حكايات| معًا حتى النهاية.. ملك يجبر شعبه على تقبيل يد جثة حبيبته

جثة «إينيس» عشيقة الملك «بيدرو» الأول ملك البرتغال وهي على العرش
جثة «إينيس» عشيقة الملك «بيدرو» الأول ملك البرتغال وهي على العرش

«معا حتى نهاية العالم».. مقولة حالمة جدا، قد تصلح كبداية لقصيدة، أو اسم لرواية رومانسية، لكن قلما أن تكون قصة واقعية بين اثنين متحابين؛ فقصص التاريخ وروايات الحاضر مليئة بأوجاع الحب، فما امتدت يد محب إلى حبيبته إلى وعادت خاوية إلا من بعض جرح، وما صرح عاشق بمكنون قلبه إلا ورموه بسهام الجنون.



 
الملك «بيدرو» الأول ملك البرتغال، أحد أولئك الذين ماتوا وسهام الجنون والقسوة والوجع تزين تاريخه الذي مزقوا فيه صفحات الحب وأبقوا على صفحات الكره والخيبة، فالحب لم يجد طريقا إلى هذا الرجل إلا على قبره الذي خلد من خلاله ذكرى حبيبته «إينيس» التي لم يستطع أن تجمعهما الحياة معا، ليجمعهما قبرين بينهما لوح كتب عليه: «معا حتى نهاية العالم».


 
أمر ملكي



الأمير «بيدرو» عاش تحت طوع والده الملك ألفونس الرابع ملك البرتغال، ولم يستطع أن يرفض له طلبا في ظل صرامته الشديدة فكانت قراراته نافذة لا جدال فيها، وذات صباح أمر «ألفونس» ابنه بالزواج من الأميرة «كونستانس»، وهي الزوجة السابقة لزوج شقيقته، وهو ما قابله «بيدرو» بالرفض، واستسمح والده بأن يعفيه من هذا الزواج، ولكن الملك لم يكن يأخذ رأيه بل كان فرمانا ملكيا لا رجعة فيه، معللا بأن هذا الزواج بهدف حرق قلب زوج ابنته الذي اشتهر بخيانته لها على مرأى ومسمع من الجميع، بخلاف أنه لم يعط احتراما لوالدها الملك، فقرر زواج «بيدرو» بهذه الأميرة حنقا وغيظا ولرد الصفعة لزوج ابنته.

 


رغما عنه تزوج «بيدرو» من الأميرة «كونستانس»، نزولا عن رغبة أبيه، ولكن لم يضمر في قلبه انزعاجه من هذا الزواج في ظل أنه لا يحبها ولا يعرفها، وجاءت الأميرة من إسبانيا وفي زيلها الكثير من الوصيفات والخدم واتخذها الأمير زوجة له، ورغم سنوات العشرة وإنجاب ثلاثة أطفال، إلا أن «بيدرو» لم يشعر تجاهها يوما بالحب. 
 

 
جرس الحب


ولأن الحب يقتحم القلوب دون إنذار أو سابقة تحذير، دق جرس الحب في قلب «بيدرو» لإحدى وصيفات الأميرة وتدعى «إينيس»، والتي قيل في جمالها إنه كان يفوق الخيال وإن عينيها كانت تسحر الناظرين، وبادلته الوصيفة مشاعر الحب ونشبت بينهما علاقة غرامية بدأ يتحدث عنها الجميع، حتى وصلت إلى مسامع الأميرة «كونستانس» والتي أمرت بطردها من القصر الملكي وعودتها إلى إسبانيا، ولكن ما أن علم الأمير بالأمر حتى أخذ الوصيفة لتقيم في إحدى قصوره.

 


 
الملك علم أيضا بتلك العلاقة، ولكنه في البداية لم يعرها أي اهتمام، معتقدا أنها نزوة من ابنه، لأن هذه التصرفات كانت طبيعية بين الأمراء والوصيفات أو السيدات عامة في ذاك الأوان، ولكن الأمير بدأت علاقته تتوطد مع أهل الوصيفة ووضعهم في مناصب كبيرة في الدولة، واتخذ منهم مستشارين له، وما أن علم الملك بالأمر من خلال جواسيسه حتى استشاط غضبا، ولكن تشاء الأقدار بأن تتوفى الأميرة «كونستانس»، وهي تلد طفلها الثالث، فظن العاشقان أن الأرض وما عليها ستتسع إلى حبهما ليكلل بالزواج.   

 

 
ذبح الوصيفة


 خطة الأمير والوصيفة، سرعان ما وصلت إلى الملك، وتأكد أنها لم تكن نزوة، فأمر بالتخلص من هذه الوصيفة، ورغم أن الأمير أخفاها في دير هي وأطفالها حتى لا يمسهم ضرر إلا أن هناك ثلاثة من رجال الملك استطاعوا الوصول إليها وتسللوا إلى الدير ودخلوا غرفتها وقيدوا حركتها وقطعوا رقبتها أمام أطفالها الذين تمزق قلبهم فجعا لما شاهدوه يحدث مع أمهم.

 


  
الرجال الثلاثة بعد أن فصلوا رأسها عن جسدها، أخذوها إلى الملك وقدموها كعربون لوفائهم له، وحينما عاد «بيدرو» إلى الدير وجد جسد حبيبته وزوجته ملقى على الأرض دون رأس، والأطفال يحتضنون جدران الغرفة في فزع وخوف، فصعق الأمير من هول ما رآه، وخرج من الدير ونار الانتقام متقدة في قلبه، وأعد جيشا لمحاربة أبيه، ولكن الملك كان أحد جبابرة ذلك العصر واستطاع أن يرجح كفة الحرب إلى صالحه، ولكنه سرعان ما أصيب بسكتة قلبية توفي على أثرها، وبعدها تمكن الأمير من العرش ولقب بالملك «بيدرو» الأول.
 

 
انتقام عاشق


 

وما أن جلس «بيدرو» على العرش حتى أصدر فرمانا ملكيا بملاحقة الثلاث رجال الذين ذبحوا حبيبته، واستطاع جنود الملك من القبض على اثنين، والثالث تمكن من الفرار إلى خارج البلاد، فجاء بالاثنين إلى «بيدرو» الذي أذاقهم أشد أنواع العذاب فأزال قلبهما من جسدهما وهما على قيد الحياة، فالأول أخرج قلبه من الأمام والثاني أخرج قلبه من ظهره لما ارتكبوه من جرم في حق حبيبته.
 


ولأن العاشق حينما تصيبه نار الوجع، يمسه شيئا من الجنون، أمر «بيدرو» بإخراج جثمان حبيبته من قبرها وألصق بها رأسها وألبسها رداء الملكات وأجلسها على العرش بجواره، وأمر الجميع بتقبيل يدها ليجبر الجميع حتى الذين انزعجوا من علاقته بالوصيفة والتقليل منها في حياتها، على أن يقبلوا يديها ويتوجوها ملكة وهي جثة عفنة.


 
ولكون «بيدرو» أراد لقصة حبه الخلود، أمر بإنشاء قبرين ملكيين، قبر له وأخر لحبيبته بينهما لوح رخام كتب عليه: «معا حتى نهاية العالم»، وأمر بأن يدفنا إلى جوار بعضهما البعض بعد وفاته في هذين القبرين ليكونا شاهدا على حبه وإخلاصه لحبيبته.

 

 

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي