جريمة تستحق المواجهة.. إهانة «الجميلة» على مواقع التواصل الاجتماعى!

اللغة العربية
اللغة العربية

محمد سرساوي 

 

كأننا نعيش فى بلد آخر، لا يعرف اللسان العربى الذى هو لغتنا الرسمية والسمة الأساسية فى هويتنا القومية، ذلك شعور ينتابك حتما حين تغرق فى طفح مواقع التواصل الاجتماعى ولغة الخطاب المتداولة بكثرة عبر رسائلها وحواراتها المتبادلة إذ يجرى تقطيع أوصال لغتنا العربية وإهانتها صباح مساء على هذه المواقع المستحدثة، فكيف نحمى إحدى أهم سمات هويتنا فى مواجهة هذا التحدى الكبير الذى يتهدد ولا شك سلامة واستمرار اللسان العربى وخاصة بالنسبة إلى الأجيال الصاعدة الجديدة.

 


فى البداية يقول الخبير اللغوى أحمد صلاح هاشم: اللغة كائن حى يتأثر بالمتغيرات حوله، يكبر ويتطور ويقوى بالمتابعة والاهتمام، ويضعف ويموت بالتجاهل والنسيان،وتمثل مواقع التواصل الاجتماعى أحد أكثر التحديات فى مواجهة اللغة العربية، مما يتطلب بذل الجهود فى تيسير لغتنا للمتلقين من جهة، وفى الاستفادة بتجارب أممية عديدة، استطاعت توظيف لغاتها بما يضمن استمراريتها، وإعادة تنقية المعاجم والألفاظ من المتحفى والنادر، ورفدِ الحصيلة اللغوية بمستجَدِّ المصطلحات والتعبيرات،وأرى فى هذا السياق أن تشجيع المبادرات التى تقوم لتنقية اللغة من شوائب الخطأ، والكتابة من مخاطر ضعف الإملاء مما يكفل للفصحى المتبسطة أن تكون بديلًا لـ(الإنفوأراب) واللغات المصطنعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنوه فى هذا الصدد بمبادرتين رئيسيتين؛ «اكتب صح»، و«كبسولات للديسك»، والأخيرة عبارة عن مجموعة من النصائح للكتابة الشكلية المنضبطة، ولتوقى الأخطاء المتكررة.

 


وتقول الشاعرة والناقدة د.شيرين العدوى: للأسف تستخدم معظم صفحات عالم التواصل الاجتماعى لإشاعة الفوضى السياسية وبس الشائعات التى تحاول التأثير سلبا على الرأى العام ولا أعتقد أن هذا العالم المصطنع يساعد فى إثراء اللغة العربية اللهم إلا فى بعض صفحات الأدباء الحقيقيين وهم قلة فى مقابل الصفحات الكثيرة التى تهتم بالصورة والفكاهة. ولكن ما يطمئننى بعض الشىء أن الناس تعتبر مواقع التواصل نوعا من التسلية والهزل فلا يعتدون بها. أما الجانب المحمود فيتمثل فى الصفحات التى تهتم بنشر الكتب الجديدة وطرحها الذى يسهل على القارئ المهتم الاطلاع على أحدث الكتب ومناقشتها، وهذه المواقع كأى شىء جديد يحمل وجهين الجيد والسيئ. أما لغتنا فتحتاج لإنقاذها بواسطة جهد كبير وصادق من خلال مناهج التعليم.

 


ويقول الكاتب محمود عبد الرازق جمعة مؤلف كتاب «الأخطاء اللغوية الشائعة»: علينا أن نحمى لغتنا بإخراجها من المعبد/المجمع/الكتب إلى الناس فى الشارع. بحملة قومية لتصويب اللافتات، ببرامج إعلامية تدعو الناس لإتقان اللغة العربية والإملاء الصحيح، بمسابقات شهرية أو حتى سنوية ذات جوائز مُجزِية تتبناها هيئات كبيرة ووزارات (التعليم والإعلام والأوقاف مثلًا) لمُتقِنى العربية قراءةً وكتابة، على مستوى المواطنين عمومًا، وعلى مستوى التلاميذ خصوصًا. بربط اللغة بالحياة اليومية للناس، سواء فى السياسة أوفى الاقتصاد أوفى العمل أوفى المدرسة، إلخ، المشكلة أننا نضع اللغة العربية فى منزلة من القداسة تصعِّب علينا مجاراة حمايتها وتقوية أنفسنا فيها، فنحن نستعمل تعبيرات كـ»لغة القرآن»، و»لغة أهل الجنة»، و»أقوى اللغات» و»أعظم اللغات»، إلى آخر هذه التعبيرات التى تُلبِس الأمر قداسةً، قد تكون حقيقية وقد لا تكون، ولكنها فى النهاية تضرّ أكثر مما تنفع، لأنها تجعل التفريط أسهل من الالتزام، وتجعل التساهل أهون من الانخراط، فيكون شغلنا الشاغل هو النجاح فى امتحان آخر العام، أو نطق كلمتين على منصَّة، أو كتابة كلمة فى إهداء، إلخ، وتبقى القضية الأساسية خافية غير مستوعبة للصورة الكاملة، وهى الضعف العام فى اللغة، الحل كما أشرت هو إخراج اللغة العربية إلى الشارع، وتبسيط عرضها، وتيسير استعمالها، والبعد عن خلافات علمائها إلى اتفاقاتهم... باختصار: تحبيب اللغة إلى الناس.

 


وفى الختام يطمئننا الناقد الكبير د. يوسف نوفل على لغتنا عبر رأيه المغاير للآراء الكثيرة التى ترى أن خطرا داهما يتهدد اللسان العربى على متن الوسائط الحديثة حيث يقول: كثرت فى الآونة الأخيرة التساؤلات حول تأثير وسائل الاتصال الاجتماعى على اللغة العربية، وطبعا هذا التساؤل نشأ مما يلاحظ من الكتابات والرسائل المتبادلة فى وسائل الاتصال الاجتماعى من أخطاء إملائية وتركيبية، وأصبح حديث الناس أن هذا الأمر يشكل خطرا على العربية، وأود أن أوضح فى البداية أهمية التفرقة بين نصين ونوعين من الكتابة: الأول هو ما نسمى حديثا الأدب التفاعلى أو الأدب الرقمى أو الأدب «الالكترونى» أو الافتراضى أو «هيبر تيكست» أى النص من خلال الشبكة العنكبوتية، هذا النص الأدبى هو من الأدب الحديث، ويختلف اختلافا كليا عما نتحدث عنه الآن من مكاتبات ومحادثات عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
 

والجانب السلبي في هذا الأمر الذي يزعج الناس يجعلهم يتخوفون على اللغة العربيبة، مما تحمله تلك الرسائل والتغريدات وما إلى ذلك من ركاكة وأخطاء، وهي أخطاء راجعة إلى من يكتبها حسب نطقه هو وحسب وعيه اللغوي، هو كما أن الكثيرين قاموا باختراع تعبيرات وأساليب وتركيبات جديدة إلى جانب أن هذه الكتابات والرسائل والتغريدات تستعين بثقافة الصورة وقد تستعيض عن الكلمة بالصورة، فيرسل صاحبها وجها ضاحكا أو مشمئزا أو متعجبا أو حزينا، وللأسف فإن هذا الأسلوب ركيك، أما القواعد الإملائية والنحوية فيجرى الاعتداء عليها ومن هنا انزعج الكثيرون، ورأى البعض أن ذلك خطر داهم على اللغة العربية، أما أنا فأرى أن هذه القضية شأنها شأن اللهجة المحكية العامية التى نستخدمها كل يوم وكل ساعة فى حياتنا العامة وفى «دردشاتنا» وتجمعاتنا والمنازل والأسواق والنوادى والشواع، اذن اللهجة المكتوبة فى وسائل التواصل شأنها شأن العامية المتداولة بين الناس، ونحن نعلم أن العامية موجودة فى كل اللغات فى جميع العصور على هذا الأساس اعتبر ان ظاهرة الأحاديث والحوارات المتبادلة فى وسائل الاتصال الاجتماعى شأنها شأن العامية المتبادلة فى حياتنا،إذن هل هناك خطر فى اللغة العربية أنا ارى أنه لا يوجد خطر او اعتداء على لساننا، وذلك لأن الفصحى توجد سليمة صحيحة فى الأشكال الآتية: الكتاب الورقى المطبوع، والكتاب المسموع والأدب التفاعلي أو الرقمي في النص «الألكترونى» وفى النص الفصيح فى الإذاعتين: المسموعة والمرئية إلى جانب أن العربية مرت بمحن وحروب وتآمرات عبر مئات السنين، فحاولوا أن يقسموها ويخلطوها بالفرنسية والإنجليزية وحاول الأتراك تتريكها.
 

وهناك من دعا إلى كتابة العربية بحروف لاتينية، إلى كتابة لغتنا في الحروف اللاتينية، أكثر من ذلك ظلت الهيمنة التركية والعثمانية على مصر أكثر من خمسة قرون، لم يفلحوا فى إضعاف اللغة العربية أو محوها أو التأثير فيها، أكثر من ذلك أن العربية من بين شقيقاتها فى اللغات السامية هى الأبقى والأقوى، ولك أن تقارن بينها وبين العبرية، الأقوى من ذلك أن لغتنا الفصحى هى التى حملت النور إلى ظلمات العصور الوسطى، فكانت العربية هى لغة التعليم والتأليف فى جامعات أوربا عن طريق إسبانيا أو ما عرف حين ذاك بالأندلس، وانتشرت لغتنا االفصحى فى جزر البحر الأبيض المتوسط كلها، وعلى رأسها جزيرة صقلية ومن هنا فإنى لا أخاف على لغتنا العربية.