يوميات الأخبار

الطبيعى يكسب

سمير الجمل
سمير الجمل

سمير الجمل

هذه اللوحات أو «نكش الفراخ» كما تسميها المرحومة جدتى.. صنعت ثروته بالحلال.

بين الأموات هو وعائلته كان يبحث عن مأوى لمجموعة الأحياء المسئول عنهم والعائل الوحيد لهم.. ومع ذلك وجد من سبقه إلى مقبرة أبيه واحتلها وحرم عليه أن يستقر بها ولو إلى حين.. وكيف له أن يعيش مع هذا المسطول دائما الذى دخل يتفاوض معه.. فدعاه إلى حفلة أنفاس ضربها مرغماً وخرج إلى زوجته فى مشهد تاريخى يناديها مترنحاً:
«يا سعاد أنا شربت حشيش.. يا سعاد صوّتى!»
ولأن الجملة جاءت على لسان عادل إمام تحولت إلى فولكلور شعبى.. كلما حاول سبع الرجال أن يتصدى لحل مشكلة عائلية فإذا به يعود إلى الست مراته يترنح يحمل على كاهله عشرات المشاكل فهل يرفع الراية البيضاء مستسلماً؟ أبداً.. فلا عاش ولا كان ولا استحق بطاقة نادى الرجولة.. التى هى فى أصلها وفصلها «موقف» قبل أن يلخصها البعض فى شارب وسيجارة وحجر حشيش وصوت ينافس أنكر الأصوات.
أذكر أننى شاهدت العرض الخاص لفيلم «كراكون فى الشارع» بحضور مخرجه أحمد يحيى وكاتبه أحمد الخطيب وبطلته يسرا مع عادل إمام.. الذى اعترض على عبارة نجم مصر الأول وقد سبقت اسمه فى مقدمة الفيلم.. كانت المسألة متاحة وممكنة لأن الفيلم لم يكن قد نزل إلى العرض الجماهيرى بعد واستجاب المخرج لأن عادل أكبر من كل الألقاب مع ملاحظة أن الفيلم تم إنتاجه فى أوائل التسعينيات.
ومنذ فترة قريبة التقيت عادل ولا أدرى لماذا ضربت فى نافوخى هذه الجملة دون غيرها مما جاء فى الفيلم.
ـ يا سعاد أنا شربت حشيش!
وكان رد عادل التلقائى وبما يتناسب مع عصرنا الحالى:
ـ وإيه يعنى يا حبيبى أنا كمان شربت بانجو!
قصة الفيلم تلخص حاجة الإنسان إلى المأوى.. وتعلى من شأن البيت الذى يجمع أفراد الأسرة تحت سقف الأمان والحماية.
فما أسهل أن يتسلى الشاب باسم الحب.. وفى هذه الأيام يدخل من الباب ويطلب يد الفتاة.. وبمجرد قراءة الفاتحة يتعامل معها على أنها «مراته».. وبعض العائلات لمجرد أن شجيع السيما طلبها للزواج يعتبرون هذا كافيا لكى يدخل ويخرج كما يحب كأنه فى بيت أهله.. وهناك من يضحى بثمن دبلة الخطوبة.. والأب المسكين يسمح بذلك لأن الشباب هذه الأيام يجد من التسالى والفرفشة ما يغنيه عن الزواج ومتطلباته ومسئولياته.. ولأن الولد جاء من الباب فيجب أن نفتح له كل الأبواب.. والنتيجة أن سيادته بعد أشهر قليلة يحس بالشبع بل والملل وينصرف إلى ضحية جديدة يدخل لها من الباب أيضا.. وكم من الجرائم يرتكبها الباشمهندس الذئب وهو يرتدى جلباب الحمل الوديع.. ويا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا!
يا سعاد هو شرب الحشيش.. وأنت فى المقابل تشربين البانجو.. وتجلسين فى خيمة رمضان تضربين الشيشة ويتحول منخارك المقطقط إلى مدخنة.. «يع» من المنظر..
سعاد التى تضرب بها الأمثال قد ترتدى الملابس المحتشمة لكن أفعالها على الكورنيش عارية ومفضوحة.. صوتها كأنه «جاعورة».. قد غاب عنها الحياء الذى هو رمز الأنوثة وعلامة الجودة.. وهنا علينا أن نفرق بين حياء طبيعى.. وحياء صناعى به إضافات وألوان ومكسبات طعم ورائحة.. تماما مثل تانت وأبلتى وخالتى من مغنيات الفيديو كليب كل ما فيهن مزيف وقد قلت ذات مرة أننى أخشى إذا دخلت الغندورة على سبيل المثال لا الحصر.. إلى المطبخ لا قدر الله لتصنع لنفسها كوبا من «الهوت شوكلت» أن تقترب من البوتاجاز ونرى السليكون وقد ساح وراح مطرح ما راح.. دخلته بصدرها النووى الجبار..وخرجت من المطبخ على المحارة.
وفى قول آخر.. ماذا لو كانت الأمورة فى مكان مفتوح وسقط المطر.. ووصل الماء إلى المسكرة فأصبحت مسخرة.. وإلى المكياج فأصبح وجهها لوحة سريالية تنافس رسومات فاروق حسنى التى اختلط أحمرها بأزرقها بأخضرها.. ولكنها أنقذته على كل الحال من المحاكمة بتهمة التربح من المال العام.. لأن هذه اللوحات أو «نكش الفراخ» كما تسميها المرحومة جدتى.. صنعت ثروته بالحلال.. ولله فى خلقه شئون فيما يرسمون وفيما يشخبطون وفيما يبيعون وفيما يشترون..
الطبيعى يكسب.. ويكفى جدا يا سعاد القليل من الكحل فى العين والزيت فى الشعر.. والكريم على الوجه ولنا فى الفلاحة ابنة الأرض خير مثال ودلال وجمال.. خاصة إذا كانت ذاهبة إلى فرح ابن عمها أو ابنة خالتها ستجدها فلة.. وعلى الطبيعة..
البنت الآن.. أمامها برامج تعلمها فنون المكياج بالساعات وعروض أزياء.. وقنوات متخصصة فى الطبخ.. ودكاترة على الهواء يجيبون عن جميع الأسئلة فى أمراض النساء والأطفال والأنف والأذن والحنجرة ومع ذلك الأمهات غائبات عن البيوت.. ارتفع مستوى الجمال الخارجى بفعل الإضافات الصناعية.. وهبط أو اختفى جمال الروح..
هو شرب الحشيش بالصدفة.. وهى شربت البانجو والشيشة وبلبعت الأقراص عمداً ومع سبق الإصرار.. ومن باب العناد.. تخلت عن شعرها الطويل وقصت شعرها.. ولبست الحذاء الرياضى الكوتشى.. والبنطلون وجلست على المقهى تدخن.. وتنظر على الرايح والجاى.. ركبت الموتوسيكل.. ولعبت الملاكمة.. ورفعت الأثقال.. ومارست الكاراتيه.. والكونغ فو.. وأصبحت تقضى فى الجيم أكثر مما تقضى فى المطبخ.. فظهرت عضلاتها حتى قال أحدهم إن مراته أصبحت نسخة حريمى من «رامبو».
على عربة كارو
سعاد لازمت زوجها فى الفيلم الباشمهندس شريف.. والبيت على عربة كارو يقودها حمار.. ويطاردها البوليس وهى قانعة وسعيدة.. بهذه الحياة الترانزيت فالناس تخرج من بيوتها وتعود إليها.. إلا هذا البيت فإنه هو الذى يخرج ولا يعود إلى نفس المكان.. وللحمار وجهة نظره فى ذلك فقد يفضل العتبة على شبرا.. أو مدينة نصر على حى الزمالك أو جاردن سيتى..
ـ يا سعاد.. أنا شربت حشيش!
وكان من الممكن أن يأتيه جوابها فى غيظ:
ـ اشرب هباب.. ما أنا شاربة المر معاك انت وعيالك.. كانت جوازة يعلم بها ربنا.. أنا ياما أتقدم لى أكابر من علية القوم.. ومن تعاستى ونظرى الضعيف اخترتك.. كان زمانى ساكنة فى قصر.. عندى خدم وحشم..
تعالى يا ماما شوفى البهدلة اللى فيها بنتك!
يصرخ فيها مجدداً:
ـ يا سعاد أنا شربت حشيش!
ترد عليه هذه المرة:
ـ وفيها إيه يا حبيبي.. إشرب عشان تنسى وأنا كمان أنسى..!
قال لى عادل إمام فيما بعد:
ـ العاقل جداً فى هذه الحياة من يعيشها فى ثياب المجانين.. والمجنون جداً من يحتفظ ببعض العقل فى «الديب فريزر»!
على نفس اللحن
> فى ليلة فرحى رقصت وغنيت لعبدالحليم حافظ.. وبعدها بكام شهر لم يعد على لسانى إلا «موال الصبر» لشفيق جلال!
> قابل زميلة الدراسة الجامعية بعد ٢٥ سنة وكان يتمنى الارتباط بها وسألها عن أحوالها مع زوجها؟
فقالت: الأول ولا الثانى ولا الثالث ولا الرابع؟
فابتسم لها مندهشا: ما شاء الله.. ويا ترى وضعك إيه دلوقت؟
 قالت: عندى عروض بافكر فيها قبل «الميركاتو الشتوى»!
> «إذا استطعت أن ترضيها أرجوك بلغنى».. رسالة من أعزب مضرب عن الزواج لم يتلق لها إجابة اللهم إلا رسالة واحدة من امرأة لا يعرفها تقول فيها:
ـ أنا راضية ومبسوطة جداً لأن جوزى مات بعد أسبوع من جوازنا!
> الفراعنة بنوا الأهرامات من آلاف السنين وكانت «معجزة».. أنا الآن أمشى فى شارع الهرم وأحتاج إلى «معجزة»!
> هو يحب «المخ» فى الأكل.. وهى تفضله «بدونه» هو لا ينام إلا فى الظلام.. وهى تخاف ولابد من لمبة سهراية منورة.. هو يحب أن ينفق كل ما فى الجيب وهى تعرف جيداً شئون التدبير.. هو يحمل مسئولية نفسه بالعافية.. وهى تريد أن تلقى على أكتافه بكل شىء وتزوجها.. وطلقها حتى نفدت مرات الرسوب.. وكان الفائز الوحيد فى الحكاية كلها «هو المأذون»!
> تزوجا عن «حب».. وتطلقا أيضا عن «حب» فى الأول كان كلاهما يفكر فى شريكه.. فى الثانية كان كل واحد يفكر فى «مصلحته» ومع ذلك أنت لم تحب نفسك فى أول الأمر حتى تحب غيرك فى آخره!
> الصداقة تعمر البيوت أكثر من «الحب».. لأن الصداقة نظرها حاد وعندها «بصيرة».. لكن الحب «أعمى» ولأنه مثل «البورصة» تكسب فيها مرة وتخسر مرات أو العكس!
>> ضبطته يعاكس جارتها لكنه بكل هدوء قال لها:
ـ اوعى تفهمينى غلط.. أنا كنت باختبرها وأشوفها مخلصة زيك.. ولا من إياهم!