعادات وتقاليد قديمة، بل وقصص وحكايات حقيقية وأخرى من وحي الخيال، وحاولت السينما والدراما تجسيد قصص هذه العمارات، لكنها لم تصل إلى الكثير من أسرارها.

 

لذا، تسلط «بوابة أخبار اليوم»، الضوء على حكايات أشهر عمارات القاهرة التاريخية، التي لا تزال تحتفظ بمعاملها القديمة ورائحتها الذكية، بعدما خلدت تاريخ وذكريات تهفو إليها القلوب.

«يعقوبيان»

البداية من عمارة «يعقوبيان»، فهي إحدى أهم العمارات التاريخية في القاهرة، وقد لاقت شهرة واسعة بعد نشر رواية الأديب العالمي علاء الأسواني، رواية تحمل اسم العمارة، وتعد تلك العمارة شاهدة على تاريخ مصر قرابة القرن من الزمان؛ إذ بنيت عام 1937 على يد عميد الجالية الأرمانية «هاغوب يعقوبيان» قبل أن تعود إلى الدولة عام 1952.

 

 وتقع على مقربة من ميدان طلعت حرب، وهي مميزة لأنها كانت تضم سكان من ديانات متعددة وعدد كبير من سكانها كانوا من الشخصيات الثرية، ولكن بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ تحولت ملكية عدد من شقق العمارة شأنها شأن عدد آخر من عمارات وسط القاهرة، وبمرور الوقت تحولت غرف سطحها لمساكن لإيواء الفقراء بعدما كانت سكناً للخدم في العمارة، أو أماكن لغسل الملابس أو مطابخ لإعداد طعام الولائم.

 

وبكتابة رواية عن المبنى سميت بنفس الاسم وتسببت في ضجة كبيرة في مصر والعالم العربى ثم ما لبث أن تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائى لا يقل إثارة للجدل عن الرواية ثم تحويلها إلى مسلسل تليفزيونى لم يحقق شهرة توازى شهرة الرواية أو الفيلم.

 

ولما سأل الأديب علاء الأسواني، ذات يوم عن سبب تفكيره في كتابة روايته الأولي «عمارة يعقوبيان» التي أثارت الكثير من الجدل، وتحويلها إلى فيلم سينمائي، فأجاب: «كنت أسير بأحد شوارع جاردن سيتي وشاهدت عمارة يتم هدمها بجوار السفارة الأمريكية، فشاهدت جدراناً منهارة كانت تخفي وراءها متعلقات أناس عاشوا هنا منذ سنوات، ولهم فيها ذكريات، وحكايات، ومع تركيزي في التفكير فيما شاهدته، كان قراري بالبدء في كتابة رواية محورها العمارة السكنية التي تشارك بدورها في الأحداث وتعبر عن التغيرات التي قد تطرأ علي جماعة من البشر».

 

وانتهي حديث «الأسواني» الذي لم يكن يفكر في «يعقوبيان» كبناء معماري يحكي سيرة سكانه كما ظن البعض، ورغم ذلك باتت «عمارة يعقوبيان» أشهر بنايات وسط القاهرة منذ الكتابة عنها، وتحول نتاجها الأدبي إلي عمل سينمائي حقق نجاحاً هائلاً عند عرضه عام ٢٠٠٦.

 

لكن الطريف أن القائمين علي الفيلم عندما بدأوا تنفيذه، وجدوا أن تصميم العمارة الحقيقية التي تحمل اسم «يعقوبيان» في شارع طلعت حرب بوسط القاهرة، لا تحمل ملامح الجمال التي تتناسب ووصف الأديب علاء الأسواني في الرواية، ولذا وقع اختيارهم علي عمارة أخرى بالقرب من شارع الشوربجي.

«جروبي»

ومن «يعقوبيان» إلى «جروبي»، فهي تقع في قلب ميدان يعد من أشهر ميادين مصر، وهو ميدان طلعت حرب، وهي إحدى أشهر عمارات القاهرة ليس فقط لطيلة تاريخها أو لشكلها الرائع بل لشهرة كافيه جروبي الذي يعد من أشهر الكافيهات في تاريخ مصر الحديث، والذي يمتاز بمزج الحاضر بالمستقبل إذ يجلس عليه جميع فئات المجتمع وفي مختلف الأعمار، ولكن تم إغلاقه بعد ثورة يناير بفترة قصيرة نظرًا لما حدث من اضطرابات في محيطه، وبمرورك من أمام جروبي ترى عمارة ذات طابع أوروبي ممزوج بنكهة مصرية أصيلة وتطل مباشرة على ميدان طلعت حرب، وأثناء صعودك إلى العمارة تجد عند المدخل الخاص بها أفراد من الأمن يجلسون بين مداخلها.

 

 وكان «جاك جروبي» مالك العقار يسكن بها، حتى مجيء ثورة 1952، وتم تأميم العمارة وخروج الأجانب من مصر، وتم ضمها لشركة مصر للتأمين.

 

والعمارة لم يبق منها سوى 5 شقق سكنية، واستحوذت الشركة على باقي الشقق، وقد أغلق أصحاب تلك الشقق أبوابها الخمسة، ولم يأت ملاكها إليها منذ سنوات ويدفعون الإيجار لشركة مصر للتأمين.

 

ويظهر مقهى «جروبي» الذي يطل على مشهد بانورامي جميل بميدان طلعت حرب، في أسوأ حالاته، حيث تحولت أركانه لبيوت عنكبوت، وأغلقت أبوابه بأقفال وسلاسل، وتساقطت كل الأشياء الجميلة من ديكورات شاهدة على تاريخه.

 

ومقهى جروبي افتتح عام 1892، وظلّ المكان ملاذًا للكتّاب والصحفيين والفنانين ونجوم السينما ونجوم المجتمع حتى أواخر القرن الماضي قبل أن يتدهور حال المكان، وفي منتصف القرن الماضي، كان الملك فاروق يزور الكافيه من وقت لآخر، لذلك قرّر «جروبي» أن يصنع كأسًا وفنجانًا للملك فاروق مطليين بالذهب، لا يُقدّما إلا للملك.

 

واشتهر «جروبي» بصنع قطع الحلوى والآيس كريم، فكانت العائلات الكبيرة تصنع «تورتة» عيد الميلاد هناك نظرًا لتميّزها عن أي مكان آخر.

 

و«جروبي» هو أول من اخترع علامة الآيس كريم الشهيرة «كيمو» واشترتها بعد ذلك شركة Nestle العالمية، ليصبح «كيمو» أشهر ماركة آيس كريم في مصر وربما في الوطن العربي.

 

ولم يعلم «جروبي» عندما أنشأ مع ابنه مطعمًا ومتجرًا لبيع الحلوى يحملان اسمه في وسط القاهرة, أنهما سيصبحان علامة تاريخية في أهم ميادين القاهرة أحدهما بميدان طلعت حرب (سليمان باشا سابقا), والآخر بشارع عدلي.

 

وربما نجح «جروبي» لروعة المكان الذي كان يقدم فيهما الشطائر والحلوى والمشروبات على الطريقة الأمريكية, كما لم يكتفِ جاكومو بالمحلاّت الأربعة فكان يعمل على توصيل طلبات خارجية مثل إقامة الولائم في بيوت الوزراء والكبراء.

 

ولم يكن جروبي مجرد مطعم ومقهى على الطراز الفرنسيّ, وإنما جاء كمشروع ثقافي يرسي ذوقا وتقاليد جديدة, حيث اعتبر مركزا من مراكز الحداثة, فكان يقيم العديد من الحفلات الراقصة, ويستقدم الفرق الموسيقيّة, ويعرض في حديقته الخلفيّة عددا من الأفلام السينمائيّة.

 

 وأدخل «جروبي» إلى مصر للمرة الأولى أنواعا جديدة من الشيكولاتة والعصائر المركزة والمربى والجبن, وكرات مثلجة من الحليب والشيكولاتة وعصير الفواكه, وأنواع جديدة من الحلوى كانت اسمائها جديدة وقتها: كريم شانتي, مارون جلاسيه, جيلاتي, ميل فوي, إكلير, بُول دي شوكولاه, وغيرها.

 

وتم تصوير العديد من الأفلام العربية بالمحل، أشهرها «العتبة الخضرا» و«يوم من عمري» و«عمارة يعقوبيان»، و«صايع بحر»، ومسلسل «جمهورية زفتى».

«الإيموبيليا»

أما الإيموبيليا، فكانت ضمن ممتلكات المليونير المصري القديم أحمد باشا عبود, أغنى أغنياء مصر قديمًا, حيث كانت تقدر ثروته ب 30 ملايين جنيه في الثلاثينيات.

 

وتقع العمارة في شارع شريف بوسط القاهرة، ويرجع تاريخ إنشائها إلى العام 1940م، وتقع على مساحة واسعة 5444 مترا مربعا، ويصل عدد الشقق بها إلى 370 شقة، وتتكون العمارة من برجين، أحدهما بحري، ويتكون من 11 طابقا، والآخر قبلي، ويرتفع 13 طابقًا.

 

وتكلف بناؤها - آنذاك - مليونا و200 ألف جنيه مصري، ومع بدء تأجير الشركة المالكة لشقق العمارة نشرت إعلانا في الصحف لتشجيع الناس على السكن بها من خلال التركيز على عدد المصاعد الموجود بها، والذي يقدر بنحو 26 مصعدا.

 

ووصلت قيمة عقد الإيجار في الإيموبيليا إلى ستة جنيهات، وارتفع إلى تسعة جنيهات، وأخيرًا 12 جنيهًا حسب مساحة الشقة.

 

وتسابق الفنانون والمشاهير على السكن فيها ووصل عددهم إلى 30 فنًانًا، ولعل أبرزهم ليلي مراد وأنور وجدي، ومحمود المليجي، ومحمد عبدالوهاب، ومحمد فوزي، ونجيب الريحاني، وماجدة الصباحي التي لا يزال مكتبها موجودًا بها حتى الآن، ولا تزال تتردد عليه.

«بهلر»

أما بناية «بهلر» فتعود ملكيتها إلى رجل أعمال سويسري يدعى تشارلز بهلر، الذي امتلك قديمًا سلسلة من الفنادق الضخمة الشهيرة وعقارات بالقاهرة، ونُسب إلى أشهر ممر وعمارة وفندق بوسط البلد، وهو ممر بهلر.

 

 وتم بناء هذه العمارة أو هذه المنطقة على الطراز الباريسي، وكان ممر بهلر اشتهر بأفضل محال الملابس الرجالي والحريمي، ومن أفضل الماركات العالمية، بالإضافة إلى صالات لعرض اللوحات الفنية لكبار الفنانين.

 

أما صاحبه «بهلر»، فهو صاحب فندق «الماريوت» حاليا، وكان يفضل شراء المزيد من الأراضي الزراعية في جزيرة بولاق الزمالك؛ لتكوين شركة تنمية عمرانية.

«صيدناوي»

أخيرًا بناية أو عمارة «صيدناوي»، فهي تقع في قلب ميدان الخازندار بحي الموسكي، وشيدها الأخوان السوريان سليم وسمعان صيدناوي، وهما من طائفة الروم الكاثوليك، وتقع على مساحة تبلغ 8530 متراً ليكون صرحا تجاريا ضخما بارتفاع 4 طوابق، وكان متخصصا في بيع الأقمشة، والمنسوجات المصرية الصنع، والتي كانت تصنع في الورش المملوكة لهما، وكانت المساحة المسطحة للطابق الواحد تبلغ حوالى 1700 متر.

 

وكانت بداية «سمعان» محل صغير للخردوات في منطقة الحمزاى بالأزهر، وبعد فترة حضر إلى مصر شقيقه الكبير «سليم» وشاركه في المحل، ثم اتسعت تجارتهما وضاق بهما الدكان الصغير، فانتقلا إلى حى الموسكى، واشتريا منزلاً قديما في ميدان الخازندار وهدماه ليشيدا مكانه دكانًا كبيرًا، وبعد شهرة الشابين وحسن سمعتهما، توسعا في التجارة، وقاما بتحويل المحل إلى صرح كبير هو تحفة معمارية في البناء والتصميم والديكورات.