شىء من الأمل

نحن وتونس

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

اللافت للانتباه أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية التى جرت فى تونس اجتذبت اهتماما مصريا نخبويا، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، وكأن هذه الانتخابات تجرى فى مصر وليس فى تونس!.. وقد وصل الأمر إلى حد الانقسام الشديد حول مرشحى الانتخابات الرئاسية.. فهناك من يؤيد هذا المرشح وبقوة، وفى المقابل هناك من يرفضه ويدعم منافسه !.. بل إن هناك من بين هؤلاء فى مصر الذين اهتموا بتلك الانتخابات التى تجرى خارجها فى تونس من نصبوا من أنفسهم موجهين للناخبين التوانسة.. فمنهم من ينصحهم باختيار هذا المرشح، ومنهم أيضا من يحذرهم من هذا الاختيار ويحثهم على اختيار المرشح المنافس، وحدث ذلك رغم أن توجيه الناخبين مرفوض جدا لدى هؤلاء النخبويين المصريين، ورغم أنهم يطالبون دوما بترك الناخب يختار وينتخب من يشاء بحرية، بلا توجيه أو ضغوط، لأن هذا إحدى قواعد الممارسة الديمقراطية التى يطيب لبعض السياسيين تسميتها اللعبة السياسية!.
وفى المقابل الذى حظيت به الانتخابات التونسية بكل هذا الاهتمام النخبوى الفيسبوكى، لم يكن هذا ما حدث على مستوى المواطنين العاديين فى مصر، الذين كانت اهتماماتهم تتركز حول أمور داخلية مصرية، كلها تتعلق بحياتهم وأحوالهم المعيشية والتحديات العديدة السياسية والأمنية التى تواجه البلاد، وكيف ستتم مواجهة هذه التحديات.. وحتى ما منحه المواطنون العاديون من بعض الاهتمام لشئون خارجية استأثر به الغزو والاجتياح ألعسكرى التركى لشمال سوريا.. وهذا يشير أن هناك اختلافا وتباعدا فى اهتمامات المواطنين العاديين وبين اهتمامات النخبويين.. فكلاهما فى واد مختلف.. أو كل منهما يغنى على ليلاه!.
أما المفارقة الأكبر فى هذا الاهتمام المصرى النخبوى الفيسبوكى بانتخابات تونس البرلمانية والرئاسية، فقد تمثلت فى افتقاد المهتمين المعلومات الضرورية التى تتعلق بهذه الانتخابات، ومع ذلك كانت ثمة جرأة فى التحليلات واستخلاص النتائج واتخاذ المواقف.. فليس هناك إلمام بالخريطة الانتخابية فى تونس، ولا بالقوى والأحزاب والإئتلافات المشاركة فيها، والتى أفرزت فى نهاية المطاف برلمانا تونسيا خاليا من اليسار لأول مرة بعد ٢٠١١، ويحوز الأكثرية فيه حزب النهضة الإخوانى.. وأيضاً ليست هناك معرفة بالمرشحين للرئاسة وانتماءاتهم الأيديولوجية وانحيازاتهم السياسية.. وكذلك ليست هناك معلومات لديهم حول الناخبين التونسيين والاتجاهات التصويتية لهم، فى ظل التغيرات التى شهدتها تونس فى السنوات الأخيرة، والتى بدأت بانقسام حزب الأغلبية وقتها (نداء تونس )، واحتواء حزب النهضة قطاعا من المنقسمين فى مقدمتهم رئيس الحكومة ليضمن لنفسه الأغلبية البرلمانية مجددا، واختتمت بوفاة الرئيس التونسى السابق قايد السبسى، والذى عجل بالانتخابات الرئاسية، والأغلب كان له تأثيره عليها.
ويمكن تفسير ذلك أن هذا الاهتمام النخبوى الفيسبوكى المصرى بالانتخابات التونسية غلب عليه طابع الإسقاط السياسى على الحالة الانتخابية المصرية، دون إدراك لاختلافها عن الحالة الانتخابية التونسية على الأقل فى أمر واحد ولكنه أساسى، وهو وذلك الوجود السياسى للإخوان فى تونس الذى انتهى فى مصر منذ الثالث من يوليو
٢٠١٣.. وبالطبع عملية الإسقاط السياسى تختلف عن عملية التحليل، ولا تحتاج بالتالى إلى معلومات، ولذلك لم يكترث بها أو البحث عنها هؤلاء النخبويون الذين منحوا اهتمامهم للانتخابات التونسية. ولعل هذا هو أحد أسباب غلبة الصراخ والسباب على حوارات مواقع التواصل الاجتماعى، وتحول النقاش فيها إلى شجار!.