بالشمع الأحمر

بوليس الأخلاق!!

إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى

لم تتحمل سلوكه السمج، عندما أطلق عبارات بالغة البذاءة دون أن يراعى وجودها على مقربة منه، على الفور أخرجت هاتفها وطلبت «بوليس الأخلاق»، ورغم سرعة الاستجابة، كان الفتى قد اختفى عند وصول الشرطة، ولم تستطع الفتاة افتعال مشادة لتعطيله، لأنه لم يُوجّه الكلام لها أساسا، بل كان يتبادل مع صديقه سبابا لا يخلو من مفردات جنسية قبيحة، كعادة كثيرين ممن يخترقون أسماعنا بسفالاتهم. وجدت الفتاة نفسها فى مأزق حقيقى، لأنها مُهددة بتهمة البلاغ الكاذب، وهى مشكلة تواجه معظم من تعاملوا مع قانون حماية الذوق العام، منذ أطلقته النائبة البرلمانية حتى إقراره، فانهالت البلاغات على الشرطة ضد من تشملهم لائحة جرائمه، لكن المتهمين كانوا يختفون دائما، لا لأنهم يهربون، لكن لأن مخالفة الذوق العام أصبحت ممارسة تلقائية تتم حتى خلال الحركة اليومية، مما يجعل ضبطهم شبه مستحيل، إلا إذا ارتكبوا جريمتهم فى وضع ثبات بمطعم أو مقهى أو دار سينما.
قبل أن يشعر البعض بالحيرة أوضح أن المشهد السابق من وحى الخيال، فلا البرلمان أقر القانون، ولا وزارة الداخلية خصصت شرطة للأخلاق العامة، لكن السيناريو المُختلق مجرد عزف على أوتار القانون المُقترح! الذى يضم جرائم مُقتبسة من قوانين قائمة بالفعل، ومخالفات تحتاج إلى علاج أسبابها من الجذور، قبل فرض عقوبات عليها. عرفتُ بمشروع القانون عبر «قفشات» ساخرة من أحد بنوده، وهو ارتداء ملابس غير لائقة فى أماكن عامة، على الفور ضبطتُ ذهنى مُتلبسا بالمزايدة على النائبة الموقّرة، فبدأتُ تحديد مواصفات الملابس اللائقة بالشبر والسنتيمتر، كى لا يخضع التجريم لتقييمات فردية، لكن قابلتنى مشكلة مؤرقة، هل ستكون المواصفات القياسية المعمول بها فى كفر الشيخ مثلا، هى نفسها التى تسرى فى شرم الشيخ؟ وهل نُخاطر بتطبيقها على الأجانب ونضرب السياحة فى مقتل؟ استبعدتُ أسئلة كثيرة من هذه النوعية، تاركا الأمر للائحة التنفيذية للقانون، وقررتُ اقتراح مادة خاصة لمعاقبة مصممى الأزياء، فلولا تقليعاتهم لما واجهنا مشكلة الملابس الخادشة للحياء، والمُحرض على الجريمة لا يقل عن فاعلها.
قبل أن أستفيض فى أفكارى فوجئت بالنائبة تتراجع، وتؤكد أن قانونها لم يتطرق إلى الملابس من الأساس، وكالعادة أصبحت الصحافة هى المُذنبة. وهكذا لم أعد أعرف الفارق بين الادعاء والحقيقة، عندما قرأتُ فى إحدى الصحف أن القانون يركز على: «السلوكيات الخادشة للحياء التى تتضمن تصرفات ذات طبيعة جنسية»! أعدتُ قراءة العبارة عدة مرات، ولم أستطع فهم دلالاتها، ولا الفارق بينها وبين مصطلح: «فعل خادش للحياء فى الطريق العام». وحسبما «ادعت» الصحف فإن لائحة الجرائم تضم: رفع صوت الموسيقى فى الأحياء السكنية، وتشغيلها فى أوقات الأذان، وإلقاء النفايات فى غير الأماكن المخصصة لها. وخلال لقائها مع إحدى الفضائيات، لم تتطرق النائبة إلا لإلقاء القمامة من بين التُهم السابقة، ثم ضربت أمثلة أخرى مثل البصق والتبول فى الشوارع، هنا أكدت الإعلامية لميس الحديدى، أنها كان من الأولى أن تطالب بتوفير حمامات عامة، وقتها ستختفى الظاهرة السلبية تلقائيا، فسارعت النائبة بضرب أمثلة جديدة، مثل تعدى طالبة على عميد كلية، وضرب طالب لمُدرّسته، دون أن تنتبه إلى أن لوائح الجامعة تواجه التجاوز الأول، وقانون العقوبات كفيل بالثانى!
يظن البعض أن كثرة القوانين يمكن أن تضبط الإيقاعات المُختلة، ولو كان الأمر كذلك لاختفت الجرائم من العالم، بفعل القوانين القائمة والعقوبات المشددة، لهذا أتمنى أن نتفرغ لمواجهة مشكلاتنا الحقيقية بآليات فعالة، لأن موضوعات التعبير وحدها لن تصلح كوقود لثورة تصحيح الذوق العام.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي