كل يوم

السماء ستظل هى الأقوى

داليا مجدى عبدالغنى
داليا مجدى عبدالغنى

بقلم: د. داليا مجدى عبدالغنى

«رغم كل الماء العذب الذى تصبه السماء فى البحر، إلا أنه يبقى مالحًا»، كم أعجبتنى تلك المقولة، عندما قرأتها، فهى لا تدل على اليأس من تغيير الواقع، وإنما تؤكد أن التغيير رغم أنه سنة الحياة، إلا أن بعض الأشياء لا تتغير مهما كانت الأجواء المحيطة بها.
فالسماء تُمطر ماءً عذبًا كفيلاً بأن يُغير مُلوحة مياه البحر، ولكن البحر يظل مُحتفظًا بمياهه المالحة، ليس لضعف السماء، ولا لقوة البحر، ولكن طبيعته تأبى التغيير.
وهكذا البشر، فمنهم من يرفض أن يتغير مهما حاولت معه، حتى لو عشت عمرك بأكمله تهدف إلى تغييره للأفضل، سيظل على حاله، وهذا ليس لقوة شخصيته، وضعف شخصيتك، ولكن لأن طبيعته تأبى أن تتأثر بالبيئة المكتسبة، حتى لو كانت هى البيئة الأصلح.
فهل نختلف على أن تغيير البشر يحتاج إلى مُعجزة، لذا قالوا قديمًا: «الطبع يغلب التطبع»، فرغم أن الإنسان يكتسب من البيئة المحيطة الكثير من الصفات، إلا أنه سريعًا ما يُعاود إلى طبيعته الفطرية، وإذا حدث وتغير بالفعل، فهذا يكون نتاج قرار إرادى مُنفرد من داخله، غالبًا ما يكون مبعثه تجربة قاسية آلمته، أو قرار اضطرارى أُجْبِر عليه، أما المحاولات الإنسانية البريئة التى تُناشد إنسانيته، فهى عملية اختيارية لا يجنح إليها بسهولة، لذا نجد المواعظ والإرشادات لا تأتى بثمارها، مثل القرارات والتشريعات، فللأسف الشديد، عنصر الإجبار، يجد صدى لدى الإنسان أكثر من المناشدات العقلية.
وعلى سبيل المثال، لو تم تطبيق العقوبات الرادعة على أى شخص يتسبب فى تلوث البيئة، ووصل العقاب إلى حد الغرامة، والعقوبة السالبة للحرية، لامتثل الجميع، فى حين أن كل الشعارات التى تُحذر من خطورة التلوث على الصحة العامة، والشكل الجماعى لا تأتِ بالنتائج المرجوة.
ولا خلاف على أن هذا الفكر مُجافٍ للطبيعة البشرية، التى خُلقنا عليها، فهل نسينا أن المولى عز وجل كرم الإنسان، وخصه بالعقل، فالآيات الكريمة كانت تنتهى بكل ما يُخاطب عقل الإنسان، مثل: «أفلا يتدبرون، أفلا يتفكرون، أفلا يعقلون»، وغيرها، بمعنى أن الإنسان لابد أن يتغير بسبب الفكر والعقل، وليس بسبب الخوف من العقاب.
فمخاطبة العقل دليل على احترام كيان الإنسان وآدميته، وعندما يتغير بسبب قناعاته، يكون فى هذا أكبر دليل على الديمقراطية الفكرية، واحترام الكينونة الإنسانية، أما التغيير الناشئ عن الخوف والاضطرار، فهو إسقاط إرادى للعقل، واستغناء كامل عن الفكر، وإذا سقط العقل، وتنحى الفكر، ستموت معهما تلقائيًا الإنسانية.
لذا، علينا أن نَجْبُل أنفسنا على التغيير للأصلح، وأن يكون هذا التغيير نابعًا عن فكر مُتعقل، فليست الصلابة فى أن يبقى الإنسان على ما هو عليه، ولكنها فى أن يستطيع الإنسان أن يقتل التحجر الفكرى بداخله، ويتغير للأفضل بكامل إرادته.
فحاولوا أن تتأثروا بعُذوبة ماء السماء، ولا تكونوا كالبحر الذى يحتفظ بمُلوحته، مهما أغدقت عليه السماء من مياهها العذبة، فالسماء ستظل هى دائمًا الأقوى؛ لأنها هى التى تمده بالمياه، فكن أنت الأقوى بقُدرتك على اكتساب التغيير للأفضل، والتأثر بالمقومات الإيجابية المحيطة بك.