يوميات الأخبار

كراسى فى «كلوب» التنوير !

عصام السباعى
عصام السباعى

«وبعد أن «كانت الدنيا نورا من حولنا» تحولت إلى ظلام، ولا أحد يعرف سر ذلك «اللهو الخفى» الذى ضرب الكراسى فى «كلوب» التنوير المصرى»!

الاثنين:
أتـابع كعادتى فى كل يوم اثنين وخميس برنامج «ملك وكتابة» على قناة النادى الأهلى، واستمتع بمقدميه الأستاذ ابراهيم المنيسى والمهندس عدلى القيعى، وشاهدت فيه تقريرا عن الأدوار الوطنية للأهلى منذ نشأته وحتى الآن، ومن بين ما شاهدت تلك الصور وما كان عليه آباؤنا وأجدادنا سواء فى ملبسهم أوفى سلوكياتهم، وهو ما أعادنى إلى ذكريات طفولتى وصباى فى بلدى الجميلة، وتغيرنا وكم تغيرنا وبفعل نفس الفاعل، ولا أعتقد أننى الوحيد الذى يحمل عبق حكايات الانفتاح والسماحة والود، ولكن هل يتصور أحد أننا قد «تدحرجنا» لتلك الدرجة،، والأكيد أننا تغيرنا كثيرا وبفعل فاعل، وبطريقة منظمة، تذكروا كيف تم صناعة الاخوان والقاعدة وداعش وتخليق البنا وبن لادن والزرقاوى والبغدادى ثم تصفيتهم بعد أن يرتفع نبتهم الشيطانى، وكيف تم استرجاع كلمة «الجهاد» فى أفغانستان لتظهر فى كل مكان، وبعد أن «كانت الدنيا نورا من حولنا» تحولت إلى ظلام، ولا أحد يعرف سر ذلك «اللهو الخفى» الذى ضرب الكراسى فى «كلوب» التنوير فى مصر، ويشوه وجه الحياة فى لبنان ويطفيء قناديل القدس، ويقطع أوصال دجلة والفرات والنيل، ويحرق خضرة اليمن لنظل ندور فى ساقية التخلف التى تروينا تنمرا وتعصبا وجهلا، والآن يمد ذلك «اللهو» يده لنا بكل براءة ليساعدنا على اشعال ذلك الكلوب من جديد، ولكن من داخل خزان الوقود، فما هى إلا أصولية خارجية تزرع أصولية أخرى مناقضة ومعادية لها لتحقيق أهدافها الأصولية ولو على جثث الأبرياء.. ولا تستغربوا ولكن فقط فكروا !
 أنوار القاهرة وباريس!
الجمعة:
سألنى صديقى الأستاذ خالد حجاج نائب رئيس تحرير الأخبار قبل أكثر من عام: لماذا تهتم بالرد على ما يقوله فلان أو علان؟ وقلت له ساعتها إننى لست ضد الهدف العام وهو التنوير،واحترامى كامل لأشخاصهم، ونقدى فقط لما يطرحونه من أخطاء نتائجها وخيمة، فلكى تخاطب الناس يجب أن تكون صادقا حتى يصدقوك، وأمينا حتى يؤمنوا بصحة ما تدعوهم إليه، ودعوته وقتها إلى متابعة نوعية أخرى من التنويريين الحقيقيين، وحددت له على سبيل المثال أحد الأسماء وهو الأستاذ هاشم صالح، وهو مفكر سورى من خلفية شيعية، وتختلف معه وتتفق، ولكنه يبقى صاحب علم ورسالة تنويرية وليس من تجار شنطة التنوير، وليس من ناشط تنويري التى أصبحت معادلة لكلمة «ناشط سياسى» سيئة السمعة والتمويل، وطلبت منه قراءة كتابه «الانسداد التاريخى»، وعندما التقيته سألته : هل قرأت الكتاب الذى رشحته لك، فأجابنى بأنه قرأ الكتاب وكتابا آخر له عن «معارك التنويريين والأصوليين فى أوروبا»، ومن أجمل ما فى ذلك الكتاب الرائع الذى صدر فى العام 2010،أنه رصد التغيير الذى حدث فى مصر، من خلال المشهدين اللذين توقف عندهما المفكر الفرنسى ريجيس دوبريه خلال زيارتين له إلى القاهرة، وسجلهما فى كتابه «الأنوار التى تعمى»، الزيارة الأولى كانت فى عام 1976 والثانية بعدها بنحو ثلاثين عاما، واندهش فيها عندما وجد التحول الكبير، فالشوارع قد اكتست بالحجاب، واختلفت عناوين الكتب الأدبية والفكرية التى كان يراها على الأرصفة، وأصبح معظمها من نوعية «كفاحى» لهتلر و«بروتوكولات حكماء صهيون» وغيرها، وهو ما فسره هاشم صالح، بأن القاهرة «باريس الشرق زمان»، تحتاج إلى مزيد من التنوير، أما باريس فبحاجة إلى تهذيب ذلك التنوير الذى اكتسح كل شيء لدرجة أنه استأصل فى طريقه مفهوم الدين نفسه، ومن هنا كان عنوان الكتاب «الأنوار التى تعمى» !
تعكير المزاج والعقل!
الأحد:
ماذا عكر مزاجى اليوم؟، مالذى جعلنى أحن لإعادة قراءة كتب هاشم صالح من جديد؟!، ما حدث أننى قد شاهدت بالصدفة على «اليوتيوب»، حلقة لإسلام بحيرى، ملخص العشرين دقيقة أن هناك اجماعا بين علماء المسلمين وكل كتب التراث على أن آيات السيف فى القرآن الكريم قد نسخت آيات السلم والموادعة، وأصبح بذلك دين القتل والدمار والارهاب وأنا شخصيا قد أتفق مع بحيرى فى الهدف التنويرى العام، ولكن ليس بتلك السطحية أو بـ«العافية»، وبتكرار قضايا طالما سمعتها منذ صغرى ومازالت تتكرر عند فئة من الكارهين للاسلام من عينة هدى وابراهيم والشيخ زكريا والعلامة رشيد أو غيرهم، ولم أفهم كيف يتجرأ وينسب إلى العلماء ما لم يقولوه وإلى الكتب ما ليس فيها، وكأنه يتفق مع المتطرفين فى فهمهم الخاطيء والقاصر والمتخلف و«الأيدلوجى» أحيانا للنصوص الدينية، كيف يقول ذلك رغم تأكيد كبار العلماء أن آيات الموادعة لم يتم نسخها ومن بينهم ابن حجر العسقلانى وابن كثير والطبرى وحتى من يلقبه بمفتى الدم «ابن تيمية»؟!، وما زلت أتعجب من ذلك البرنامج المونولوجى بكل تكاليف انتاجه التى لا أعرف مصدرها وهل هو نفس تمويل قناة الحرة الأمريكية أم عبر وسيط، وأتوقف هنا عند هجوم زميلنا القدير نشأت الديهى احد قيادات القناة التى تبث البرنامج، على جمال عيد رئيس إحدى شبكات حقوق الانسان ويتحداه أن يجيبه عن مصدر أمواله، فى حين أن مديرة انتاج برنامج بحيرى الأستاذة مروى الطوخى ومديرة انتاج برنامجه السابق، وبحسب ما كتبت عن نفسها،تعمل فى شبكة جمال عيد لحقوق الانسان.؟!!
عيب.. يا دكتور خالد!
الثلاثاء:
وما الذى يعكر مزاجى من د. خالد منتصر؟ هل لدى موقف سلبى وشخصى منه؟ لا أعتقد فأنا أحترم قلمه وأتمتع بكل ما يكتبه فى الأمور الطبية، وأتعجب وأستغرب عندما يكتب فى أى شىء يتعلق بالاسلام، أحاول إقناع نفسى بأنه تنويرى دينى، ولكن كيف وهو لا يعرف الفرق بين الحديث الشريف وآية القرآن، وأجده يقوم بتعديل ما كتبه بعد أن نبهه البعض إلى الخطأ، وبالفعل يقوم بالتعديل ولكن بدون أن يعتذر، أما أكبر سقطة له فقد سجلتها فى بوست له على «الفيس بوك» فى 10 سبتمبر 2018، ويقول فيه: هاجت الدنيا وماجت على نكاح الوداع ومضاجعة الزوجة الميتة، قالوا انكم تدلسون وتنسبون للدين ماليس فيه، والحقيقة أنه مكتوب فى الكتب والمراجع الموجودة على رفوف الأزهر !، اقرأوا معى وبدأ فى تعديد الكتب التى تناولت ذلك الموضوع، وتتفق على أن ذلك «أمر محرم ولكن لا حد (عقوبة) فيه»، وهو لا يعرف الفرق بين الحد الخاص بالزنا والعقوبة الواجبة، أما الكارثة عندما استدل على جواز نكاح الميتة بما جاء فى كتاب «كنز العمال فى سنن الاقوال والأفعال» وفيه أنه «ولما ماتت فاطمة بنت أسد (زوجة أبى طالب عم النبى ووالدة الامام على)، خلع رسول الله قميصه، فألبسه إياها واضطجع معها فى قبرها»، وكأنه يقول لنا فى السياق إن الرسول الكريم ضاجع زوجة عمه وهى ميتة، ولم يعرف الفرق بين كلمة اضجع معها أى «استلقى ووضع جنبه بالأرض» تكريما لها وبين «ضاجع» أى نام معها، والكارثة الأكبر أنه نقل ذلك البوست بالحرف من موضوع سبق ونشره الأستاذ ربيع السعدني فى موقع التحرير فى 20 سبتمبر 2017 تحت عنوان مراجع فقهية تدرس بالأزهر عن نكاح الميتة وممارسة الجنس مع البهائم» !! والمفاجأة أن الدكتور خالد يقدم برنامجا اسمه «يتفكرون»، ولا تعليق على الذين لا يتفكرون قبل أن يكتبوا وينوروا !
محطات قطار التنوير!
الخميس:
كم مرة سألت نفسى ما البرامج التنويرية؟ ما مضمون الرسالة الاعلامية ومن الجمهور المستهدف وما التأثير المطلوب منها ؟ هل هو تحريك العقول وكيف وفى أى اتجاه؟، وما هدف من يمولها سواء مباشرة مثل برامج قناة الحرة الأمريكية، أو عبر وسيط؟، هل تحولت إلى تجارة ومهنة ومصدر رزق و«مونولوج» يقدم رسالة محددة مجهولة الهدف بلا مناقشة ولا حوار أو لجان علمية، والأكيد أن التنوير أصبح اجبارا وليس اختيارا، ولكن من بوابة المصالحة بين العقل والدين والعصر، ومن بوابة العلم، وعنوانها الكبير هو «الحداثة» أى الصناعة والعلم والثقافة، فلا تنوير بدون تعليم وبدون اللحاق بالثورة الصناعية الرابعة الحالية، لا حداثة بدون أن نعمل ونشتغل ونبدع ونخترع ونطور، ولا تنوير بدون فن، وأكاد أجزم أن تأثير حفلة واحدة لمعهد الموسيقى العربية التى رفعوا سعر تذاكرها، أكبر بكثير من تأثير برامج التسطيح التنويرى الحالية، ولا بدون فلاسفة حقيقيين تفتقدهم الساحة، حتى د. حسن حنفى ابتعد أو أبعدوه، كما لا يمكن أن نرتقى بنموذج د. جابر عصفور على سبيل المثال، فهو موظف حكومى طوال الوقت أو حاصد للجوائز بعض الوقت، فى وقت كان فيه الباحث الحقيقى د. نصر حامد أبو زيد منفيا ما بين اليابان وهولندا، ولاتنوير بدون البحث العلمى والحوار وليس الاقصاء أو التكفير، ولا حداثة بدون الترجمة، ووجود مؤسسات دينية واثقة من خطواتها واسعة العقل والصدر تفتح صالونات الحوار وتناقش كل الأفكار، وكل ذلك لن يحدث بين يوم وليلة، ولكن من المهم أن نبدأ مستفيدين من أخطاء الحضارة الغربية، ومحترسين من تلك الأنوار التى تعمى بتعبير المفكر ريجيس دوبريه فى كتابه الذى ذكرته فى سطور سابقة.. نريد تنويرا يعتمد على العلم وليس تنويرا مفاتيحه من الخارج أو يقوده أعمى بصر وبصيرة أو من الذين «يستنطعون» أو «يسترزقون» أو «يتسطحون» على ظهر قطار التنوير!
كلام توك توك:
اللهم طولك ياروح !!
إليها:
التى قهرت السرطان، وروضت بالحب والإيمان والإبداع كل العقبات، قادرة على الاستمرار فى العطاء، لأنك المستحيل الذى لا يمكن أن «يشنكله» مستحيل.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا