مصر الغد

الوحدة الألمانية انتصار على هزيمة دامت 45 عاماً

نادر رياض
نادر رياض

فى ذكرى عودة وحدة الألمانيتين في الثالث من أكتوبر عام 1990 لا نستطيع أن ننسى هذا المشهد عند بوابة براندنبورج عندما نقلت وسائل الإعلام مشهد الآلاف من أبناء الشعب الألمانى شرقه وغربه يحتضنون بعضهم البعض والفرحة تضحكهم وتبكيهم فى ذات الوقت ابتهاجاً بسقوط حائط برلين. يومها رأى العالم مدى القوة التى يمكن أن تنطلق من إرادة الجماهير حين تحركها شجاعة الإنسان؟وكيف أن حنينه وشوقه إلى الحرية قادر على تحقيق ما يدخل فى نطاق المستحيل.
وها نحن مدعوون بعد مرور29 عاماً من الوحدة الألمانية فى تأمل الماضى واستقراء المستقبل دون أن نقع أسرى لجمود الواقع أو رتابة الأحداث.فمن عجب أن نرى أن وثيقة الوحدة الألمانية كانت هى ذاتها شهادة ميلاد للوحدة الأوروبية وأن أحدهما أدى بلا منازع للوصول للآخر.
ولست أدرى تحت أى مسبب استدعت الذاكرة حدثاً تاريخياً لم تمحه الأيام مضى عليه أكثر من سبعين عاماً زمانه نـهاية الحرب العالمية الثانية واستسلام ألمانيا النازية في8/5/1945مكانة مدينة أيسن بالقرب من دوسلدورف موقعه المقر الرئيسى لمصانع كروب للصلب حيث المكابس والمسابك وآلات التشغيل الشامخة التى تخصصت فى صناعة المدافع العملاقة وإنتاج الصلب الممتاز الخاص بهذه الصناعة وكان المشهد:دمارا شاملا فى الأبنية والخرائب فى كل مكان إلا أن الآلات والمعدات بقيت سليمة وشامخة تنطق بعظمة الصناعة الألمانية لا ينقصها سوى عمالها الذين تشتتوا ولم يبق منهم أحد،وفى جانب من المشهد إعلان مكتوب على ورقة داخل حافظة بلاستيك معلق على باب المصنع المغلق عبارة عن دعوة لعمال مصانع كروب للعودة إلى العمل مع الإحاطة أن المصنع غير قادر على سداد أية أجور للعمال وأن العودة للعمل سيقابلها وجبتا طعام يومياً.
وللعجب الشديد أتى جميع عمال المصنع فى اليوم التالى عن بكرة أبيهم يرتدون ملابس العمل الزرقاء مصطحبين معهم ما أتيح من الأبناء والبنات فى سن العمل لينضموا للكتيبة العمالية المخلصة لمصنعها العريق الذى يمثل وطنهم الأصغر وذلك كأول تجمع لإرادة شعبية عمالية تسعى للنهوض بالوطن الأكبر ألمانيا الراكعة تحت وطأة وثيقة الاستسلام الموقعة دون قيد أو شرط،صدر فى نفس اليوم من إدارة المصنع أول أمر تشغيل لقسم المكابس والتشكيل الآلى يقضى بإنتاج أعداد من أطباق الطعام المصنوعة من الصاج تخصص لأكل العمال لزوم وجبتى الطعام والتى تمثل الأجر اليومى لكل عامل.
بهذا نرى أن العزيمة الألمانية تفوقت على هزيمة الحرب العالمية الثانية وسبقت المنتصرين عليها خلال خمسين عاماً،وكيف نجحت إرادة الشعب الألمانى فى هزيمة الهزيمة ليس بالمقياس العسكرى وإنما بمعيار التقدم الصناعى وإطلاق آليات الاقتصاد لتتدافع بالمناكب وتسبق الآخرين.
وما أحوجنا فى مصر بعد أن هزمنا هزيمة النكسة عسكرياً بنصر أكتوبر فى ألا نتوقف عند هذا النصر العسكرى ونعتبره كان كافياً لاستعادة الشرف وصيانة العرض،إذ أن الشعوب هى صانعة التطور والحضارة وعودة الروح بعد كل كبوة،وعلينا أن نجعل من إرادة الشعب المصرى فى الانتصار فى كل من معركة السلام وما بعدها معركة بناء الدولة والتفوق اقتصادياً وإنتاجياً لنتقدم بذلك الصفوف،وتأخذ مصر مكانتها التى تستحقها بين الدول وهو أمر ليس بعيد المنال إذ أننا نملك أدواته وآلياته وبقى أن نأخذ بعزم الأمور.
كلى أمل وتفاؤل فى أن مصر ذات الماضى العريق حيث سجل لها أنها كانت أول دولة عرفها العالم ذات سيادة ولها ملك يحمل تاجاً ولها جيش نظامى وقوانين مكتوبة وشرطة نظامية وسجلات للمعاملات من بيع وشراء وزواج ومواريث ولها إحصاءات للبشر وللحيوانات أيضاً ناهيك عن نظام ضرائبى قبل سبعة آلاف سنة من الآن سبقت به العالم.هذه الدولة العظيمة قادرة على صناعة مستقبل أفضل لأبنائها ليضعهم فى مكانهم الصحيح تحت الشمس.
تحية خالصة نرسلها للشعب الألمانى الذى تمسك بقيمة العمل وأعلى من شأنه..وتحية للقيادة السياسية فى مصر وألمانيا التى ترعى العلاقات المصرية الألمانية بكل عزيمة وإخلاص.
< رئيس مجلس الأعمال المصرى الالمانى