حديث الأسبوع

التقارير الدولية ليست دائما بالبراءة التى نعتقدها

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

تكتسى بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، التى تحفل بها كثير من التقارير الإقليمية والدولية، أهمية بالغة فى فهم واستيعاب خلفيات وحقائق الأوضاع السائدة فى العالم.. وفى هذا السياق، نقف عند ما أمطرتنا به منظمات مالية واقتصادية عالمية، من مخاوف تتعلق بمستقبل الأوضاع الاقتصادية بالعالم، فى المدى القريب والمنظور. فقبل حوالى ثلاثة أشهر من اليوم، فى منتصف شهر يونيو الماضى أكد البنك الدولى فى تقريره المعنون بـ(الآفاق الاقتصادية العالمية: اشتداد التوترات وضعف الاستثمار)، أن معدل النمو الاقتصادى العالمى سيتراجع هذه السنة إلى مستوى أقل مما كان متوقعا فى السابق، ولن يتجاوز 2.6 بالمائة، قبل أن يرتفع قليلا إلى 2.7 بالمائة خلال سنة 2020. ومهم، أن نتوقف عند اعتراف البنك الدولى فى هذا التقرير بالقول إن «زمن التعافى ما زال ضعيفا»، وتبرر هذه المؤسسة المالية العالمية، المسئولة بصفة مباشرة، عن كثير من المآسى الاقتصادية والاجتماعية فى العالم، التراجع فى معدل النمو الاقتصادى العالمى بـ «تباطؤ الاستثمار الذى يعد من العوامل المعوقة للنمو فى الاقتصادات الصاعدة وفى البلدان النامية، ويميل ميزان المخاطر نحو الجانب السلبي، وتتضمن هذه المخاطر، زيادة الحواجز التجارية، وتجدد الضغوط المالية، وتسجيل تباطؤ أكثر حدة مما كان متوقعا فى العديد من الاقتصادات الكبرى».
ولم يكن البنك الدولى وحيدا فيما ذهب إليه، بشأن المصير القريب للاقتصاد العالمى، بل إنه قبل حوالى أسبوعين من اليوم أكدت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من جهتها، فى تقرير جديد لها، أن معدل النمو الاقتصادى العالمى لهذه السنة لن يتجاوز 2.9 بالمائة، ولن يتعدى 3 بالمائة فى نهاية السنة القادمة.
وتنبه هذه المنظمة إلى أن الأمر يتعلق بأسوأ معدل نمو يسجله الاقتصاد العالمى منذ سنة 2008، التى انفجرت فيها الأزمة الاقتصادية العالمية. وترد المنظمة أسباب هذا التراجع إلى ما سمته بـ «التدابير الاحترازية والحروب الاقتصادية والظروف المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وتقلبات أسعار النفط فى الأسواق العالمية»..وتتوقع المنظمة أن يعرف التبادل التجارى العالمى أدنى مستوى له خلال هاتين السنتين، بسبب تجذر الخلافات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وبين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وبين اليابان وكوريا الجنوبية. وتنبه المنظمة إلى أن الحقائق المرتبطة بأوضاع الاقتصاد العالمي، قد تجبر العديد من الشركات الكبرى على تغيير مواطن إنتاجها، كما أن القدرة الإنتاجية لهذه الشركات ستتعرض للانخفاض والتراجع، وأشارت إلى أن اقتصاديات دول كبرى بدت عليها ملامح التأثر، كما هو الشأن مثلا، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وإيطاليا، التى ارتفعت فيها معدلات العجز التجارى وقيمة الديون الداخلية.
إن الأمر يتعلق إذن بأوضاع تحكمها أجواء انعدام الثقة فى الحقائق الاقتصادية العالمية السائدة، مما يعنى أن الاقتصاد العالمى سيواجه خلال السنتين الجاريتين تحديات كبرى ستلقي، بكل تأكيد، بظلالها على الدول الصناعية القوية، والدول التى تواجه صعوبات كبيرة فى مسارها نحو تحقيق التنمية المستدامة على حد سواء، وإن كانت بمعدلات ونسب متفاوتة جدا، ولكن المؤكد أن الاقتصادات الضعيفة والمتوسطة ستواجه ظروفا أكثر صعوبة وقساوة، لكونها تفتقد لشروط المناعة، التى تقيها شرور الاهتزازات والاضطرابات الاقتصادية العالمية، خصوصا مع الإشارة إلى أن تحقيق معدلات مقبولة للنمو الاقتصادي، هو الكفيل وحده بالقضاء على المآسى الاجتماعية، خصوصا ما يتعلق برفع معدلات التشغيل للحد من تأثيرات البطالة، وبالتخفيف من حدة مظاهر الفقر، وبتحسين مستويات العيش المتدنية هناك، وأيضا فإن ارتفاع معدلات النمو يخفف من الآلام المترتبة عن المديونية الخارجية، ومن ضعف وتيرة الاستثمار، ويحفز على القيام بإصلاحات اقتصادية هيكلية. وحينما تتوقع أوساط اقتصادية ومالية عالمية تباطؤ معدلات النمو فى الاقتصاديات العالمية، فإما أنها تمهد لمرحلة جديدة فى العلاقات الاقتصادية، والمالية العالمية تعمق وضعية الضعف الشديد للدول ذات الاقتصاديات الهشة، لتبقى رهينة فى أيادى هذه الأوساط تنفذ بها مخططاتها الرهيبة فى المجالات المالية والاقتصادية، وإما أن الموضوع جدى هذه المرة، وبالتالي، فإن التداعيات السلبية ستكون قوية على الاقتصاديات الضعيفة، التى ستجد نفسها فى وضعية أسر وفى قبضة هذه الأوساط المالية والاقتصادية المقررة فى مصائر هذه الاقتصادات، بما يخدم مصالح القوى الاقتصادية العظمى، وفى كلتا الحالتين فإن الضعفاء سيجدون أنفسهم، مرة أخرى، رهائن لدى الأقوياء لتكريس أوضاع اقتصادية ومالية تخدم المصالح النفعية للجهة المستفيدة.
لذلك كله وغيره كثير، فإن كثيرا من التقارير المالية والاقتصادية، الصادرة عن منظمات وهيآت دولية متخصصة ليست دائما بالبراءة التى نعتقدها، بسذاجة.
< نقيب الصحفيين المغاربة