من باب العتب

الأمراض لا الأعراض يا سادة..!

د. محمود عطية
د. محمود عطية

شك كبير يؤرقنى أن بعض نواب مجلسنا الموقر غير واعين بأسباب الأوجاع الحقيقية للمجتمع المصرى وعلى رأسها تدنى سلوكياتنا.. ويزعجهم مثلنا ما نسمعه ونقرأه عن انتشار بعض الجرائم النوعية فى المجتمع أى تزعجهم الأعراض وليس أمراض المجتمع الحقيقية وأسبابها وكيفية علاجها.. وإلا لماذا لا يسألون أهل العلم والاختصاص عن سر هذا التدنى والقسوة المريبة، ويقدمون اقتراحات بقوانين تتعامل مع أعراض المرض وليس مع المرض وأسبابه..!
لذا أشعر بغصة من اقتراحات بعض النواب الأخيرة ولا التمس فيها الحس بأمراض الشارع وما يغلى فى قلبه وعقله.. فنائبة تطالب بتجريد منطقة العجوزة من مراكز ثقافية وحضارية وترفيهية لصالح مشاريع تجارية تلتهم ما تبقى من أنسنة الشارع المصرى.. وآخر يريد تركيب كاميرات بدور العلم لمعرفة ماذا يحدث من المعلمين كأننا ننشد الفضيلة بحد السيف على الرقاب.. ونائبة تريد فرض الذوق والحشمة بالقانون فيما يشبه دعوة لمحاكم تفتيش ومآسيها ولم نتعلم الدرس بأن الأخلاق تربى وتهذب بتلبية الحاجات الأساسية للإنسان ومن خلال مؤسسات المجتمع بداية من الأسرة حتى مؤسسات التعليم والإعلام..!
إننا يا سادة أمام أعراض لأمراض ضربت البنية التحتية لأخلاق المجتمع ورمته فى أتون نيران عصور ما قبل الإنسانية واقتراحات بعض النواب تتعامل مع الظواهر والأعراض الخارجية كأننا بذلك نقضى على المرض.. لماذا لا نلحظ أن مجتمعنا يحيا تحت نير العديد من الاختناقات تنتج ما نحن فيه بداية من اختناق اقتصادى حتى الاختناق التعليمى والمرورى.. أوجاع سرطنت حياتنا وأفرزت ما نراه من أعراض وعلاجها بمشاريع قوانين لا يقضى على الأمراض ربما يقلل من العرض لا المرض.. فلا سبيل إلا بمواجهة حقيقية لأمراضنا ورغبة أكيدة فى احتوائها.. لماذا لا يدرك السادة النواب أن أى قوانين فى العالم لا تتعامل سوى مع الأعراض أما الأمراض فتتكفل بها كل مؤسسات الدولة.. والمجلس من اختصاصه محاسبة مؤسسات الدولة على تقصيرها فى معالجة الأمراض وليس على الأعراض فقط.
لماذا لا يتساءل النواب ما الذى يجعل قلب كمسارى قطار يتحجر ويزهق روح راكب ليس لديه ثمن تذكرة..؟! ولا لماذا يذبح شاب يذود عن فتاة يتم التحرش بها..؟! وكيف وصلنا لمرضى يموتون أمام أبواب مستشفيات ترفض استقبالهم لعدم قدرتهم المالية..؟! ومن وراء تخلى المدارس عن طلابها لصالح الدروس الخصوصية ويغتصب جيب أولياء الأمور..؟! ولماذا تضخمت إمبراطوريات الميكروباصات بكل مدننا..؟! وما السر فى عدم القدرة على إنهاء سطوة التكاتك..؟! ومن يساند بلطجية الأرصفة وإتاواتهم على أصحاب السيارات..؟! ولا كيف غلظت قلوب مواطنين يتفننون فى تعذيب الحيوانات ويرفعون مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعى..؟!
وجرائم أبناء وآباء يعجز عنها الشيطان تعج بها صفحات الحوادث بالجرائد اليومية ولا أريد تكرارها هنا..!
كل تلك المظاهر السابقة هى أعراض لأمراض انتشرت وابتلى بها المجتمع.. وفارق بين التعامل مع العرض وعلاج المرض.. فالتعامل مع العرض وحده لا يعالج المرض اللابد فى ذهنية المجتمع!