قلم ووطن

التفوق قبل التنافس

لواء أ.ح. سيد غنيم
لواء أ.ح. سيد غنيم

خلال هذا العام دعيت كمتحدث ومناقش فى مجال الأمن الدولى فى اليابان والصين وكوريا وتايوان وفرنسا وبلجيكا والشهر القادم بإذن الله فى الولايات المتحدة وهندوراس. وقد لاحظت أنه رغم اختلاف الرؤى بين الباحثين وصناع القرار حول العالم إلا أن ما يشغل الجميع هو التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، خاصة مع الخفوت والانسحاب الأمريكى مقابل تعاظم القدرات الاقتصادية والعسكرية الصينية وشروعها فى مبادرتها الكبرى «الحزام والطريق»، وتزايد النفوذ والتحرك الروسى فى الشرق الأوسط وعدة أقاليم بآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية مما ساق العالم لديناميات أمنية جديدة. وفى الوقت الذى تفرض فيه الولايات المتحدة إرادتها بالقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية، تقدم الصين سبل التعاون الاقتصادي وتقديم القروض والاستثمارات، وتبدو روسيا حامى الأوطان وقاهر الإرهاب. ولكن من سيكون المنتصر فى هذا التنافس بين الدول الثلاث؟
وربما وجب علينا مراجعة ثلاثة مصطلحات وهى (القوة والنفوذ والشعبية). و»القوة» هى محصلة حجم ونوعية كافة عناصر القوة الشاملة للدولة كالقوى السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية وغيرها، وبما يمكنها من تحقيق أهدافها القومية. و«النفوذ» يمثل القدرة على استخدام عناصر القوة الشاملة لصياغة وبناء النظام الدولى أو الإقليمى. أما الشعبية فهى القبول العام من الشعوب المستهدفة.
وبالنظر للدول الثلاث نجد أن الولايات المتحدة هى الأقوى ارتباطاً بحجم ونوعية قواها الشاملة، كما أنها الأكثر نفوذاً ولكنها الأقل شعبية نسبياً فى العالم. أما روسيا فرغم أنها الأقل قوة إلا أنها تزاحم الولايات المتحدة فى النفوذ السياسى والعسكرى فى عدة مناطق حول العالم، ولكنها تحقق شعبية كبيرة بسبب آلتها الإعلامية القوية. وعند النظر للصين نجد أنها الثانى فى القوة، ومنذ سنوات كان اقتصاد الولايات المتحدة ثمانية أضعاف الصين أما اليوم فهو مرة ونصف ضعف الصين، كما تتعاظم قوة الصين العسكرية (ببطء وثبات). ورغم أن الصين هى الدولة الأقل نفوذاً بينهم، إلا أن لها وجودا متزايدا عالمياً وتعمل على زيادة قبولها وشعبيتها بين الدول.
من هذا المنظور المختلف قد يمكننا تقييم مستقبل الدول الثلاث وتحديد من يمكن أن يفرض إرادته على المديين القصير والمتوسط، وأى دولة يمكن أن تبقى أو تصبح الأقوى والأكثر نفوذاً وقبولا بين الشعوب وبما يمكنها من فرض إرادتها على المدى البعيد.
وخلاصة لذلك بدأت محاضراتى بتلك الدول، والتى دارت حول «التنافس بين الدول الكبرى» مشيراً لضرورة التفوق قبل التنافس، بمقولة المنظر العسكرى الصينى «صن زو» فى كتابه فن الحرب: «المحاربون المنتصرون يفوزون أولًا ثم يذهبون للحرب، أما المحاربون المنهزمون يذهبون للحرب أولاً ثم يسعون للفوز».
< زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا