فيديو وصور| حكاية شارع الغورية.. من «حياكة الملابس السلطانية» إلى سوق عشوائي كبير

حكاية شارع الغورية.. من «حياكة الملابس السلطانية» إلى سوق عشوائي كبير
حكاية شارع الغورية.. من «حياكة الملابس السلطانية» إلى سوق عشوائي كبير

- سُمي قديمًا بـ«الشرابشيين» لاشتهاره بدكاكين حياكة الملابس السلطانية

- يضم مجمع آثار إسلامية من العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي

- باب الفتوح وجامع الأقمر وتكية السلحدار والمدرسة الكاملية وجماع الأقمر «أبرز معالمه»

- الحاج أحمد: نجيب محفوظ عاش هنا لكتابة ثلاثية «قصر الشوق، السكرية، بين القصرين»

- وعم كتكت «كينج الخيامية»: المهنة مهددة بسبب «التوك توك»

 

فور أن تطأ قدماك شارع الغورية الذي يقع على ناصية شارع المعز التاريخي الذي يعتبر أطول شوارع العالم الأثرية بمنطقة القاهرة الإسلامية، تشعر بعبق التاريخ وأصالة المكان، لكونه من أعرق مناطق القاهرة الفاطمية، وقد اشتهرت الغورية بنظام الوكالات في البيع والشراء منذ إنشائها، وفيها كتب الأديب الراحل نجيب محفوظ ثلاثيته الشهيرة «قصر الشوق، والسكرية، وبين القصرين»، كذلك تحتضن العديد من المباني الأثرية التي يرجع تاريخها إلى مئات السنين، فدائمًا ما تتفرد بآثارها العريقة ومساجدها الأثرية ووكالتها العتيقة، التي حتمًا لن تجدها إلا في مصر.

تاريخ الغورية

«بوابة أخبار اليوم»، أجرت جولة ميدانية في منطقة الغورية بداية من المسجد الذي أسسه السلطان قانصوه الغوري، ويحده شارع الجمالية الذي يحتضن في طرفه الجامع الأزهر ويفصله عن ضريح مسجد الحسين والسوق ومنطقة خان الخليلي، فكان يسمى قديما حي «الشرابشيين»، وكانت به دكاكين لصناعة وخياطة الملابس السلطانية، كما تضم مجمعا ضخما للآثار الإسلامية من العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي، ففيه باب الفتوح وجامع الأقمر وتكية السلحدار والمدرسة الكاملية، هذا بجانب الوكالات التجارية.

تاريخ الحي

وبالعودة إلى الوراء، فإن حي الغورية أنشأ في عهد السلطان أبو النصر قانصوه الغوري الشركسي آخر سلاطين دولة المماليك (1250-1517م)، وكان الغوري يحب الطرب والشعر، وكان مولعا بجمع التحف الثمينة وأضطره ولعه إلى جلب التحف التي كانت مودعه في خزائن الحجاز من موروث الإسلام الأول، ومنها مقتنيات الرسول الكريم والصحابة، التي صادرها بعدئذ الأتراك العثمانيون والتي تقبع اليوم في متحف طوب قابي في اسطنبول أو حتى نسخة المصحف الملطخة بدماء الخليفة عثمان بن عفان والتي كان يقرأها عندما اغتيل ،والتي تقبع اليوم في إحدى متاحف آسيا الوسطى.

وشيد قانصوه الغوري مجموعته المعمارية الهامة في تاريخ العمارة والتي تتكون من وكالة الغوري - مسجد الغوري - قبة وسبيل وكتاب ومدرسة الغوري، وتأخذ شكل كتلة معمارية مميزة حيث تأخذ امتداد واحدا تظهر خطوطه في كل أجزاء هذه الكتلة المعمارية.

أبرز معالمه

أما عن أبرز معالمه، فهي قبة ووكالة وحمام ومنزل ومقعد وسبيل وكتاب وخانقاه، ووكالة الغوري التي ما تزال تحتفظ بطابعها المعماري الأصلي، وهي عبارة عن صحن كبير وحوله محلات متراصة في أربعة طوابق كانت مخصصة لاستقبال التجار ببضائعهم، وكان بها مكان للدواب ومخازن للمحاصيل وأماكن لمبيت التجار الوافدين، غير أنها تتبع الآن وزارة الثقافة باعتبارها أثراً ومركزاً للفنون، وكذلك سبيل الغوري، فضلًا عن مدرسة الغورية، وهي مستطيلة المساحة، وفرشت أرضيتها بالرخام الدقيق الصنع والمزخرف بأشكال هندسية رائعة الجمال وأرضية السبيل من الرخام الأبيض المزخرف، كما يضم منطقة الخيامية، وهي منطقة تجارية تمتاز بصنع وشراء وبيع الأقمشة المميزة، وتقصده العرائس لشراء الأقمشة والمفروشات وكذلك المصنوعات الجلدية، كما يشتهر بأسعاره المميزة.

الترميمات الحديثة

وتمكنت الحكومة المصرية من ترميم وكاله الغوري ضمن مشروع إحياء القاهرة الإسلامية، وبالفعل تم ذلك في 2005، وانضمت إلى وزارة الثقافة لتصبح أحد مراكزها الفنية، إلا أن العشوائية مازالت تسيطر على المنطقة وسط مخالفات وإشغالات الباعة، لتتحول هذه المنطقة الأثرية العتيقة إلى سوق شعبي عشوائي كبير.

عطفة الحمام.. وذكريات نجيب محفوظ

من جانبه، حكى الحاج أحمد عبد الله، أحمد سكان الشارع، لـ«كاميرا بوابة أخبار اليوم» عن تاريخ الشارع، قائلًا: «زمان كانت أيام خير، أنا عايش هنا من 62 سنة، والشارع كان مركز التجارة الأول في مصر، وضم عدد من الحارات والبوابات الأثرية، إلا أن تحول بمرور الوقت إلى محل كبير لبيع الملابس».

وأضاف الحاج أحمد، أن قبل أكثر من 5 سنوات كانت حالة شارع الغوري - حسب قوله-، في قمة التطور الحضاري، فلا يكاد يمر سائح في منطقة القاهرة الإسلامية إلا ويزور آثار الغورية، ملوحًا بيده إلى سبيل  نفيسة البيضاء وأحد الكتاتيب القديمة الذي تحول إلى مصلحة حكومية ومقر لمفتشي الآثار وموظفي الوزارة، إضافة إلى عطفة الحمام، الذي تم تسيمتها بذلك اقتداء بالحمام الحريمي الذي تواجد بها قديمًا، وكانت تقصده جميع سيدات المنطقة للاغتسال والمرح وقضاء وقت سعيد مع نسوة المنطقة، وكذلك لاغتسال العروس التي تتزوج بعد أيام.

وأوضح أن نجيب محفوظ عاش في الغورية فترة كبيرة لكتابة ثلاثيته الشهرية «قصر الشوق، السكرية، بين القصرين»،، لافتًا إلى أن بوابات الشارع مثل بوابة المتولي وباب زويله ستصبح شاهدة على أصالته وعراقته، مشددًا على ضرورة زيادة الاهتمام بالشكل الحضاري لمنطقة الغورية، لتعود إلى الريادة السياحية مجددًا في مصر بعد أن طغت عليه العشوائية.

عم كتكت.. «كينج الخيامية» والتوكتوك

وانتقلنا إلى عم أحمد كتكت، الرجل الستيني، أو كينج الخيامية - كما يلقبه سكان الشارع وأصحاب المحلات-، فأكد لنا أن صنعته مازالت تحتفظ برونقها في شارع الغورية، فهو يصمم أشكالا متعددة للخيامية، ويجلب أقمشة ملونة بمقاسات معينة، ثم يدب الإبرة والخيط فيها  لرسم أشكالًا وإضافة ألوانًا إلى القطعة الواحدة، ويستخدم ألوان العصافير والأسماك (الخضراء والحمراء والزرقاء) وكذلك الألوان المبهجة التي تروق لأي شخص.

وذكر «عم كتكت» لـ«بوابة أخبار اليوم»، أنه يصمم أشكالا مختلفة، بعضها لأشكال الخيامية العادية الملونة، وأخرى بألوان الورود، وثالثة مرسوم عليها صور للفرعون المصري محمد صلاح، الذي وصفه بفخر العالم وليس فخر مصر فقط، مشيرًا إلى أن زبائنه ليس فقط من المصريين، بل الأجانب فأصبح له «زبائن دائمين» من أمريكا وكندا وألمانيا واليابان.

أما عن مشاكله في شارع الغورية، فاشتكى «عم كتكت» من العشوائية المنتشرة في الشارع، مطالبًا بضرورة إزالة الإشغالات للحفاظ على رونق الشارع وكذلك دعم السياحة، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن «مهنة الخيامية» مهددة بسبب «التوك توك»، وأن الصنايعية هربوا إلى تلك المركبات الخطرة بسبب الربح السريع منها، وتركوا مهنة من أعرق المهن المصرية الأصيلة.

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي