يوميات الأخبار

سيما مصر.. مش «أونطة»

رفعت رشاد
رفعت رشاد

تمتع المواطن المصرى بعد ثورة يوليو 1952 بلقب «السيد» بعدما ألغت الثورة الألقاب مثل الباشا والبك، لكن سرعان ما عاد الباشوات والبكوات وتكاثروا كما الجراد وضاع «السيد المواطن».

سينما مصر
لا أتحمس كثيرا لحضور العروض الفنية التى تتسم حفلاتها بزحام، لكنى حضرت العرض الذى يخرجه خالد جلال بمسرح الإبداع بعنوان «سينما مصر» بتشجيع من صديقى الكاتب الصحفى والمسرحى عاطف النمر الذى كان له الحق فى حماسه للعرض وللمخرج. العرض عنوانه «سينما مصر». اختار المخرج بذكاء مشهدا من فيلم «الليلة الأخيرة» الذى أنتج عام 1963 بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر ومحمود مرسى والمقتبس عن رواية للكاتبة الأمريكية مارجريت لين وكتب السيناريو والحوار يوسف السباعى وأخرجه كمال الشيخ. المشهد الذى اختاره المخرج يجسد معنى الفيلم، ليس لدى الكاتبة فحسب ولكن لنا كمصريين. المشهد عن «نادية» البطلة التى تستيقظ لتجد أنه مضى على غيبوبتها سنوات طويلة ووجدت أن عالمها القديم لم يعد كما كان وأن المحيطين بها يستغلونها بعدما ظلوا جاثمين على صدرها زمنا طويلا. استفاد خالد جلال الذى يدرب الراغبين فى ممارسة التمثيل الاستفادة من المساحة العريضة للمشهد لكى تصل فكرته من خلال سكتشات تمثيلية قام بها فريقه لعدد من مشاهد الأفلام المصرية، لم يستطع بالطبع تغطية تاريخ السينما المصرية الحافل لكنه اختار نماذج جسدت تأثير هذا الفن الجامع كما أعادت تمثيل شخصيات ممثلين كبار لهم أثر كبير فى تاريخ هذا الفن.
اختار خالد جلال أن يكون عرضه عن السينما رغم أن العرض مسرحى! لم يختر مسرحيات أو أعمالا درامية تليفزيونية، لكنه اختار السينما، وأعتقد أنه رغم المقولة المشهورة بأن المسرح أبو الفنون، إلا أننى أرى أن السينما تجاوزت هذه المقولة بإمكانياتها اللا محدودة خاصة مع وجود التقدم التكنولوجى الهائل الذى يوظف لخدمة العمال السينمائية. بل كانت السينما منذ البداية ذات تأثير لمن أدرك ذلك، فليس الأمر مجرد متعة لمشاهدة المناظر المتحركة كما كان يطلق عليها، لكن السينما أرقى مجالات الإعلام وأكثرها تأثيرا. قال الزعيم السوفيتى لينين : « السينما أكثر الفنون أهمية « واستفادت الثورة الشيوعية بعد نجاحها من السينما فأنتجت الأفلام التى صارت من علامات الفن السابع ومنها فيلم « المدمرة بوتمكين» الذى يعد أهم إنتاج للثورة الشيوعية والذى زاد من حماس الشعب السوفيتى للثورة ولقائده لينين.
جمعت السينما كل الفنون وصارت وسيلة التعبير الأقوى والأمتع، وربما لو وجدت فى زمن مايكل أنجلو أو تولستوى أو بلزاك لاعتنقوا السينما واتخذوها وسيلتهم للتعبير بديلا عن الرسم أو الأدب، ففى السينما التدفق الفعال للعالم وللفكر وللعلم، فيها يجتمع الماضى والحاضر والمستقبل، ويجتمع المكان والزمان، وتجتمع الألوان والأصوات، كلها ممزوجة فى وحدة واحدة، بل وصفت بأنها الترجمة الصحيحة لصيحة الكورس فى مسرحية هنرى الخامس لشكسبير «مرحى بآلهة النار التى يمكنها أن تصعد إلى أسطع سماوات الإبداع».
المشخصاتية
أدرك خالد جلال أن السينما هى ضمير مصر المعاصر، تاريخها الناعم الممتع، تاريخ يضع مصر فى هذا المجال فى المقدمة بين جيرانها وأشقائها وثقافتها العربية، كما أنه كقائد لمدرسة تدريبية للممثلين يدرك أهمية استمرار جريان الماء فى جدول الإبداع التمثيلى وإلا فقدنا مصدر التغذية لفن السينما، ولو انقطع تواصل الأجيال فى هذا الفن لفقدنا ميزة التراكم الممتع فى السينما المصرية. استطاع خالد جلال أن يغذى السينما والمسرح والدراما التليفزيونية بمشخصاتية على مستوى متميز من الفهم بعدما درسوا وتدربوا وانتشروا فى أعمال تمثيلية عديدة. يتعامل جلال بفهم لعمله وهو مدرك لنظرية ستانسلافسكى بأن يجعل ممثليه يدرسون أعماق الحياة الداخلية للشخصيات التى يمثلونها حيث لا يدرك الممثل الشخصية بعقله فحسب لكن يحسها بكامل جسمه ويحذر من التمثيل الآلى الذى يلجأ إليه من يسعون وراء إرضاء الجمهور، يهتم جلال بالوصول إلى القوى الداخلية والحالة الإبداعية التى تنعكس على الشكل الخارجى.
إن ما يقدمه العرض يؤكد أن علينا أن نحسن الاستفادة من السينما فى تعويض كل قوانا الناعمة ـ تلك الكلمة التى يرددها كثيرون بدون إدراك حقيقى لمعناها ـ وحتى لو كان إنتاج الأفلام مكلفا من الناحية الاقتصادية فإن لدينا سوقا كبيرة تمتد لتصل إلى 400 مليون مواطن يتكلمون العربية، ولو كانت الأفلام جيدة لسارع الملايين لمشاهدتها. العرض يؤكد أننا إذا كنا قد افتقدنا العديد من مقومات الحضارة القديمة فإننا نملك أدوات حضارتنا الحديثة بوجود سينما ممتعة هى الأقدم فى منطقتنا العربية. ولا أغفل الرسالة التى تلقاها الجمهور فى نهاية العرض عن مصر التى ستعيش خالدة رغم كل ما مر بها ويمر من صعاب وما يحيط بها من عداوات.
مدرسة السينما والتليفزيون
بمناسبة الحديث عن السينما، علمت مؤخرا عن وجود ما يسمى المدرسة العربية للسينما والتليفزيون وهى مدرسة أسستها الدكتورة منى الصبان أستاذة المونتاج بمعهد السينما. أنشئت المدرسة على الشبكة الدولية ـ الإنترنت ـ منذ 16 عاما! تحمست الدكتورة منى لإنشاء المدرسة ووافق فاروق حسنى وزير الثقافة آنذاك على تمويلها وألحقها بصندوق التنمية الثقافية. تصفحت موقع المدرسة الإلكترونى فوجدت جهدا رائعا لتوفير ثقافة سينمائية شاملة فى كل مجالات فن السينما كما أن بالموقع مناهج الدراسة والمراجع وساهمت د.فريدة مرعى بعمل ببليوجرافيا للنشاط السينمائى حتى عام 2000 لكنها توقفت بعدما توقف التمويل. استطاعت المدرسة أن تجذب عشرات الآلاف من محبى السينما لكى يستمتعوا بالمعرفة أو يدرسوا هذا الفن حيث يمكنهم أن يخضعوا لامتحان إلكترونى وبناء على الامتحان يتم منحهم شهادة تتيح لهم ممارسة النشاط السينمائى فى أى من مجالاته.
الدراسة بهذه المدرسة مجانية كما أن طريقة التعليم نظرية وتطبيقية، ورغم نجاح التجربة وضآلة التكاليف إلا أن هناك من يفكر فى إنشاء معاهد للسينما فى المحافظات ! وإقامة مبان تتكلف الملايين وتجهيزها بملايين أخرى بينما سيكون العائد غير مجد. البعض لا يعلم أن التعليم باستخدام الكمبيوتر هو المستقبل وأن الشكل التقليدى للتعلم ليس المناسب للعصر الذى نعيشه، كما أن هذه الطريقة للتعليم أقل تكلفة للجميع ولا تحتاج الكثير من الاعتمادات المالية، لذلك على وزارة الثقافة أن تنشر الفكرة لكى توفر على الدولة الكثير من الأموال وفى نفس الوقت توفر الكوادر الموهوبة للعمل فى السينما.
يبحث الشباب فى المحافظات البعيدة عن فرصة لدراسة الفنون لكنهم يواجهون صعوبات مالية وتعليمية ووجود نماذج لمدرسة السينما يوفر الجهد والمال لهؤلاء المتطلعين. وبعيدا عن هذه المدرسة، يتم استغلال الراغبين فى دراسة الفنون من خلال ما يسمى بورش المجالات الفنية التى يلتحق بها الشباب مقابل آلاف الجنيهات. أطالب وزارة الثقافة أن تدعم الفكرة وأن تعمل على نشر طريقة التدريس فى محالات أخرى لتحقيق الفائدة للجميع.
السيد المواطن
الإعلامى والكاتب فايز فرح نموذج للإنسان المثابر المتمسك بأن يقول كلمته رغم أى ظروف خاصة به. هو محب للحياة، وبين الحين والآخر يصدر كتابا رشيق الكلمات جزل العبارات عن طريقته فى حبه للحياة. مؤخرا صدر له « الإنسان هو الحب « يتضمن موضوعات عن الحب، المرأة، الزواج، التسامح، الإنسانية، الدين، القلق، أم كلثوم، كما يتضمن موضوعا عن « السيد المواطن المصرى «، يتناول الكاتب تحت هذا العنوان مسألة تراجع قيمة المواطن حتى من الناحية المعنوية، يذكرنا فايز بأن المواطن فى وطنه (سيد) وأن هذا الوصف يجب أن يعامل به المواطن فى كل مكان خاصة الأماكن والمصالح الرسمية الحكومية التى عليها أن ترسخ مبادئ معينة لدى الشعب ومنها مبدأ أن المواطن هو «السيد» وهو لقب لصيق بالمواطن يدعى به فى كل وقت سواء كان ذلك وديا أو رسميا، ولم يتطرق فايز لما يدعو به رجال الشرطة المواطنين «روح أمك»! ينبهنا فايز لقضية مهمة هى قضية احترام المواطن والتى تراجعت كثيرا ويشير إلى أن التعامل بين الرؤساء والمرءوسين هبط فى مستواه ولم يعد الرئيس يخاطب المرءوس بالأستاذ فلان بل كثيرا ما يتجاوز فى مخاطبته باستخدام كلمات يعاقب على استخدامها القانون. يحكى فايز عن زميله الذى سبقه بدرجة فى الوظيفة وصار مديرا عاما وقد روى أحدهما نكتة فضحكا معا وبتلقائية مد فايز يده للسلام كما هى العادة بعد الضحك على النكتة لكن زميله المدير سارع بسحب يده بعدما أدرك أن المدير لا يصح له أن يشارك فى سماع النكات أو مصافحة زملائه بعد أن يضحكوا عليها.
تمتع المواطن المصرى بعد ثورة يوليو 1952 بلقب «السيد» بعدما ألغت الثورة الألقاب مثل الباشا والبك، لكن سرعان ما عاد الباشوات والبكوات وتكاثروا كما الجراد وضاع السيد المواطن.
المستقيم والمعوج
يتعجب المواطن الذى يتبع الطريق المستقيم فى حياته من عجائب القرارات الحكومية، فالمواطن المستقيم أو الدوغرى كما نسميه بالعامية يلتزم حسب طبيعة شخصيته باتباع القوانين والقرارات الرسمية واحترامها ويحرص على عدم ارتكاب مخالفة، لكن هذا الدوغرى يجد أنه يفقد الكثير من المزايا التى ينالها المواطن المعوج الذى هو بطبعه مخالف للقوانين والقرارات ويستمتع كثيرا بالحصول على المزايا بطرق ملتوية. أروى لكم قصة صديق له منزل بالتجمعات وهو رجل من النوع الدوغرى. وجد أن جيرانه كسروا القواعد وخالفوا النظام وبنوا طابقا زائدا أعلى منازلهم فدهش لأن البناء المخالف فى هذه المنطقة ممنوع، لكن هذا المواطن الدوغرى فوجئ بأن السلطات تقبلت المخالفات بسلاسة كما أقرت بما تم بناؤه وقننته مقابل سداد غرامات مالية من المواطنين اللى مش دوغرى! وانتهى الأمر بانبساط الجميع رغم التشوهات التى حدثت وخرق القواعد.. إلخ. الرجل الدوغرى ضرب كفا بكف مندهشا.. لأنه اكتشف أن الاعوجاج هو الأساس. ذهب المواطن الدوغرى للمسئولين فى محاولة للحصول على موافقة لبناء طابق لأولاده مؤكدا أنه سيسدد الغرامة، لكن ابتسامة صفراء واجهته من الموظفين تعبر عن خيبة أملهم فى هذا الشخص الذى لا يفهم مفتاح الحياة، مؤكدين له أن بناء طابق فى منزله ممنوع وإلا سيتم إزالته! لقد ضاعت الفرصة وكان عليك أن تخالف فنحن نتصالح مع المخالفين لكنك لم تخالف، وعليك أن تنتظر فرصة أخرى للمخالفة تبنى خلالها طابقا وساعتها سوف نتصالح معك.