«كلاكيت تاني مرة».. ناقوس الخطر انطلق مع «ليالي الجونة» 

كلاكيت تاني مرة ناقوس الخطر انطلق مع ليالي الجونة 
كلاكيت تاني مرة ناقوس الخطر انطلق مع ليالي الجونة 

لا يخفى على المتابع للحالة الفنية بمصر، أن هناك انتعاشة كبيرة سادت الوسط الفني، وانزواء حالة الشتات التي بدت في دنيا الفنون سواء على المستوى السينمائي أو التليفزيوني في السنوات الأخيرة، خاصة بعد ثورة يناير 2011. 


وهو أمر محمود ذلك أن النوعية التى كانت تعرض على المشاهد، باتت مختلفة من حيث النوع والمضمون فضلا عن أن القضايا التى يتم طرحها بالأعمال الفنية أصبحت أكثر جرأة، وإن كانت مباشرة في التناول والعرض.

 

ولا ننكر على جيل الشباب حنكته فى الإخراج وإدارة الكاميرا واختيار زوايا التصوير وكل ما يتصل بالصورة، وساهم في انطلاق وتعزيز الخبرة الفنية في الصورة الإبهار التكنولوجي الذي اجتاح العالم، وإن كان ينقصة أمرا في غاية من الأهمية، الأول هو عماد العمل الفني الجيد وهو الورق أو السيناريو، الذي يركن عليه المخرج، فيقدم إبداعاته وتتجلى رؤيته عبر الصورة والتناول الذي يقدم به أفكاره للجمهور، وما ساد في كثير من الأعمال موضوعات في غاية من الركاكة والسطحية والمباشرة، فضلا عن التأثر بالأعمال والأفكار الغربية البعيدة عن بيئتنا والتي لا تعكس واقعنا المصري أو العربي الذي تعتمد عليه الدراما.

 

 فالفن مرآة عاكسة للمجتمع، فانتشرت أعمال تعكس صور العنف وجلسات البانجو أو اغتصاب امراة،  وتلك موضوعات لا ننكر وجودها في أي مجتمع، ولكن ما جاء بتلك النوعية الصادمة من الأعمال ضخمت تلك القضايا بأسلوب غير مدرك للحقائق، فخرجت في صورة فجة مباشرة خالية من المضمون الفني الذي من شأنه أن يصور بشاعة تلك الجرائم ويعكس على المتلقي فداحة مثل هذه الأفعال فيرفضها.


وهذا جانب من رسالة الفن المتعددة التى ترتقي بالذوق العام وتدفع النفس للتطهر، ولكن النظرة التجارية فرضت على صانعي الصورة تجميل الخطأ وتشجيع المتلقي لخوض التجربة متأثرا بما عايشه في صورة البطل. 

 

ولأن السينما وثيقة فنية؛ نجد أفلام الخمسينيات والستينيات عالجت كل القضايا المجتمعية بأسلوب مغاير عما نراه على شاشاتنا اليوم، وهي أعمال ارتقت إلى الترشح للأوسكار لولا أن العائق التكنولوجي كان يقف حائلا أمام وصول هذه الأعمال للعالمية بسبب شريط الصوت الذى كانت تعاني منه السينما المصرية في ذلك الوقت.

 

ولأن الفكر التجاري لم يكن سائدا في تلك المرحلة، والتى تفشت بعد السبعينيات من القرن الماضى، وأصبحت ظاهرة يعانى منها الفيلم المصري، وهو ما دفع الكاتب لطفي الخولى يدق ناقوس الخطر أثناء توليه رئاسة لجنة تحكيم المهرجان القومي الثالث للأفلام الروائية 1992. 

 

وقبل سنوات عندما تعالت أصوات كثير من المثقفين في أروقة مهرجان القاهرة السينمائي متعجبة من الأفلام المصرية التي منحت شرف العرض بالمهرجان وكانت لا ترتقي لهذه المكانة الراقية، وكنت أول المعترضين عليها وجاهرت بهذا الرأي للراحل يوسف شريف رزق الله مدير المهرجان خاصة على فيلمي "البر التاني" و "من ظهر راجل". وصدق حدسي وخرج العملان خاليا الوفاض من الجوائز.

 

ولأني أؤمن أن غياب المشاركة المصرية في أي مهرجان حتى وإن كان يقام على أرض الوطن أفضل حالا من المشاركة بعمل يترك أثرا سيئا لدى المشاهد.

 

وما انتهى إليه مهرجان الجونة من غياب الفيلم المصري من المشاركة في الدورة القادمة خيرا من التواجد الباهت بالمقارنة بأفلام الدول العربية الشقيقة التي صارت لها بصمة دولية في السينما العربية، ولا ننكر على الراحل سعد وهبة عندما كان رئيسا لمهرجان القاهرة وكان لديه الشجاعة الأدبية أن يرفض الأفلام التي لا ترتقي لدخول المنافسة باسم مصر.