حكايات| شيكابالا «اليوناني».. مشاهد تختصر رحلة 14 سنة بين الانطلاقة والانكسار

مشاهد تختصر رحلة 14 سنة بين الانطلاقة والانكسار
مشاهد تختصر رحلة 14 سنة بين الانطلاقة والانكسار

قبل 14 سنة، حزم الفتى الأسمر صاحب الملامح الطفولية محمود عبد الرازق الشهير بـ"شيكابالا" حقائبه متجهًا إلى "بلاد غريبة" وهو ابن التاسعة عشرة، حاملاً في قلبه آماله وطموحاته أن يصبح أحد نجوم العالم في كرة القدم بعدما جاءته الفرصة ليلعب لأحد أكبر أندية اليونان وهو باوك ثيسالونيكي الذي يحمل دائمًا ذكريات طيبة للاعبين المصريين.

كان باوك قد استقبل من قبله مجدي طلبة الذي صنع للمصريين أسطورة في الكرة اليونانية، ومحمد السعيد الذي لم يلعب سوى 4 أشهر، والتوأم حسام وإبراهيم حسن ولهما بصمة جماهيرية أيضًا، وقبله بخمس سنوات عبد الستار صبري الذي تفجرت موهبته وانتقل لبنفيكا البرتغالي بعد 4 أشهر فقط في صفوف كبير مدينة ثيسالونيكي.

 

سافر شيكابالا إلى اليونان برفقة أمير عزمي مجاهد، زميله بنادي الزمالك، للانضمام لصفوف باوك، تحت قيادة المدرب نيكوس كاراجيورجيو الذي زامل مجدي طلبة والتوأم حسن لاعبًا، ويعرف جيدًا اللاعب المصري وعقليته وكون انطباعًا إيجابيًا من تجربة طلبة والتوأم، كما أنه شاهد تألق صبري بعد الثلاثي الكبير الذي زامله.

 

أين شيكابالا؟

 

لم يلعب شيكابالا أي مباراة مع باوك  بعد انضمامه في يناير 2005، بينما ظهر زميله أمير عزمي مجاهد في التشكيل الأساسي للعديد من المباريات في الدوري اليوناني، وحينها كان الفتى الأسمر يستعد لمواجهة الأرجنتيني ليونيل ميسي في كأس العالم للشباب بهولندا.

شارك شيكابالا مع منتخب مصر للشباب في كأس العالم 2005 بهولندا، وخسر الفراعنة الصغار 3 مباريات أمام الأرجنتين وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية ليودعوا البطولة سريعًا تحت قيادة مدربهم محمد رضوان، ويعود الفتى الأسمراني إلى اليونان للبحث عن ذاته، ولكن ماذا حدث في باوك قبل كأس العالم للشباب؟ ولماذا غاب شيكابالا؟ وكيف عاد من هولندا ليبدأ رحلة الظهور في الدوري اليوناني نجمًا تنتظره الجماهير؟ حكايات "بوابة أخبار اليوم" تكشف الكواليس.

 

شهادات يونانية

 

نيكوس كاراجيورجيو، المدير الفني لباوك آنذاك، يروي لـ"بوابة أخبار اليوم" كواليس استقبال شيكابالا "الصغير" سنًا في ثيسالونيكي للمرة الأولى قائلاً: "نعم، كنت أنا من استقبل شيكابالا للمرة الأولى في اليونان، لقد كان صغيرًا جدًا في السن".

"صغر سنه، وكونه يخرج من مصر للمرة الأولى ليعيش في بلد أوروبي، كان عائقًا أمام تأقلمه مع الأجواء في اليونان".

 

وعن عدم ظهوره خلال الستة أشهر الأولى من انضمامه لباوك قال كاراجيورجيو: "لقد منعته أزمة التأقلم من تقديم كرة القدم التي يجب أن يلعبها في هذا التوقيت، ولهذا لم يكن يشارك، لكنه ظهر للمرة الأولى تحت قيادتي مع انطلاقة موسم 2005-06".

 

نال كاراجورجيو انتقادات عنيفة بسبب عدم اعتماده على شيكابالا عقب انضمامه لباوك، فكان الظهور الأول للفتى الأسمراني مع كبير مدينة ثيسالونيكي أمام سكودا أكساثني في الجولة الأولى للدوري اليوناني موسم 2005-06 وتصدر التشكيل الأساسي.

 

خسر باوك المباراة بعد مشاركة شيكابالا لمدة 53 دقيقة فقط، وفي المباراة التالية فوجئ الجميع بجلوس شيكابالا احتياطيًا طوال 90 دقيقة أمام أتروميتوس وانتهى اللقاء بالتعادل الإيجابي 2-2 فكان مصير كاراجيورجيو الإقالة من منصبه.

 

عهد جديد

 

تولى جيورجوس كوستيكوس، أسطورة باوك وبطل دوري 1984-85، القيادة الفنية خلفًا لكاراجيورجيو، وآمن بموهبة شيكابالا رغم ندرة ظهوره بقميص كبير مدينة ثيسالونيكي مع سابقه، فكانت المفاجأة بتغيير مركز الفتى الأسمراني والظهور في أول لقاء مع المدرب الجديد.

 

 

شارك شيكابالا في مباراة صعبة أمام إيراكليس أحد أندية مدينة ثيسالونيكي، وهو لقاء ديربي بين باوك وإيراكليس، ليلعب 69 دقيقة في مركز الجناح الأيسر الذي يفضله، ويتألق رغم خروج النتيجة سلبية، ولكنها كانت فقط البداية.

 

وظهر شيكابالا في المباراة التالية أمام إيجالو لمدة 90 دقيقة، وفاز باوك بهدفين نظيفين، ليخرج من القائمة في المباراة التالية أمام لاريسا والتي انتهت بالتعادل الإيجابي 2-2، لكن الجمهور كان ينتظره.

 

شيكابالا يتفوق على ريفالدو

 

جاءت اللحظة المنتظرة يوم 16 أكتوبر 2005، وقدم شيكابالا واحدة من أفضل مبارياته أمام أولمبياكوس بطل الدوري اليوناني في الجولة السادسة للدوري الممتاز بالعاصمة أثينا.

 

انتهى الشوط الأول بين أولمبياكوس وباوك بالتعادل السلبي، قبل أن يتقدم أسطورة الكرة الإيفوارية يايا توريه لفريق العاصمة بهدف نظيف في الدقيقة 59 من كرة ثابتة ليتأزم موقف باوك.

 

دفع كوستيكوس بـ شيكابالا في الدقيقة 61، ليواجه الأسطورة البرازيلية ريفالدو نجم أولمبياكوس آنذاك والمشارك أساسيًا في تشكيل فريق العاصمة.

 

 

وبعد دخول شيكابالا نجح في صناعة الهدف الأول لباوك بمهارة عالية في الدقيقة 66، ولم تمر الدقيقة العاشرة على دخول شيكابالا حتى صنع الهدف الثاني وهدف الفوز لفريقه في الدقيقة 71 وقدمه هدية لزميله بانتيليس كونستاتنيديس الذي وقع على الهدفين.

 

لم يصدق أحد ما يحدث داخل الملعب، وتربع شيكابالا في قلوب جماهير باوك التي غنت له بعد هذا اللقاء: "جاءنا من مصر ساحر أسمراني ليعلم ريفالدو كيف تكون كرة القدم".

 

شهادة كونستاتينيدس

 

بانتيليس كونستاتنيديس، نجم باوك آنذاك، يروي لـ"بوابة أخبار اليوم" كواليس لحظات تألق شيكابالا قائلاً :"لقد مرت ذكرى هذا اللقاء بالأمس، نعم أتذكره، يمكن القول بأن شيكابالا في هذا التوقيت ينطبق عليه لفظ الموهوب جدًا".

 

"لم يتألق فقط أمام أولمبياكوس، لكن موهبة شيكابالا ساعدتنا لتحقيق انتصارات عديدة في هذه الفترة، وهو يعرف رأيي فيه، وأنني مازلت أملك انطباعات رائعة عنه".

 

 

بالفعل تألق شيكابالا وسجل 4 أهداف بقميص باوك ثيسالونيكي في دوري الموسم 2005-06، ومنها هدفه في مرمى أولمبياكوس أمام الآلاف من جماهير فريقه التي غنت له مجددًا بأنه ساحر أسمر مصري يعلم ريفالدو كيف تلعب كرة القدم، وقاد باوك للفوز على آيك أثينا بعدما صنع هدفين فاز بهما فريقه بنتيجة 2-1.

 

 

مشاركة أوروبية وغياب مفاجئ

 

لم يقتصر تألق شيكابالا على الدوري اليوناني، ولكن ثقة كوستيكوس منحته الفرصة للظهور في الدوري الأوروبي ليتألق في 90 دقيقة لعبها أمام رين الفرنسي في دور المجموعات.

فاز باوك بنتيجة 5-1، وهو انتصار أوروبي كبير للفريق اليوناني، كانت بدايته عند شيكابالا الذي لعب كرة عرضية في الدقيقة الرابعة حولها مدافع رين داخل مرماه لتبدأ الحفلة اليونانية التي لم تحدث في تاريخ باوك.


 

انتهت المباراة بخماسية بعدما صنع شيكابالا هدفًا ثانيًا، وبنت الجماهير آمالاً وطموحات عريضة بعد تألقه، وكانت تنتظر عودته من الأجازة ليبدأ الموسم التالي، ولكنه لم يأت إلا في العام 2019 بعد غياب 14 سنة منكسرًا مع فريق أبولون سيمرني متذيل الترتيب.

 

وداع يوناني

 

عاد شيكابالا إلى اليونان بعد غيابه المفاجئ قبل 14 عامًا، ليخسر أول 7 مباريات له بقميص أبولون سيمرني، لكن هناك مشهد وثقته الصورة، لمشاعر متضاربة في عيون شيكابالا الحزينة لحظة دخوله لملعب تومبا معقل باوك بمدينة ثيسالونيكي ليواجه الجمهور الذي تغنى باسمه في وقت سابق.

ظهر شيكابالا منكسرًا بقميصه الذي يحمل رقم 14 بعدد سنوات غيابه عن هذا جمهور باوك الكبير، ليلتقي كونستانتيندس الذي صنع له هدفين في مرمى أولمبياكوس، ويحتضنه بعناق حار، ليتذكرا سويًا أيام التألق والانتصارات.

 

واكتفى شيكابالا بـ 22 دقيقة شاهد فيها سقوط أبولون سيمرني بهدفين نظيفين أمام باوك ثيسالونيكي، ليبدأ من هذه اللحظة التفكير في وداع اليونان.

 

 

أبى شيكابالا أن يودع اليونان دون تسجيل هدف رائع، أو تحقيق انتصار، فشارك في مباراة قوية أمام بانثينايكوس فريق العاصمة وسجل هدفًا رائعًا على الرغم من سقوط فريقه بالخمسة، وكان الانتصار على سكودا أكسانثي بهدف نظيف يوم وداع الفتى الأسمراني الذي ظهر للمرة الأولى مع باوك أمام الفريق ذاته، وغاب 14 سنة ليعود وعلى وجهه ملامح تقدم السن والرغبة في تعليق الحذاء.

 

هل يعتزل؟

 

يقول كونستانتينيدس :"التقيت شيكابالا العام الماضي، وكنت سعيدًا بعودته لليونان، ولكن 33 سنة ليس كبيرًا بالنسبة للاعب كرة قدم موهوب، وعلى العموم كلنا نملك القرار، هو الوحيد الذي يمكنه اتخاذ قرار الاعتزال أو الاستمرار".

 

أما نيكوس كاراجيورجيو فكان له رأي آخر:" في رأيي لا يمكن المقارنة بين عبد الستار صبري وشيكابالا، لأن خصائص شخصية كل منهما مختلفة عن الآخر، وفي الماضي كنت أظن أن شيكابالا يمكنه أن يصبح شخصية قيادية، لكن تجربته الأخيرة في اليونان أكدت اقترابه من إنهاء مسيرته".

 

واليوم، شيكابالا في الزمالك حيث بدأ مسيرته، يكافح علامات الزمن ورفض جسده الاستجابة لما ينتجه عقله المعجون بكرة القدم وفنونها من تحركات، ويصارع فكرة تعليق الحذاء والابتعاد عن العشب الأخضر الذي عاش عليه طوال عمره.

 

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي