«المحروسة» تصدر إعادة للروائية عنايات الزيات «الحب والصمت» بعد انتحارها

المحروسة تصدر إعادة للروائية عنايات الزيات "الحب والصمت " بعد انتحارها
المحروسة تصدر إعادة للروائية عنايات الزيات "الحب والصمت " بعد انتحارها

يعيد الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف اكتشاف الروائية المصرية الراحلة عنايات الزيات، صاحبة الرواية اليتمية “الحب والصمت”، والتي صدرت بعد انتحارها مثيرة جدلاً كبيراً، وأعيد إصدارها أخيراً عن دار المحروسة بالقاهرة.

شعبان يوسف، المشّاء الخبير وقصّاص الأثر في دروب تاريخ الأدب المصري،  والذاكرة الثقافية الحية التي تفوق الكمبيوتر حفظاً وترتيباً، يعود هذه المرة إلى منتصف عقد الستينات، ليزيح الغبار عن لؤلؤة نادرة لمعت بسبب رواية واحدة، لكن يمكن اعتبارها جزءاً مهماً من تاريخ الرواية النسائية بامتياز، أو الرواية التي أنتجتها المرأة في مرحلة مبكرة من مجهودات النساء في الحصول على حرياتهن المهدورة والمغدورة، كما يقول في مقدمته للرواية.

ويقدم يوسف الرواية بقوله “في منتصف عقد الستينات من القرن العشرين، شهدت الحياة الأدبية حادثا فريدا من نوعه، وهو انتحار أديبة شابة، أديبة لا تعرفها الحياة الأدبية الدارجة بشكل واسع أو ضيق، وتم التعرف على ذلك الخبر بعد ،ما شاع أنها أقدمت على ذلك الانتحار بعد أن رفض ناشر ما أن يطبع روايتها الوحيدة “الحب والصمت”، كما كتب الناقد التقدمي محمود أمين العالم آنذاك، وأعاد نشر مقاله التعريفي في كتابه “أربعون عاما من النقد التطبيقي” ص 456، وصدر عن دار المستقبل العربي عام 1994، واعتبر العالم “أن الرواية هي قصة نضال جسور من أجل الحرية، إنها تحكى حكاية فتاة من أسرة غنيّة تبحث عن معنى للحياة، تجد المعنى في البداية في علاقتها الحميمة بشقيقها هشام، ثم ما تلبث أن تفقدها بموت هذا الشقيق”.

ويرى شعبان يوسف أن الرواية تقف “كشاهد عيان على محاولة المرأة أن تصرخ في وجه كافة أشكال الظلم والعنت، ورغم أنها رواية وحيدة، لكاتبة تكاد تكون مجهولة، ولم تنل أي دعاية تطلقها جماعة ما، أو شلة معينة، أو توجه نقدي وأدبي مهيمن، إلا أنها ظلّت حاملة لقيم نضالية وفنية عتيدة في تاريخ المرأة الكاتبة، لكن الرواية ظلّت مجهولة تماما حتى أيامنا هذه، وهذه المجهولية تعود إلى الحركة النقدية الظالمة، والتي تقودها كثيرا روح ذكورية قاتلة، نوهنا عنها فى كتابنا “لماذا تموت الكاتبات كمدا”، والصادر عن دار بتانة عام 2016، ولا مجال لاستعادة ماانطوى عليه هنا، وبالنسبة لرواية “الحب والصمت” فقد أصابتها تلك اللعنة الذكورية، ماعدا بضعة مقالات قليلة كتبها الكاتب الصحفي أنيس منصور، وقد أبلغنا في مقالاته بأنه هو الذي اكتشف الكاتبة الشابة، وذلك في أحد إسطبلات الخيول التي كان يذهب إليها مع الفنانة نادية لطفي، وكانت عنايات صديقة شخصية لنادية لطفى”.

ويضيف: “وماعدا ذلك، فهناك مقال كتبته الناقدة والكاتبة دكتورة لطيفة الزيات، كما أن الناقدة د شيرين أبو النجا كتبت مقالا تحليليا عن الرواية في جريدة الحياة في يناير 2015، كما كتبت الروائية سلوى بكر كذلك، والشاعرة إيمان مرسال، ورغم كل ذلك، فالتغطية النقدية والأدبية لم تعط الرواية القدر الكافى من النقد والتحليل حتى تتجاوز الرواية حدود العزلة التي فرضت عليها، وذلك لأن الرواية ظلّت حبيسة الطبعة الواحدة والوحيدة، والتى نشرت بعد رحيلها، وصدرت عام 1967عن وزارة الثقافة، وتقدمها تصدير صحفي عام كتبه_على عجل، ودون اهتمام عميق_ الدكتور الأديب مصطفى محمود، ولم يفعل سوى أنه اقتبس بضعة فقرات مطولة من الرواية، دون أن يدخل إلى العالم المخيف الذي شيّدته الكاتبة في نسيج سردى بديع.

لماذا أصف عالم الرواية ب “المخيف”، رغم أجواء الحب التي تهيمن على بعض تفاصيل الرواية، والعلاقات الاجتماعية التي تكاد تكون سائدة وعادية، وربما تكون مريحة لكائنات أخرى، لكننا نصطدم منذ بداية الرواية، بأن البطلة/الراوية، فقدت شقيقها الوحيد “هشام”، والذي كان نموذجا مثاليا بالنسبة لها، ذلك الأخ الفاعل والمحتفى به، لكنه يرحل ذات صباح حزين دون أي وداع، فتعتقد “نجلاء” شقيقته أن هذا الموت هو نهاية العالم بالنسبة لها، ذلك العالم الذي فقد كل طعمه وملامحه وتفاصيله، إذ أن “هشام” كان يمثّل لشقيقته “العالم” كله، وبعد رحيله أي عالم آخر سوف تتعامل معه، وأي كلمات سوف تنصت لها، وأي جدار سوف تستند إليه بعد انهيار الجدار الأعظم بالنسبة لها.

ويتضح أن ذلك الانتماء شبه الكلى لهذا العالم، والذي تسرده البطلة بأسى شديد، وربما كان مبالغا فيه، وتشرح تفاصيله، لم يأت من فراغ، بل كانت له مبررات قوية، إذ أن البطلة تنتمي لعائلة شديدة الثراء، وتوفر لها كل سبل الراحة المادية، والتي كانت البطلة تملّ من تلك الراحة المادية، والبذخ المبالغ فيه، إنها تسعى إلى عالم تضج فيه مفردات أخرى، وتفاصيل مختلفة، وكان هشام ملاذا طبيعيا تلجأ إليه “نجلاء” كلما تأزمت أمورها”.

ويقول شعبان يوسف إن “عنايات الزيات كانت تنطلق من وعى فني واضح بكتابة الرواية، رغم حداثة عمرها، ولديها خبرة جيدة بهذا الأمر، فاستطاعت أن تصف لنا وتشرح وتسرد تفاصيل العفونة التي تنطوي عليها طبقتها بيسر أسلوبي ناصع، ثم جعلت الراوية “البطلة” تصرخ في وجه تلك التقاليد، ثم راحت تلك البطلة ترسم لنفسها مستقبلا حالما بعيدا عن محيط تلك العائلة، أي أن الكاتبة التزمت بما أقرّه أرسطو قديما، بأن الأدب يصف الواقع، ثم يحاول هدمه، ثم يحلم ببناء واقع جديد، ولم يأت ذلك في رواية “الحب والصمت” بشكل تقريري سافر ومباشر، ولكنه جاء عبر بناء روائي محكم وجيد، كامتداد لكل الكتابات التي سبقتها، وخاصة رواية “الباب المفتوح” للكاتبة لطيفة الزيات، ولذلك سنرى أن تشابها ما ورد في رواية “الحب والصمت”، ورواية “الباب المفتوح”.