من باب العتب

ريح نفسك ولا تهتم

د. محمود عطية
د. محمود عطية

 وما عليك سوى أن تنتبه جيدا لما قد بات معروفا وبديهيا أنه من المستحيل أن يرضى كل الناس عنك.. وإذا حاولت إرضاءهم فلن تفلح أبدا.. فكما يقولون "إرضاء الناس غاية لا تدرك".. فلابد ألا يرضى عنك أحد.. وربما يصفك بثقل الظل أيضا.. وإذا حاولت أن تفهم لماذا يسلك نحوك هكذا فلن تجد سببا معروفا.. اللهم إلا لأسباب ومشاكل خاصة به وليس بسبب من تكون أو ماذا فعلت له أو تفعل له.. فحاول ألا تهتم وتعامل مع نفسك برفق واشعر بقيمتها.. وتذكر قول أحد العظماء فى مذكراته "إننى أدركت فى هذه السن أنه ليس من المهم أن يرضى عنى أو يحبنى الآخرون خاصة إذا كان ما يجب علىّ فعله لإسعادهم يبعدنى عن معرفة ومحاباة نفسى.. فلا يستحسن الناس أى شخص طوال الوقت وهذا ما يجعل بعض الناس مرضى بمحاولة إرضاء الآخرين".
وربما تختلف معى حين أؤكد لك أنه حتى رضاء والديك عنك وفخرهما بك غير مرتبط بسعادتك الشخصية وليس له علاقة إطلاقا.. لأن شعورك باستحسان والديك لن يتغلب على منغصات حياتك ولن ينهى مشاكلك أو حتى يحلها.. فمثلا إذا لم تكن راضيا عن المهنة التى اخترتها والعمل الذى تقوم به أو غاضبا من شريك حياتك.. فماذا يفعل لك رضا والديك عنك..؟! فإن الأمر هنا يرجع عليك أنت حتى تغير ما لا ترغب وما لا ترضى.. بالتأكيد الفوز باستحسان والديك ورضاهما عنك شيء مرغوب فيه لكنه ليس بالشىء الذى يجب عليك فعله لكى تشعر بالرضا عن نفسك وعن حياتك وما تتخذه من خيارات وقرارات..!
وحاذر من خداع النفس فبداهة أنت لست مثل الآخرين وهم بالضرورة ليسوا مثلك.. وقناعاتهم ليست بالضرورة قناعاتك ولست مضطرا لقبول قناعتهم ووجهة نظرهم لكن عليك أن تقبلهم كما هم.. وما يقصدون ليس بالضرورة ما تقصده وليس قريبا مما تقصده.. فلا تبن توهمات فى الخيال وتحاول إسكان الآخرين فيها.. فكل فرد له تفسيراته ورؤيته نتيجة تربيته وتعليمه وثقافته.. فحاول تفهم غيرك بما هو عليه وتقبله على ما هو عليه حتى يتقبلك، ولا تتبَّن رؤاه وتذكر دائما أن خير الناس أعذرهم للناس حتى وإن تعجب منهم ومن أفكارهم.. ولا تكن دائما متأكدا من أحكامك على الآخرين وما توصلت إليه لمجرد أنك قد شعرت براحة لتفسيراتك وخيالاتك فكثيرا ما نقع فيما ننصح به.. وما نتصوره بعيدا عنا يسكن فينا ويوجهنا دون دراية منا..!
وحتى نحمى أنفسنا من أنفسنا والنفس أمارة بالسوء.. علينا رؤية الناس بالطريقة الصحيحة وهى رؤيتهم كما هم وليس كما يبدون من خلال العدسات الخادعة ذات اللون الوردى التى تعظم من محاسنهم وتصغر من عيوبهم.. أى نراهم كما هم على الطبيعة وليس من خلال ما نحب وما نكره وانس ما تضفيه عليهم من محاسن متوهمة.
 انتبه ولا تحاول أن تربط قيمتك عند الآخرين بما تقدمه لهم، لأنك بذلك تخاطر بأن تصبح من الأشخاص الذين يهتمون طول الوقت بقضاء حاجات الآخرين ومطالبهم.. وتكتشف أن وقتك يضيق عن رعاية نفسك وقضاء حاجاتك.. النهاية حتى تريح نفسك ليس أمامك سوى ألا تهتم..!