حوار| أصغر وزيرة في العالم: نرحب بالتعاون مع مصر في الاستفادة من التجربة الفنلندية

أصغر وزيرة تعليم عالى فى العالم
أصغر وزيرة تعليم عالى فى العالم

هذه هى المرة الثانية خلال عام واحد التى تقوم فيها «أخبار اليوم» بزيارة فنلندا التى تتواجد جغرافيا قرب سقف العالم ضمن الدول الإسكندنافية شمال أوروبا، وذلك للاطلاع على تجربتها فى التعليم خاصة بعد اعتراف الأمم المتحدة بأن فنلندا أصبحت من أولى دول العالم فى نظامها التعليمى.

وفى هذه الدولة بكاملها لايوجد مدرسة خاصة واحدة، أو جامعة خاصة واحدة أيضا، والتعليم فيها مجانى من الابتدائى وحتى الجامعة لأنها تؤمن بأن دور الدولة الأساسى عندهم هو بناء الإنسان، ولايسمحون فيها لأى مدرس بالتدريس فى مدارسها بدءا من الصف الأول الابتدائى وحتى الثانوى العام إلا إذا كان حاصلا على الماجستير، ويتم اختيار المدرسين من خلال مسابقة لايفوز فيها بشرف المهنة إلا 10% فقط من المتقدمين.. والمدرس فى مدارسهم هو ملك الفصل فى مدرسته، ولايتدخل فى عمله أحد، ولايتم التفتيش عليه، وهو الذى يختار الطريقة التى سيقوم بالتدريس بها.

أصغر وزيرة

وفى هذه الزيارة التقينا مع "لى أندرسون" أصغر وزيرة تعليم عالى فى العالم ( 32 سنة ) وهى فى نفس الوقت عضوة بالبرلمان الفنلندى، ورئيسة حزب أيضا، وهى حاصلة على بكالوريوس العلوم الاجتماعية، وتتحدث اللغة الفنلندية، والسويدية (اللغة الأم)، الإنجليزية، الروسية لنسألها عن سر هذا النظام التعليمى الذى شد اهتمام العالم فى الفترة الأخيرة وأصبحت محط أنظاره خاصة بعد أن شهدت مصر الأسبوع الماضى لقاء مع خبراء تعليم من فنلندا برئاسة تاريا هالونين رئيسة فنلندا السابقة جاءوا للاطلاع على التجربة المصرية أيضا والبحث عن كيفية الاستفادة من التجربة الفنلندية أيضا فى تطوير العملية التعليمية فى مصر خاصة مع توجه الدولة للاستفادة من التجارب العالمية فى مجال التعليم وكان معها هذا الحوار:

ماهو السر؟

< وكان سؤالى الأول لوزيرة التعليم الفنلندية لى أندرسون عن السر الذى جعل فنلندا من أفضل نظم التعليم فى العالم بشهادة الأمم المتحدة؟

- قالت : لايوجد أسرار مخفية لأن أحد أعمدة نجاح التعليم فى فنلندا بالصورة التى عليها الآن وبهرت العالم كله هو تدريب وتأهيل المدرسين، وأصبحت مهنة المدرس عندنا قيمتها كبيرة جدا فى المجتمع الفنلندى ولانسمح بتعيين أى مدرس فى أى مرحلة تعليمية بدءا من الصف الأول الابتدائى وحتى الصف الثالث الثانوى إلا إذا كان حاصلا على درجة الماجستير، وأن يتم اختياره للتعيين من خلال مسابقة يتقدم لها الكثيرون من الحاصلين على هذه الدرجة العلمية التربوية.. ويتم بعد تطبيق العديد من الاختبارات على المتقدمين اختيار 10% فقط من المتقدمين الذين تنطبق عليهم الشروط المطلوب توافرها من قدرة المدرس على الشرح، ومدى إلمامه الكامل بطبيعة المناهج التى سيدرسها، ومدى تمتعه بالقدرة على استيعاب التلاميذ والطلاب واحتضانهم، ومدى اتزانه النفسى فى مواجهة أى موقف صعب داخل الفصل لأنه سيكون هو المسئول الأول والأخير عما يدرسه، وعن الطلاب أو التلاميذ الذين سيتولى تعليمهم، ولهذا يحوز المدرس عندنا نظرا لقيامه بهذا الدور بنجاح على ثقة المجتمع وتقديره، وثقة إدارة المدرسة، والأهم ثقة ولى الأمر وكذلك الطالب نفسه، ولذلك أصبح المجتمع الفنلندى يحترم هذه المهنة بشكل كبير، وأصبح الإقبال عليها كبيرا، وأنا شخصيا أرى أن من أهم عوامل نجاح التعليم فى فنلندا أيضا هى أن كل المناطق فيها تقدم نفس الخدمة التعليمية فى المراكز والقرى والمدن بنفس المستوى لافرق بين مستوى لمدرسة معينة فى العاصمة الفنلندية هلسنكى ومستوى وتجهيزات مدرسة فى أى قرية فى شمال أو جنوب فنلندا خاصة وأن الدولة هى المسئول الأول والأخير عن توفير فرص التعليم لأبنائها بلا مقابل، وبدون أى تفرقة ، ولذلك هناك مساواة فى التعليم بين الجميع، ولايوجد عندنا مدارس لصفوة المجتمع ومدارس للعامة، ولذلك يثق ولى الأمر فى أن جميع المدارس فى فنلندا تقدم نفس الخدمة فى جميع أنحائها.

لماذا لم تنتشروا؟

< لماذا لم ينتشر هذا النظام المتميز من التعليم عالميا مثلما انتشر غيره من الأنظمة لدول أخرى قامت بالتسويق الجيد لنظامها التعليمى الأقل جودة من نظام التعليم الفنلندى ؟

- هذا سؤال جيد أنا أعتقد أنه ليس من السهل نقل نظام تعليمى معين كما هو ليكون فى دولة أخرى، ولابد أن يكون لكل دولة نظامها التعليمى الخاص بها، فمثلا هناك دول حاولت نقل بعض صفات التعليم الفنلندى، وطبقوا فقط مبدأ المساواة فى التعليم بين الطلاب، ودول أخرى قد تأخذ صفة أخرى يتميز بها التعليم الفنلندى، لكن لم تصل هذه الدول لنتائج جيدة لأنهم أخذوا جزءا وتركوا الباقى، ولابد أن تأخذ التعليم كوحدة متكاملة، ونحن فى فنلندا الآن بدأنا نعمل على تصدير التجربة الفنلندية فى التعليم، للعديد من دول العالم التى سعت إلينا، لأن تطوير التعليم يساعد على تطوير وتنمية الدول بشكل عام.

ونحن الآن لدينا الكثير من المشاريع الدولية لتطوير التعليم فى الدول الأخرى عن طريق تنظيم نقاشات على مستوى العالم فى كيف يتم خلق تعليم جيد، وأنت معك حق فى أنه لايوجد دول كثيرة تطبق المنهج الفنلندى فى التعليم، ولهذا من المفروض بالفعل أن نعمل على زيادة الحوار والمناقشات مع الآخرين فى السياسات التعليمية وكيفية الاستفادة من التجربة الفنلندية، وهذا مافعلنا مع مصر فى الأسبوع الماضى فى ورشة العمل التى حضرها رئيسة الجمهورية الفنلندية السابقة فى القاهرة تحت رعاية السفارة الفنلندية بالقاهرة وكان معها عدد من الممثلين عن جامعة هلسنكى وعدد أيضا من خبراء التعليم الآخرين فى فنلندا.

التعاون مع مصر

< وما نوعية المشاريع التى يمكن أن تتم مع مصر؟

- نحن وجهنا الدعوة لكل من وزير التعليم العالى والبحث العلمى ووزير التربية والتعليم لزيارة فنلندا لكن لم يتم تحديد موعد هذه الزيارة لأى منهما حتى الآن، وهناك تواصل مستمر مع القائمين على العملية التعليمية فى مصر من خلال منسقة العلاقات الدولية بوزارة التعليم الفنلندية.

< وهل لديكم استعداد لدعم أى مشروع فنلندى فى مجال التعليم فى مصر ليكون نموذجا للتعليم الجيد مثلما هو موجود فى فنلندا الآن ؟

- نحن بشكل عام توجهنا للعديد من دول العالم لكى يأتوا إلينا ليشاهدوا على الطبيعة التجربة الفنلندية ويطلعوا عليها، وبحث كيفية الاستفادة من هذه التجربة، ومن بين الدول التى وجهنا لها هذه الدعوة مصر.

مساعدة الآخرين

< وجاء حوارنا الثانى مع جانا بالوجارفى، منسقة العلاقات الدولية بوزارة التعليم العالى الفنلندية لنسألها : هل لفنلندا مشروع تعليمى تنوى تنفيذه فى مصر خلال الفترة القليلة القادمة ؟ ولماذا لاتسوقون تعليمكم الجامعى فى مختلف دول العالم مثلما يفعل الآخرون ؟

- قالت : نحن كوزارة نحاول أن نكون جهة لتسهيل تطبيق التعليم فى الدول الأخرى، ولهذا نتعاون مع الوزارة المعنية فى هذه الدول لخلق اتفاقات معينة ونحن كوزارة نعمل على دفع مؤسسات التعليم الفنلندية لأن تكون دولية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب من بينها: عدد الطلاب، لأن فنلندا دولة صغيرة لايزيد عدد سكانها على 6 ملايين نسمة، وعدد الطلاب بالفصول داخل المدارس أو داخل الجامعات قليل، ولهذا نحن نريد تسويق تعليمنا عالميا لكى يأتى لنا بطلاب يشاركون أبناءنا فى المدارس والجامعات فى نفس مستوى التعليم الذى نقدمه.

أما فيما يخص تسويق التعليم الجامعى الفنلندى عالميا فهذا يدفعنا لضرورة التعاون مع وزارة الخارجية الفنلندية، وقد أبلغتنا الوزارة عندنا أنه لكى نكون دوليين لابد أن نعمل بطريقة مقربة من الوزارات المعنية فى هذه الدول، وهذا مابدأنا نقوم به الآن.

التطوير الصحيح

< وكيف تساهمون فى تطوير نظم تعليمية أخرى فى دول مختلفة؟

- التعليم فى فنلندا تقوم فلسفته على ضرورة إعداد الإنسان منذ طفولته وحتى سن 18 سنة، ولهذا عندما يدخل الجامعة يكون مهيئا لاستكمال دراسته الجامعية على الطريقة الفنلندية، فهل الدول الأخرى يكون الطالب الذى يدرس فيها حتى سن 18 سنة على نظام التعليم الخاص بدولته، وعندما يدخل الجامعة هل سيستطيع مواجهة التحديات التى سيتم مواجهتها فى النظام التعليمى الجديد الذى تم تأسيسه فى فنلندا على شكل معين منذ السنة الأولى الابتدائية، ولهذا نحن نركز فى العلاقات الدولية على كيف نطور التعليم بها عن طريق النقاشات المشتركة خاصة فيما يخص تدريب المدرسين باعتباره حجر الزاوية، وحتى نطور من نظام تعليمى معين هناك التركيز على " الكم " ، وآخرون يركزون على " النوعية " ، وفى مصر على سبيل المثال هناك تركيز على الكمية أكثر من النوعية، وهذا تحد بالنسبة لنا كدولة صغيرة، ومقارنة بمصر لابد أن نعمل مع بعض، فنحن لانعطى دروسا لأحد، بل لابد أن نتعاون للبحث عن طريقة نتفق على تنفيذها للنهوض بالمستوى التعليمى فى مصر أو فى أى دولة أخرى تريد الاستفادة من التجربة الفنلندية، ويكون من أهم هذه الأمور هو: كيف ندرب المدرسين ؟ وهل لابد لكى يتم تطوير التعليم فى أى دولة أخرى لابد أن يكون لديهم مدرسون حاصلون على الماجستير مثلما هو عندنا ؟

لهذا نقول انه لايصح أن يتم تطوير التعليم فى أى دولة بطريقة " القص واللزق " ولايمكن تطبيق نظام ناجح فى دولة ما بنفس تفاصيله وأدواته فى دولة أخرى فنحن هنا على سبيل المثال المدرس فى فنلندا يدرس فى كليات التربية لمدة 6 سنوات حتى يكون مؤهلا للقيام بعملية التدريس يحصل فيها على المؤهل الجامعى ثم الماجستير فهل لابد من تطبيق ذلك فى مصر لكى تنجح تجربة تطوير التعليم؟ ؟ وكيف يتم ذلك ؟ أم أن هناك طريقة أخرى يمكن أن تصل بها لتحقيق نفس الهدف بمدرس متدرب تدريبا جيدا لكى يكون هو عصب نجاح العملية التعليمية ؟

مديرة جامعة تامبرى

وتتفق د.كاريتا بروكى مدير جامعة تامبرى الفنلندية وهى من أشهر الجامعات الفنلندية التى تربط مابين الدراسة والتطبيق العملى وتبنى علاقة قوية بينها وبين الشركات المختلفة بفنلندا تتفق مع كل ماذكرته وزيرة التعليم العالى الفنلندية " لى أندرسون " وماذكرته «جانا بالوجارفى»، منسقة العلاقات الدولية بوزارة التعليم العالى بالوزارة عن الأسباب التى جعلت نظام التعليم فى فنلندا من أفضل نظم العالم على الإطلاق بسبب الاهتمام بتدريب المدرسين والاهتمام بأن يكون كل واحد منهم حاصلا على درجة الماجستير قبل أن يبدأ التدريس فى أى مدرسة، وأن يجتاز اختبارات القبول التى تعدها الوزارة فى هذا الشأن، وكذلك الحرية الأكاديمية للمدرس فى التدريس بالطريقة التى يراها هو، وأشارت إلى نجاح التجارب الفنلندية فى هذا الشأن مع العديد من الدول التى طلبت الاستعانة بفنلندا لنقل أفضل ماعندها فى تجربتها الفريدة وأشارت إلى البرازيل على سبيل المثال، وتضيف أنها تود أن تكون مصر وبالتحديد مدينة الإسكندرية مركزا للتعليم الفنلندى الذى سينطلق منها إلى أى مكان آخر فى مصر، لكن نحتاج للمساعدة من أصحاب القرار فى وزارة التعليم العالى المصرية والفنلندية أيضا ليتم تسهيل الوصول إلى ذلك بشكل أسرع وأفضل لأن هناك دولا تأتى إلينا طلبا لتطبيق التجربة الفنلندية لديها لكنهم لايريدون التغيير بشكل جدى، ونحن نساعد بعض الدول فى معرفتهم بالنظام الفنلندى فى التعليم وهم يختارون مايناسب مجتمعهم ويبدأون هم فى التغيير.. وأشارت إلى أننا فى جامعة تامبرى كل من يتم تعيينه عندنا من أعضاء هيئة التدريس لابد أن يكون حاصلا على الماجستير على الأقل ولديه ثلاث سنوات خبرة بالإضافة إلى سنة دراسية فى كيفية التدريس وأفضل طرقه للطلاب داخل الجامعة.

ليس لدينا تعليم خاص

< قلت: ولماذا لايوجد عندكم فى فنلندا تعليم خاص سواء فى مراحل التعليم العام أو الجامعى ؟

- قالت د.كاريتا بروكى : السبب الوحيد فى ذلك هو أننا نؤمن بالمساواة بين الناس وأن كل المواطنين لابد أن يحصلوا على نفس التعليم، ولو تواجدت مدارس أو جامعات خاصة فهذا معناه أننا نسمح بالطبقية والفوارق بين الناس ونحن فى فنلندا لانريد أن يتحول التعليم إلى تجارة مثلما يفعل الآخرون لأن مفتاح النجاح فى أى دولة أن تهتم بتدريب مدرسيها من بداية حياتهم وحتى تخرجهم، ولو تواجد لدى أى دولة المعلم المتميز من البداية سيكون عندنا: الطبيب المتميز والمهندس المتميز، والصيدلى المتميز، والمحاسب المتميز.. وهكذا.