حديث الأسبوع

عدالة السماء والمحرومون من الغذاء

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

الدراسة الهامة والمثيرة، التى أنجزها فريق من الخبراء ينتمون للمجلة الطبية البريطانية، (THE LANCET) ومؤسسة (EAT) النرويجية، حول النظام الغذائى العالمى تحتمل أكثر من قراءة، وتفرض معالجات مختلفة ومتباينة. إن الدراسة التى نشرت قبل حوالى سنة من اليوم تنبه إلى الخطورة البالغة، التى يكتسيها النظام الغذائى العالمى الحالي، والتهديد الذى يمثله الاستنزاف المفرط للثروات الطبيعية، وتكشف فى هذا الصدد، أنه ومنذ 1961 حيث توفرت الأمم المتحدة لأول مرة على الإحصائيات، فإن « النمو السكانى واستهلاك الفرد من الغذاء وتغذية الحيوانات واستعمالات الإنسان فى مجالات الخشب والطاقة، كل هذه الأنشطة أدت إلى تسجيل معدلات غير مسبوقة، فيما يتعلق باستنزاف الأراضى والمياه العذبة».
كل هذه المعطيات مهمة وتؤشر على ما تؤشر عليه، فيما يتعلق بضمان الأمن الغذائى فى العالم، إلا أنها تطرح، من حيث يدرى معدوها أم لا يدرون، إشكالية العدالة الغذائية فى العالم، والتفاوتات الخطيرة الحاصلة فى هذا الصدد.
دراسة أخرى تسلط الأضواء الكاشفة عن جزء مهم من هذه الإشكالية، التى تتعلق بتوزيع الغذاء العالمى بين الشعوب بالعدل والإنصاف، ويتعلق الأمر بتقرير أعده 27 من العلماء والخبراء المنتمين إلى (مجموعة الخبراء الحكوميين فى تغيرات المناخ والأرض فى العالم)، ونشر فى نهاية الأسبوع الأول من شهر أغسطس الماضي، يؤكد فيه هؤلاء الخبراء والعلماء أن « السلسلة الغذائية فى العالم حاليا تساوى وتزن ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة « وأن استهلاك اللحوم يعتبر أحد أهم الأسباب فى ذلك، إضافة إلى تقلص مساحات الغابات والرعى الفوضوى وتغذية المواشى.
الدراستان معا تؤكدان مسؤولية النظام الإنتاجي، والغذائى السائد بالعالم فيما يحدث، ومهم أن نذكر أن الدراسة الأولى طالبت بتقليص استهلاك اللحوم الحمراء فى العالم، بما لا يقل عن 50 بالمائة من حجم الاستهلاك العالمى الحالي، لكن مع التنبيه إلى تفاوتات فى حجم هذا التقليص بين مختلف مناطق العالم، وهنا بيت القصيد، فيما يتعلق بضمان نظام غذائى عالمى منصف، وتحقيق عدالة غذائية حقيقية، ذلك أن الدراسة التى اقترحت تخفيض استهلاك اللحوم الحمراء فى العالم بالنصف، فإنها ترى أن هذه النسبة غير كافية لمنطقة شمال القارة الأمريكية والقارة الأوربية، حيث تطالب الدراسة بتخفيض استهلاك اللحوم فى شمال القارة الأمريكية ب 84 بالمائة، وفى القارة الأوروبية ب 77 بالمائة، وتقترح الدراسة على سكان هذه المناطق تعويض ذلك بالزيادة الكبيرة فى استهلاك الخضر والفواكه، بيد أن هذه الدراسة تدعو، موازاة مع ذلك، إلى ضرورة الزيادة مرتين فى نسبة استهلاك اللحوم، بالنسبة لشعوب منطقة جنوب غرب آسيا، والسبب واضح، والتبرير جلى، يتمثل فى أن شعوب هذه المنطقة لا تنال أقساطها المستحقة من اللحوم، بيد أن مناطق أخرى فى العالم تستحوذ على الأقساط كلها، وهى مطالبة اليوم بالتخلى عن استهلاك هذه اللحوم، ليس لضمان العدالة الغذائية فى العالم، ولكن بالأساس للحفاظ على سلامتها الصحية، وهى نفس الحقيقة، التى أكدتها دراسة أخرى، دعت إلى تقليص استهلاك اللحوم فى الدول الصناعية المتقدمة بنسبة لا يجب أن تقل عن 90 بالمائة.
إذن، الدول المتقدمة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن انعدام العدالة الغذائية فى العالم، بسبب استحواذها المفرط على استهلاك اللحوم حد التخمة، مما قد يفرض على شعوب هذه الدول مراجعة عاداتها الغذائية، وتكون مجبرة على التنازل عن نسبة مهمة من مواد التغذية الرئيسية، لشعوب أخرى تعانى ويلات المجاعة وسوء التغذية.
إنها عدالة السماء، التى قد تجبر شعوبا محظوظة على التنازل عن جزء من مكونات غذائها اليومي، لفائدة شعوب تواجه صعوبات وتحديات جمة، لضمان لقمة عيش بسيطة فى مكوناتها.