«التنمر» آفة تهدد أبناءنا.. وخبراء: الأسرة والمدرسة المتهم الأول

«التنمر» آفة تهدد أبناءنا - تعبيرية
«التنمر» آفة تهدد أبناءنا - تعبيرية

◄ يوسف ينعته أصدقاؤه بـ«المتخلف ».. و«نور» المعلم سبب عزلته

◄ غياب التوعية سبب انتشار الظاهرة

«الواد المتخلف قاعد هناك اهوه» عبارة امتزجت معها ضحكات ساخرة متعالية من زملاء يوسف فى المدرسة خلال وقت الاستراحة بين الحصص المدرسية يصاحبها اشارات اليه تثير غضبه وخوفه فى آن واحد، لا يدرك كيفية الدفاع عن نفسه أو حتى المواجهة لهؤلاء المستهزئين به، يتخذ من احدى زوايا ساحة المدرسة ركنًا يحاول الاختباء فيه من نظراتهم التى تلتهمه وتنقض عليه بوحشية تنهش فى قلبه.


مادة مشتعلة
الصغير الذى لا يحتمل كل تلك الكلمات المهينة المنهالة عليه كالرصاص، يبكى فتتحول دموعه إلى مادة مشتعلة يستغلها الأطفال المتنمرون عليه ويفجرون داخله بركانا من الانهيار دون تدخل من أى مشرف بالمدرسة.


تروى هذه المعاناة والدة الطفل يوسف عبد التواب، البالغ من العمر سبع سنوات، ويعانى من اضطراب «التوحد» فتقول إنه منذ دخوله المدرسة قررت التحويل من أكثر من مدرسة بسبب التنمر الذى يتعرض له كما انها تتصدى للعديد من محاولات ترهيبه من الأطفال حوله حتى ان المعلمين فى المدرسة احيانًا يسيئون التعامل معه دون دراية منهم ويعنفونه على ما لا يملكه.


«مرة اتخانقت مع مدرس بيزعقله وبيقوله استرجل كدة شوية واتكلم مالك ؟!» وحينها تصيدت له وقدمت شكوى لمديرة المدرسة والتى قامت بالفور بتحويله للتحقيق ونقله من الفصل إلى آخر والاستعانة بمعلم بديل مؤكدة أن هناك عدم وعى باضطراب التوحد، فهو ليس مرضا وكذلك لا يعد إعاقة فهو إضطراب سلوكى يجعل الطفل لا يتجاوب بشكل جيد مع العالم والأشياء حوله، ويكون غالبا لديه موهبة استثنائية تجعله مميزا عمن حوله، بعضهم يجيد التعامل مع العمليات الحسابية والبعض يجيد الرسم والتلوين والعزف فهم حالات استثنائية بشرط أن يتم رعايتهم والاهتمام بهم جيدًا وتنمية مهاراتهم من خلال التدريب.


وتضيف والدة يوسف أن الأطفال لا يدركون أيضًا ما يفعلون بزميلهم احيانًا ينعتونه بـ «المتخلف» واحيانًا يسبونه او يضربونه ظنًا منهم انه لا يحبهم او لا يريد اللعب معهم، وهذا غير حقيقى ويجب على اولياء الأمور التنبيه على ابنائهم وتعنيفهم فى حين صدر منهم اى موقف يهين فيه اى زميل له خاصة اذا كان من ذوى الاحتياجات الخاصة.


معلم الظل
أحمد مصطفى، هو معلم ظل يرافق الطفل نور بإحدى مدارس مصر الجديدة، يستيقظ يوميًا منذ الساعة السادسة، صباحًا يذهب إلى منزل الطفل بنفس منطقة المدرسة ليستعد لمرافقته فى المدرسة فهو الذى يحضر معه كل الحصص الدراسية يعلم ما عليه من الواجبات وكذلك يحرص على تناوله الوجبة المدرسية ودخوله دورة المياه وحمايته من اى محاولة للتنمر او الاعتداء عليه لفظيًا او جسديًا من أى شخص.


«انا بلاقى المدرسين ساعات يعاملونه بشفقة غريبة او يعفونه من اى عمل يخليه يندمج مع الاطفال فى سنه وده غلط» هكذا تحدث معلم الظل المرافق للطفل النور وهو فى الصف الأول الاعدادى باحدى المدارس التجريبية، حيث يرى أنه رغم أن المدرسة تعمل بنظام الدمج الا ان المعلمين لا يشركونه فى الانشطة او الأعمال المدرسية ففى احدى المرات كان هناك حصة للألعاب بحيث يصطف الطلاب فى طابور، ويقومون بعمل بعض التمارين الرياضية «فوجئت بالمدرس بيقوله لا اقعد انت يا نور عشان انت تعبان مينفعش والولد كان مبسوط وعايز يشارك» مشيرًا إلى ان الطفل من المصابين باضطراب السلوك هو ليس معاقا ذهنيا او جسديا ويمكنه المشاركة فى مثل تلك التمرينات وعدم حرمانه منها خاصة ان نور حالته ليست بهذا السوء الذى يمنعه من ممارسة بعض التمارين البسيطة وبالفعل اخبر المعلم انه يجب ان يتعامل معه على هذا الاساس وبالفعل شارك فى التمارين وعاد لمنزله سعيدًا بممارسته لتلك الألعاب مع زملائه.


وأضاف أحمد أن نور متفوق فى الرسم وكذلك فى تكوين الأشكال والأجسام من حوله مستخدمًا الصلصال وأنه يعمل معه على تنمية مهارته فى هذا الجزء وأنه يهرب احيانا من مواقف التنمر باللعب بالصلصال والتلوين والرسم، «احيانا بلاقى زمايله بيتكلموا بينهم وبين بعض عليه بقعد اتكلم معاهم وافهمهم انه زى اخوهم الصغير ولازم يتعاملوا معاه على الأساس ده وانهم يحموه لو حد من فصل تانى جه يضايقه وفعلا نجحت ف انه يتعامل معاهم وبيصاحبوه وبيشاركوه فى ادواتهم المدرسية والوجبات بتاعتهم بياكلوها سوىا».


فقدان الشهية لتناول الطعام تصبح مشكلة فى هذه السن بحسب تأكيد أحمد مصطفى، حيث يلجأ بعض الاطفال إلى سرقة الطعام الخاص بنور كنوع من الدعابة او المرح ويأكلونه بدلا منه، لكن مع الوقت ومحاولة الاعتماد على مأكولات يفضل طعمها وكذلك فواتح شهية اصبح يتناول وجباته خاصة بعد مصادقة بعض الزملاء له وتعاطفهم معه.


اسراء جمال ترفع شعار «بالحنية والصبر تقدر تغير» فهى فتاة عشرينية تعمل كـمعلمة ظل «شادو تيتشر» منذ اربعة أعوام، حيث أنها تخرجت من كلية الآداب قسم علم الاجتماع واهتمت بالقراءة فى العلوم النفسية والاجتماعية وحصلت على عدد من الدورات التدريبية للتعامل مع الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة او عدم القدرة على النطق او الكتابة وكذلك مصابى التوحد ومتلازمة داون، وكانت تعمل على تأهيل نفسها على تحسين السلوك ومهارات التخاطب كى تحسن من سلوكيات بعض الاطفال المصابين باضطراب السلوك.


معاناة شديدة
تقول إسراء أنها عملت مع العديد من الاطفال على مدار شهور وبعضهم على مدار عام او عامين، عانت خلالهم من خلال معاناة الأطفال فكانت الكلمات التى ينعتون بها من قبل المحيطين بهم تصبح كالسهام فى قلبها، فالبعض لا يعلم مدى تأثير كلماته وايماءاته ووقعها على نفوس هؤلاء الصغار، فقد تعرض احد الاطفال التى كانت تعتنى بهم- مصاب بمتلازمة داون- فى المدرسة للتنمر من قبل بعض الزملاء الذين اتفقوا عليه وقاموا برش المياه على جسده وابتلت ملابسه بأكملها واصيب بنزلة انفلوانزا حادة حتى هى لم تكن قادرة على منع الأطفال من فعل ذلك ففى اقل من جزء من الثانية وخلال حديثها مع احد معلمى الطفل المسؤولة عنه قاموا بفعل ذلك.


اعتذرت بالطبع إلى ولى امر الطفل وعزمت على عدم تكرار ذلك وبالفعل فى اليوم التالى استطاعت الإمساك بفاعل هذا السلوك وتحدثت معه وشرحت له حالة الطفل المرافقة له «دايما بلعب على فكرة ان الطفل ده مسؤول منك وانت راجل ومتعملش كدة.. الطفل بيلاقى نفسه وبيحس انه كبير وبيتغير تصرفه وطبعا بتكلم مع ولى امر الطفل الغلطان عشان ينصحه ولو مبطلش يتعاقب».


غياب التوعية
وفى الوقت نفسه أكد الخبراء خطورة استمرار هذه الظاهرة على المجتمع وضرورة التصدى لها من خلال التوعية بها، خاصة وأنها مسئولية متعددة الأطراف وتقع على عاتق المجتمع بأكمله.


ففى البداية يؤكد د. اشرف مرعي، امين عام المجلس القومى لشئون الإعاقة، أن المجلس قام بتقديم عدد من الطلبات والمذكرات من اجل تحسين وضع مدارس الدمج، وتوفير معلمين متخصصين والاعتناء بشكل اكبر بهم واكد انهم على قوائم اعتناء المجلس ويهتم بهذا الملف بشكل كبير.


ويقول الدكتور كمال مغيث الخبير التربوى أن التنمر ظاهرة منطقية فى ظل الظروف التى تعيشها المدارس فى السنوات الأخيرة، ولا يقتصر الأمر على مجال الدراسة فقط بل أنه متواجد على نطاق العمل أيضا، فغياب دور التوعية داخل الاسرة والمدرسة هو المتهم الاول فى الوصول إلى ما أصبحنا عليه الان.


فالمدارس ما هى الا انعكاس مصغر من الشارع والمجتمع،وأصبح لبعض الطلبة مكان لتسلية أو التنمر على أصدقائهم،خاصة فى ظل اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية وغياب دور المدرس واختفاء القدوة لدى الطلاب.


ويكمن حل هذه الظاهرة فى رجوع الدور الفعال للمدارس،بالاهتمام بالمدرس وحقوقه، وارجاع قيمة المدرس لدى الطلاب بعد غيابها فى السنوات الأخيرة.


واشار الى ان الاهتمام بالدور التربوى لا يقل أهمية عن الدور التعليمي، حيث انه من الضرورى استرجاع الأنشطة الطلابية لمساعدة الطلاب فى عودة روح الانتماء للمدرسة مرة أخرى، وضرورة تقييم الطلاب طول الفترة الدراسية ليس من الناحية التعليمية فقط بل والتربوية والجسدية، مشيرا إلى ضرورة أن يكون للمدرسة دورها فى تعليم واكساب الطلاب القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة لبناء جيل سليم من كافة النواحى، ويؤكد على ضرورة ارجاع لغة الحوار بين الطلاب والأباء مما يساعد الطلاب الذين يتعرضون لهذه الظاهرة على ارجاع ثقتهم بأنفسهم،والتنسيق بين الآباء والمدارس لمتابعة حالة ابنائهم النفسية.


الأسرة والمدرسة
ومن جانبها أوضحت د. آمنة نصير عميد كلية الدراسات الانسانية سابقا بفرع جامعة الأزهر بالاسكندرية، ان ظاهرة التنمر السبب الرئيسى فى انتشارها هو غياب دور الأسرة فى تقويم سلوك ابنائها وعلى الأسرة تعليم أبنائها على احترام زملائهم والاستناد إلى الدين فى التعامل مع زملاء الدراسة او العمل ، حيث ان ارساء تعاليم الدين فى تعاملاتنا اليومية يحث دائما على التسامح وجبر الخواطر وهو ما يلقى بظلال السلام النفسى على التعامل بين الزملاء فى المكان الواحد.


واكدت ان تكامل دور الاسرة مع المدرسة والمعلمين سيحقق افضل النتائج والوصول بالطلبة والطالبات إلى التعامل بشكل سليم خال من التنمر والمضايقات التى قد تحدث صراعات نفسية وسلوكية تؤثر على المجتمع ككل.


المحبة والتسامح
أكد الأنبا بولس عويضة استاذ القانون وراعى كنيسة الزهراء ، أن التنمر أمر مرفوض لأنه يفرق بين إنسان وآخر وكلنا من صنع يد الله،فالتنمر أمر مرفوض والأديان جميعها تحث على المحبة والتسامح وقبول الآخرين،وأشار الأنبا بولس إلى أن التنمر دليل على العنصرية التى ينبذها المجتمع فكلنا خلقنا من أب واحد وأم واحدة وأضاف أن الأسرة لها دور أساسى فى التغلب على هذه الظاهرة يمكن أن يكون التنمر بين الزوج والزوجة مما ينعكس بالتالى على الأبناء،فالأسرة هى الأساس الطيب التى تخرج لنا جيلا طيبا ثم يأتى دور المدرسة ليتكامل مع دور الأسرة لمقاومة هذه الظاهرة فيجب على المدرسة استرجاع القيم والمحبة لدى الطلاب واهتمام المدرسة بالحصص الدينية لتنمية الأخلاق الحميدة والقيم لدى الطلاب وتعلمهم أن أكرمهم عند الله اتقاهم.


عمل منفرد
ويعلق د. عصام حسن، المتخصص فى مشكلات النطق والتخاطب وتعديل السلوك، قائلًا: ان الاضطرابات تصيب الذكور اكثر من الإناث بمعدل ثلاثة اضعاف وان الوضع فى البلاد الأوروبية وأمريكا متقدم كثيرًا مقارنة بمصر فيوجد ما يسمى فريق عمل يعمل على حالات الاضطراب، مكون من طبيب مخ واعصاب وطبيب نفسى وآخرين متخصصين فى التخاطب والسمعيات كل يعمل على تطوير تخصصه، اما فى مصر لا يوجد الا عمل منفرد وهو ما نطالب به بالإضافة إلى مدارس بها مؤهلون بأعداد قليلة ومصاريف مدعمة لرعايتهم وتنمية مهاراتهم وعقد مسابقات لتشجيعهم وتشجيع أبائهم على مواصلة الطريق.