عصر العلم

حتى تتحقق رؤية مصر «2030» (٢/٢)

د. فرخندة حسن
د. فرخندة حسن

فرخندة حسن

تم فى الجزء الأول الذى نشر من هذا الموضوع الإشارة إلى الآثار السلبية لمشروع السد العالى التى كان من الممكن تلافى البعض منها والتصدى للبعض الآخر، لكنها لم تؤخذ فى الاعتبار فى الوقت المفروض وكبدت الدولة خسائر مادية وغير مادية لا يستهان بها. ونشير هنا إلى بعض من هذه الآثار السلبية التى تنبه إليها العلماء وحذروا من خطورتها منذ الستينيات والسبعينيات وهى :
أولاً : نحر الشواطئ فى بعض مناطق الساحل الشمالى وهو ما عانت منه الدولة وما تزال وتم وضع أسلوب التصدى لهذا الأثر ووضعت له الموازنة وقتها وكانت حوالى المليون جنيه. لم يتم شيء وفى السبعينيات والثمانينيات عندما حدث النحر وكانت أكثر وضوحاً فى ساحل محافظة دمياط وقدرت موازنة جديدة كانت مئات أضعاف الموازنة القديمة.
ثانياً : كان الخبراء على علم بأن نسبة كبيرة من الطمى الذى يحمله الفيضان سوف تترسب أمام السد وسوف تخرج المياه إلى الوادى وقد قلت بدرجة كبيرة نسبة الطمى الذى كان يزيد ويجدد خصوبة التربة الزراعية كل عام، وهو ما سوف يتسبب فى تدهور خصائص التربة وخصائص المحاصيل، وفعلاً هذا ما حدث للتربة وللمحاصيل وأوضح مثال لتدهور المحاصيل هو ما حدث للموز وهو ما دفع بوزارة الزراعة إلى القيام بالحملة القومية للنهوض بمحصول الموز بقيادة المرحوم الأستاذ الدكتور فتحى أبو عزيز وغيرها من الحملات وتتم معالجة هذه الآثار السلبية باستخدام مختلف الأسمدة وغير ذلك من الجهود التى تكبد الدولة تكلفة باهظة حتى وقتنا الحالى.
ثالثاً : توقع العلماء تغيير نوعية المياه بسبب عملية الترسيب هذه وأن نسب مكونات جزيئات العناصر الموجودة فى المياه سوف تتغير وأحد آثار ذلك احتمال حدوث زيادة فى نسبة الإصابة بالفشل الكلوى التى كانت فى ذلك الوقت وهو ما حدث.
رابعاً : وهو الخطر الذى بدأت ملامحه منذ فترة ويتزايد باستمرار ويثير القلق وهو ارتفاع منسوب المياه تحت السطحية والذى يتم دراسته الآن فى المراكز المتخصصة. كانت تقارير العلماء قد توقعت حدوثه عند امتلاء بحيرة السد وهى ظاهرة طبيعية تحدث بسبب وجود الشقوق والكسور فى صخور الوادى وتعرف بخاصية الأنابيب الشعرية. وكان الحل المطروح هو البدء فى تطوير سبل الصرف بكل أنواعه وبالتدريج منذ بداية امتلاء البحيرة على مدى العقود الماضية حتى لا يحدث هذا الارتفاع فى منسوب المياه تحت السطحية والذى تسبب فى تبوير العديد من المناطق الزراعية فى المناطق المنخفضة وبالذات فى الدلتا وفى كفر الشيخ وطفح للمياه وظهور برك سطحية هذا بالإضافة إلى تزايد انهيار بعض المنازل القديمة. علماء مصر على علم بهذا ويقومون بالدراسات والبحوث العلمية على أعلى مستوى وبالذات فى مركز بحوث المياه لكن لا يبدو أن هناك محاولات جادة لتطوير الصرف والذى سوف سنضطر له إن عاجلاً أو آجلاً من منطلق الحرص الشديد على ضمان نجاح المشروعات التنموية التى تقوم عليها الدولة فى الفترة الحالية والمستقبلية. نناشد الوزيرة هالة السعيد ألا تسمح بتجاهل أى من الآثار السلبية لأى مشروع وأن تنال جهود معالجة الآثار السلبية نفس الاهتمام الذى تناله الآثار الإيجابية. هذا هو البعد الأخلاقى الذى غاب فى بعض المشروعات القديمة وكان سبباً فى تعثرها.