إنها مصر

شىء من الخوف!

كرم جبر
كرم جبر

«انت مش بتنزل تصلى معانا ليه»؟.. هكذا اقتحم العامل الفاشل مكتب مديره وطرح عليه السؤال الصدمة، فأجابه: «أنا يا بنى بصلى وأصوم، وربنا كرمنى بالحج والعمرة مرات».
رد ببجاحة «لأ، تنزل تصلى معانا الظهر تحت فى المصلحة، وتسمع حديث الشيخ إمام».. «مين الشيخ إمام؟».. «زميلنا فى الخدمات اللى بيؤم الصلاة، وهو اللى نبه عليّا أبلغك».
حكاية رواها لى أحد المديرين قبل 25 يناير، وصدقتها لأن مسرح العمليات كان يجرى تجهيزه بسرعة للحدث الكبير، واستبدال هيبة الدولة بسطوة أصحاب اللحى.
كانوا يجهزون لـ 25 يناير، وبدأوا بماراثون «إطلاق اللحى» ليس تديناً، وإنما تزلفاً ونفاقاً، وازدانت الأيدى بالسبح ليس ذكراً وإنما مظهراً، وتحولت أسماء المحلات التجارية إلى شعارات دينية.
المصريون لا يستطيع أحد أن يزايد على تدينهم، وعشقهم لرسول الله والأولياء الصالحين، ولا توجد دولة فى العالم فيها عدد المآذن، ويرفع الأذان مثل مصر، والناس بطبيعتهم يداوون أنفسهم بـ «يا رب» إذا ضاقت بهم السبل.
ما يحدث هو «تخويف بالأديان»، مثل راكبة المترو التى ضربت امرأة غير محجبة ونزعت شعر رأسها، دون أن تعرف ديانتها، ومثل فلول الإخوان الذين يمارسون دور المرشدين الروحيين فى بعض القرى والمدن والأرياف، انتظاراً للعودة ولو من خرم إبرة.
لم يكن «العامل الفاشل» ولا «الشيخ إمام» يستهدفان صلاة المدير، وإنما أن يقف المدير خلفهما، لترسيخ مفهوم السيادة، نحن أقوى وأكثر تأثيراً والقيادة الحقيقية لنا، وليس للمدير الذى عينته الدولة.
لم يواجههم أحد بأنهم يعطلون مصالح الناس، واستمرار الصلاة والخطبة وقتا طويلا، ولا أن الصلاة تنهى عن المنكر، وما يفعلونه من ابتزاز هو المنكر بعينه، وسادت سطوة النفاق الجمعي.
من منافع 25 يناير أنها حركت فى النفوس شيئا من شجاعة المواجهة، وكسرت احتكار الدين لصالح فئة، توظف الدين للسطو على السلطة.
وزادت حصانة الأمة فى الحرب المقدسة ضد الإرهاب، وسقوط شهداء من زهرات أبناء الوطن، ليسوا كفاراً ولا أعداءً وجب الجهاد ضدهم كما يقول شيوخ الفتنة، بل مسلمون استشهدوا وعلى ألسنتهم وقلوبهم الشهادتان.
شهداؤنا ليسوا فى النار كما يزعم القرضاوى وبطانته، بل فى الفردوس الأعلى، لأن لهم وطنا يدافعون عنه، وملايين يصونون حياتهم، وآباؤهم مؤمنون حقاً، وأمهاتهم عظيمات وعلى وجههن علامة الصلاة، وفى أيديهن المصحف الشريف.
أما أنتم ومن فصيلة الموظف البجح والشيخ إمام، فليس لكم أرض ولا وطن ولا دين، وعقيدتكم هى السطو على مصر والسير بها فى ركاب الخلافة والجاهلية والسيف والجلاد.
كان النازى قبل أن يغزو دولة يهيئ مسرحها للسقوط دون قتال، وهذا ما حاولوا أن يفعلوه، بمسخ أمخاخ الناس ومحو إسلامهم الحقيقي، واستبداله بعقيدتهم السياسية المخبأة وراء قشور دينية.
هل أفقنا ؟.. أعتقد أن الإفاقة ليست كاملة، فما زال كثيروين يترنحون من بقايا المخدر، ويحتاجون لصدمات تنشيطية.