يومــيات الأخـــبار

أين تذهب هذا الصباح؟!

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

لا عمل، لا دراسة، لا مهام، لا واجبات، فقط جلسة ممتدة على مائدة فى  مقهى، ثم لاشىء يهم، أو يشغل البال مع «المشاريب» واللعب، ثم فرجة مجانية على خلق الله الرائحين والغادين!

الخميس:
من يسعى على رزقه يتجه إلى مقر عمله، ومن يقصد تحصيل العلم يذهب لمدرسته أو جامعته، غير أن هناك آلافا يزحفون نحو السناتر سعياً للعلم، على طريقتهم!
ثمة نفر من الناس على سفر لاداء واجب أو انجاز مهمة، فإن لم يكن يملك وسيلة انتقال خاصة، أخذ سبيله إلى محطة قطار أو باصات مثلاً.
أظنها إجابة ناقصة! نماذج أقرب للاجابة المثالية المعلبة أو المبسترة، لاتطابق صورة الواقع بأى حال.
قبل أن تتفق - أو تختلف - معى أمعن فى تأمل المشهد.
ثمة بشر كثر - فى ايامنا تلك - يذهبون كل صباح إلى «الكافى شوب»، وكأنه طقس اكتسب قداسة لديهم!
موظفون، طلبة، شباب، كهول، عجائز، من الجنسين،...،...
هؤلاء حياتهم والمقاهى فى دائرة العلاقة الشرطية، فلا لذة، ولا استقامة للأمور إلا على مائدة داخل - أو أمام- هذا «الكافى شوب» أو ذاك، ولابد من «اصطباحة» مع الشيشة وفنجان القهوة، والقعدة تحلو مع نديم فى وصلة رغى ونميمة صباحية، ولا بأس من قطع الوقت مع دور طاولة أو دومينو!
لا عمل، لا دراسة، لا مهام، لا واجبات، فقط جلسة ممتدة على مائدة فى مقهى، ثم لاشىء يهم، أو يشغل البال مع «المشاريب» واللعب، ثم فرجة مجانية على خلق الله الرائحين والغادين!
الدوام اليومى على مقهى لا يمل منه من احترف الحكاية، وصارت وحياته صنواناً، ربما يتبدل اسم المقهى أو يتغير عنوانه، ومعظمهم بالمناسبة يفضل مسمى «كافى شوب» ليواكب زمن العولمة، لكنى لا اعرف فارقاً فى الجوهر.
فإذا أصاب بعضهم الملل- وهذا أمر نادر - فلا بأس من نزهة على شط النيل، أو جلسة قبالته، أو إبحار فى فلوكة أو لنش، بحسب القدرة المالية أو الانتماء الطبقى.
آخرون يفضلون حفلة صباحية فى قاعة سينما، مع البوى فرند، أو الجيرل فرند، أو بصحبة الشلة و... وتلك مجرد امثلة دون حصر أو احصاء نقصده.
البعض -خارج التصنيفات السابقة- يذهب فى رحلة يومية لتناول «رز بلبن مع الملايكة»، هم ببساطة يبدلون ليلهم نهاراً، ونهارهم ليلاً، فيذهبون بعد طول سهر إلى مخادعهم مع بزوغ الشمس، ولا يملون حياتهم على هذا النحو أبداً!
لكن هل كل من يتجه لمقر عمله ينتج أو يبدع، أو يتقى الله فيما يعمل؟
نفر ممن يذهبون لمقار اعمالهم يكون هدفهم الاسمى، التوقيع بالحضور، دون أن يكف موتور السيارة عن الدوران، ليقفز مرة أخرى وبسرعة متناهية أمام عجلة القيادة، ليلحق بعمل خارجى، دون أن يهتز ضميره لحظة، وآخرون ينطلقون متسكعين على اقدامهم، أو بسياراتهم فى الشوارع على غير هدى، لا هدف لهم سوى حرق الوقت، ورفع الكثافات!
فصيل آخر يجتاز عتبة عمله، ولا يعنيه أى انجاز، بالعكس فتعطيل مصالح الخلق رياضته المفضلة، وبينهم من يتعامل مع الجمهور بلا مبالاة، فينشر روح الاحباط فى موقعه!
هل كان الأفضل أن تكون وجهة هؤلاء المقاهى أو الشوارع يتسكعون على نواصيها، بدلاً من بث طاقة سلبية حيث يوجدون؟
عزيزى القارئ، أصدقنى القول: أين تذهب هذا الصباح؟
محنة المدارس!
الجمعة:
أعادنى الاحفاد إلى هموم الدراسة وتكاليفها، وبأضعاف ما كانت عليه تلك الهموم فى زمن الأبوة!
ما اسمعه من بناتى يبعث فى نفسى مخاوف مزعجة.
مصاريف المدرسة، اليونيفورم أبو «لوجو»، المستلزمات المبالغ فيها، بلا سقف، الحجز مقدماً للدروس الخصوصية، والقفزات فى سعر الحصة عاماً وراء آخر،..،...
لم يبدأ العام الدراسى - عملياً - لكن علامات الارهاق اعادت تشكيل ملامح بناتى وأزواجهن، بل والاحفاد انفسهم!
شكاوى لاتنتهى من الاعباء التى تضاعفت، وكنت أحسب أن ثمة قدراً من المبالغة، زال احساسى بعد أن قرأت خبراً عن عروض بنكية لقروض تساهم فى سدادالمصروفات يتم تقسيطها على ١٠ شهور، بعضها يصل إلى ٥٠ ألف جنيه، والهدف نبيل للغاية: اتاحة التعليم للجميع «!» يابلاش.
من ذاكرتى قفز رقم مرعب، كشفته نتائج بحث عن الدخل والانفاق خلال عام ١٧/٢٠١٨ اصدره الجهاز المركزى للاحصاء، إذ الاسر المصرية تنفق ٤٧ مليار جنيه سنوياً على بند الدروس الخصوصية والسناتر وحده!
كان ذلك قبل عامين، من ثم فإن كسر حاجز الخمسين أو الستين مليار احتمال قائم بشدة، الأمر الذى يكثف مأساة لاتنتظر مخرجاً قريبا!!
فى قلب المشهد، ملمح آخر يثير مزيجاً من الدهشة والقلق، ثمة مساعٍ للتحويل من مدرسة لأخرى رهاناً على أنها الأفضل، أو ربما بحكم القرب من المنزل، وبعد جهود مضنية، ثم الرضوخ لدفع تبرع، يكون بالانتظار مفاجأة مؤلمة.
حفيدك سوف يلتحق بمدرسة كثافة الفصول فيها سوف تمثل حائلاً - بالتأكيد - دون متابعة جيدة لشرح المدرس، وبالتالى تؤثر سلباً على درجة الفهم والاستيعاب.
البديل الآخر فى مدرسة أخرى، نجاح الادارة فى الحصول على ترخيص للبناء فى الفراغات، يعنى أن تصبح المدرسة بدون أفنية لممارسة أى أنشطة، ولا طابور صباح.
إنه اختيار بين بديلين احلاهما مر، ضع نفسك مكانى واختر، هكذا طرحت ابنتى سؤالها الصادم الذى استولت علىّ الحيرة إزاءه، ولم أجد له جواباً!
ليس دفاعاً عن التوك توك
السبت:
آخر مواطن فى المحروسة يمكن أن يتصدى للدفاع عن التوك توك، هو العبدلله، ولكن...
للوهلة الأولى أثلج صدرى قرار استبدال المذكور اعلاه بـ«المينى ڤان»، وبقليل من الملاحظة نكتشف أن «التُمناية» أى اسم الدلع للبديل المقترح تجرى وتمرح بالفعل فى شوارعنا، بلوحات ملاكى، ودون أن يدفع أصحابها مليما أحمر من استحقاقات الدولة كالتراخيص والضرائب والتأمينات.. الخ
بقليل من التأمل -أيضا- سوف نلاحظ أن «التوك توك» و«المينى ڤان» صديقان فى مناطق عديدة داخل العاصمة، يتقاسمان الادوار، لكن خصوصية بعض المناطق تقود لاستنتاج لايحتمل تأولين، فالتوك توك هناك لا غنى عنه شرط أن يتم تقنين أوضاعه فتأخذ الدولة حقها، ويأمن المواطن على نفسه، ولا يُطارد مالك التوك توك أو قائده.
قبل شهور؛ كتبت هنا تحت عنوان: «وما ادراك ما التمناية».. مطالباً بتقنين أوضاعها لأنها أصبحت أمراً واقعاً، وشىء طيب أن تنتبه الحكومة لوجوده القائم فعلياً، إذ انها لن تنشئ وضعاً مستحدثاً، ولكنها سوف تأتى على أمرين: أولهما تقنين «المينى ڤان»، ثم التوسع فى الاعتماد عليه.
استطلاع للرأى - اذهلتنى نتائجه - إذ رصد موافقة ٦٤٪ من المصريين على ترخيص التوك توك، وهذا يعنى أنه - وبأغلبية معتبرة - لا بأس من استمراره حيث يكون وجوده بمثابة ضرورة بلا بديل، شرط الأمن للمواطن، واحترام القانون.
لا اطالب الحكومة بالتراجع عن قرارها، وانما بترشيد التطبيق بعيداً عن القياس على تجربة استبدال التاكسى الاسود بخليفته الابيض، التى تمخضت عن سلبيات لم يحد منها سوى ظهور «أوبر وكريم».
امنعوا التوك توك حيث يجب أن يختفى، لكن أتركوه مع تقنين صارم لاوضاعه حيث لاغنى عن وجوده.
فى خضم الحماس لالغاء التوك توك، والتحفظ أو الرفض على الجانب الآخر، لاننسى أن ملايين البشر أصبح هذا الكائن مصدر رزقهم الوحيد، ووسيلة الانتقال اليتيمة لمن يستخدمه دون بدائل.
صرخة ضحايا الأمراض المزمنة
الاحد:
لا ينكر غير جاحد الأثار والنتائج الايجابية غير المسبوقة لمبادرات رعاية صحة المصريين، دون أى تمييز أو تفرقة.
انجازات يشهد لها القاصى والدانى فى الوطن، ومن وراء الحدود، تؤكد أن المبادرات الرئاسية الهادفة لتوفير أرقى رعاية صحية للمواطن المصرى، هى الأ كبر والاوسع نطاقاً على مستوى العالم. ثمة إلتزام قوى بشأن استمرارية المبادرات التى تستهدف دعم تجربة رائدة، غايتها تطوير واصلاح القطاع الصحى، فى كل ربوع الوطن. لكن حتى الآن، ورغم ان كاتب هذه السطور ناشد وزيرة الصحة، ورئيسة هيئة التأمين الصحى مرات عدة، فى ذات المكان بشأن ضحايا الأمراض المزمنة، رافعاً صرختهم لمن يعنيه الأمر حتى يقدر ظروفهم الصعبة، واحتياجهم للعلاج المستمر، لكنهم يعانون الأمرين لينالوا حقهم دون اهانة أو طلب اجراءات تعجيزية كل ثلاثة شهور، تجبرهم على القيام بما يشبه «الكعب الداير» بين العديد من المواقع واللجان داخل منظومة التأمين الصحى.
 وفى ظل اهتمام متنام من جانب رأس الدولة بصحة المصريين، فإن استمرار وقوع الظلم والمعاناة على ضحايا الأمراض المزمنة، يعكر روعة المشهد محل الاشادة من الجميع، ولم يبق سوى أن يندرج تحت مظلته ضحايا الأمراض المزمنة، والنظر لمطلبهم العادل والمنطقى بعودة النظام الذى كان معمولاً به إلى وقت قريب. حتى عام مضى - تقريباً- كان المريض يُعرض على استشارى أو لجنة مختصة لتجديد صرف الدواء لمدة سنة أو ٦شهور على الاقل بدلاًمن ٣ شهور فى النظام المستحدث، ولا نظير له فى أى دولة فى العالم.
المرضى يتساءلون: أى معجزة من شأنها أن يبرأ ضحية مرض مزمن عاشر صاحبه سنوات طوالاً من عمره، فإذا به يستيقظ من نومه وقد شُفى تماماً ولم يعد بحاجة للعلاج؟!
للمرة العاشرة، وأدعو الله أن تكون الأخيرة، أناشد كل من يهمه الامر فى وزارة الصحة، وهيئة التأمين الصحي: ارفعوا الظلم عن ضحايا الامراض المزمنة، ولاتتحالفوا مع المرض ضدهم، قدموا لهم الدواء دون تعنت أو إهانة، وارحموهم من صرخات لم يعودوا قادرين على اطلاقها.
ومضات:
> ما يوجع فكرة تسكن الضمير، بأكثر مما تتجلى فى الواقع.
> الأجمل من ألطف دعابة، روح لطيفة تميز من يرويها.
> انطفاء الروح لايعوضه ضوء الف مصباح.
> أخطرما يستشعره خصم، يقينه بعجزك عن رد فعل مناسب.