المولد النبوي الشريف في تونس .. ما بين الأجواء الروحانية والتقاليد الموروثة

أرشيفية
أرشيفية

يحظى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في تونس بمكانة خاصة، إذ يحافظ التونسيون على عادات وتقاليد توارثوها منذ عقود، ويحرصون على إحياء الروابط العائلية وتبادل الزيارات، بالإضافة إلى الاحتفالات التي تقام في دور العبادة.
وفي صبيحة المولد النبوي الشريف، يتوافد المسلمون بتونس على المساجد، ومن أهمها جامع الزيتونة المعمور الذي يقع في قلب المدينة العتيقة، كما يعد جامع عقبة بن نافع بمدينة القيروان وجهة أغلب التونسيين من باقي الولايات، لاحتفالاته المميزة بذكرى المولد، والتي تشمل تلاوة للقرآن الكريم ومحاضرة في السيرة النبوية والإعلان عن نتائج مسابقة حفظ الأحاديث النبوية.
وقال رئيس جمعية مهرجان المولد النبوي الشريف بالقيروان علي بن سعيد إن المدينة، تشهد خلال هذه المناسبة، عروضا للأناشيد الصوفية ومدائح بالإضاقة إلى أذكار وتنظيم مسابقات دينية وثقافية خلال الفترة من 2 وحتى 10 نوفمبر الجاري .
بدورها، قالت نجاة الهمامي المكلفة بالإعلان بوزارة الشئون الدينية التونسية - لموفدة وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى تونس - إن الوزارة تنظم كل عام ندوة دولية كبيرة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تحتضنها مدينة القيروان ويشرف عليها وزير الشئون الدينية ومفتي الجمهورية، وهذا العام عقدت الندوة يومي 2 و3 نوفمبر الجاري تحت عنوان "المنهج النبوي في ترسيخ دور الشباب والتنمية وآثاره في الواقع المجتمعي"، وشارك فيها مسئولون في مجال العلوم الإسلامية من تونس والمغرب والجزائر والأردن والكويت.
وأضافت الهمامي أن وزارة الشئون الدينية أعدت هذا العام قرابة 13 ألف نشاط ديني موزعا على الجوامع والمساجد بمختلف الولايات بين محاضرات ودروس ومسابقات في حفظ القرآن الكريم والحديث النبوي والمسامرات وغيرها من الأنشطة.
وأوضحت أن الجوامع المركزية في كل منطقة تعمر بحفلات الذكر المحمدية والسيرة النبوية في ليلة المولد النبوي الشريف والتي يشرف عليها أحد أعضاء الحكومة والولاة، كما يتم تلاوة قصيدة "الهمزية" في مدح الرسول الكريم للإمام البصيري بكل المساجد في صبيحة المولد النبوي الشريف.
ولفتت الهمامي إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي شهد في السنوات الأخيرة زخما كبيرا لاسيما بعد اعتبار بعض الحركات أن هذه الاحتفالات "بدعة"، مشيرة إلى أن المجتمع التونسي نبذ هذه الأفكار، حيث أن المولد النبوي من العادات والتقاليد الجميلة التي يتم خلالها استحضار سيرة الرسول الكريم والتعريف بالقيم التي حث عليها، كما أنه يمثل فرصة لتبادل الزيارات العائلية والتوافد على الجوامع، ويعد من القيم الحميدة التي تعبر عن هوية المواطنين التونسيين.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يدخل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف نشاطا على الأسواق والمتاجر المختصة في بيع الفواكه الجافة وخاصة باعة حبات "الزقوقو"، أو ما يعرف بحبات الصنوبر، التي تمثل المكون الأساسي لعصيدة الزقوقو التونسية التي تعد خصيصا احتفالا بالمولد النبوي الشريف، وتتفنن التونسيات في إعدادها وتزيينها وتوزيعها على الأقارب والأصدقاء.
ولعصيدة الصنوبر الحلبي أصول تاريخية حيث تذكر التونسيين بالمجاعة والجفاف التي عرفتها البلاد عام 1864، حينها اضطرت أعداد كبيرة من العائلات إلى اعتماد الصنوبر الحلبي كمادة معوضة للقمح.
كما تنتعش مهن عديدة بمناسبة المولد النبوي، حيث تنتشر آلات طحن "الزقوقو" والفواكه الجافة في الشوارع، وتعرض المحلات مستلزمات إعداد العصائد من أوان وملاعق خشبية وأوعية طبخ، إلى جوار أنواع الفواكه المجففة وأصناف الحلويات.
وعلى الصعيد السياحي، يعد المولد النبوي الشريف فرصة لتنشيط السياحة لاسيما في مدينة القيروان التي أعلنت هذا العام عن تنظيم يوم سياحي يتم خلاله افتتاح معرض الصناعات التقليدية، إقامة عرض فلكلوري لفرقة العوامرية، عرض للفروسية، عرض الجحفة التقليدية، وعرض تنشيطي للفن الشعبي.
وهناك توقعات بأن يبلغ عدد زوار مدينة القيروان هذا العام نحو مليون شخص، وتم بهذه المناسبة نصب شاشات عملاقة لعرض تسجيلات مصورة تبرز معالم القيروان وتوثق الموروث الثقافي والسياحي للمدينة وتروج للسياحة والثقافة والتراث اللامادي، فضلا عن لقطات وشهادات من أجواء احتفالات العام الماضي، ومقتطفات من برنامج مهرجان هذا العام، إلى جانب تخصيص قاعات عرض لمختلف المنتجات القيروانية، على غرار المقروض والزربية والحايك والنحاس والمفروشات والخبز.
ويتضمن برنامج الندوة المولدية التي تنظمه وزارة الشئون الدينية هذا العام بالقيروان، استعراضا للدراجات النارية، دورة دولية في كرة القدم، مسابقة في طبخ "العصيدة"، حفل ختان للأطفال بالإضافة إلى عرض صوفي، خيمة توعية عن خطر المخدرات، وعرض للفوانيس الطائرة وآخر ضوئي ضخم .
وتشير كتب التاريخ إلى أن تونس هي أول من شهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 912 ميلادية، حيث تم الإعلان عن تأسيس الدولة الفاطمية في مدينة المهدية التونسية، وذلك قبل فتح الفاطميين لمصر عام 969 ميلادية وتأسيس القاهرة التي اتخذوها مركزا لنشر ثقافتهم وعاداتهم الروحية.