بسم الله

العمل الأهلى «1»

د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا

قضيت مايزيد على ربع قرن فى العمل الأهلى ، متابعا لنشاطاته ومشاركا فيها، ورئيسا لتحرير أكثر من مجلة تصدرها الاتحادات والجمعيات الأهلية ، والعمل الأهلى فى أصله عمل تطوعى ، وقد عرفته مصر منتصف القرن الثامن عشر من خلال الجمعيات الخيرية القبطية والإسلامية ، ولم يكن له طابع دينى ولا سياسى ، حتى جاء الأبالسة ليستخدموه فى الأعمال الإجرامية والسياسية ، والدينية ، والحزبية ، فكان لابد من تشريع ينظم العمل الأهلى ويوجه مساره إلى خدمة المواطن والمجتمع ، ومشاركة الدولة فى استراتيجيتها للتنمية.
قرأت بحثا متعمقا للدكتور أيمن عبد الوهاب المتخصص فى شئون المجتمع المدنى ، يحلل فيه واقع الجمعيات الأهلية من حيث القيم والأدوار والمسئوليات ، ويضع يده على محدودية نشاطاتها، ومحدودية الأفق الداعمة لتجاوز الكثير من الرؤى المتعلقة بالأنماط التقليدية لدور الجمعيات الأهلية ومجالات عملها باعتبارها أداة من أدوات الدولة وليس شريكا فاعلا فى عملية التنمية. ويحدد الفترة الزمنية لدراسته بأربع سنوات (2011 - 2014) ، والتى شهدت انكماشا للمجال المدنى لصالح المجال السياسى. ورصد الباحث التطور الكمى لأعداد الجمعيات، حيث بلغ عددها 47٫580 جمعية وفقًا لإحصائيات 2017، فى حين كانت 30214 جمعية فى عام 2010، أى بزيادة تتجاوز الـ 50%، وقد تركزت غالبيتها فى مجالات العمل الخيرى والرعائى والمساعدات الاجتماعية، وهو ما يؤكد استمرار نفس الفلسفة الحاكمة للعمل الأهلى ، وعدم القدرة على إحداث تطور نوعى باتجاه العمل التنموى والتمكينى لبناء مجتمع مدنى قوي، يتجاوز حالة الهشاشة والضعف التى أبرزتها المرحلة الانتقالية.
ويستدل الباحث على ذلك بعدم قدرة مؤسسات المجتمع المدنى على مواجهة الكثير من سلبيات المرحلة الانتقالية ، التى ما تزال تداعياتها قائمة حتى الآن، لاسيما تلك المرتبطة بالاستقطاب السياسى والاجتماعي، والمظاهر السلبية التى فرضت إيقاعها على الكثير من التفاعلات المجتمعية مثل العنف والتطرف والتمييز، بل إن بعض مكونات المجتمع المدنى كانت سببًا وآلية فى تنامى هذه المظاهر، وبالتالى بدت أنها جزء من الصراع السياسى والاجتماعي، وليس جزءًا من الحل عبر إدارة التنافس والصراعات المجتمعية من خلال أطر سلمية داعمة لقبول التنوع والاختلاف. وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية. دعاء : ياحى ياقيوم برحمتك أستغيث.