مصر الجديدة :

الماضى والحاضر أيهما أولى بنا؟

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

كثيرا ما يتم الحديث عن ماضى الحضارات القديمة والدول الكبرى على صفحات الميديا حين يأتى الحديث عن الإرهاب وعن الحروب التى تجرى بين العرب المسلمين. على الفور تجد من يتجاهل القضية الأساسية وهى هذه الحروب التى وراءها رايات وأعلام دينية زائفة ويعود بك إلى تاريخ الحروب الصليبية فى العصور الوسطى، بل وتاريخ الحروب بين الدول المسيحية نفسها فى أوربا حين ظهرت مذاهب أخرى مثل البروتستانت. وينتقل الأمر طبعا إلى أميركا وغزو أميركا وما جرى فى الهنود الحمر من مذابح من قبل البيض القادمين من أوربا ويتطور الأمر إلى نظام العبودية والتجارة فى العبيد التى كان لها أيضا مبرر دينى عند كثير من الأساقفة المؤيدين للسلطة. هذا كله حديث صحيح لكنه يأتى فى إطار الدفاع الخفى عما يحدث بين العرب والمسلمين. على الهامش تأتى المذابح التى تجرى فى الصين لمسلمين من الإيغور أو ما يحدث الآن فى كشمير وإذا أتى فيأتى أيضا كمبرر لما يفعله المسلمون ببعضهم. لا ينتبه أحد إلى أن عصر الحروب الصليبية قد ولى وإلى أن تقدم أوربا وتطورها بدأ مع فصل الدين عن الدولة وبالذات بعد الثورة الفرنسية التى لم تنجح فى أول مرة رغم الحروب والغزوات وعاد النظام الملكى ثم حدثت مرة أخرى عام 1830 وبعدها استمرت الاحتجاجات سنينا طويلة حتى استقر نظام الحكم وصرنا نرى فى برلمانات أوربا أعضاء أصولهم تعود إلى مهاجرين من الشرق ومن أفريقيا والأمر نفسه حدث فى أمريكا وإن تأخرعن أوربا واستمر نضال السود حتى صار أوباما أول رئيس منتخب للولايات المتحدة الأمريكية. لا أحد يفكر أن نبدأ من النهاية وأنه لا معنى أن نمر بما مرَّ به العالم مبررين لأنفسنا أننا لم نكن الأُوَل. لا أحد ينتبه إلى أن العالم الذى كان قرية صغيرة بعد ظهور الإذاعات صار موبايل الآن بعد ظهور الانترنت. لماذا لا ننظر حولنا. لماذا ترفع التيارات الدينية ومن يناصرها خفية أو علانية رايات من ماض مرّ عليه أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
شاعت نكتة يوما ما عن أميركى فى مقهى يستمع إلى حديث جاد بين اثنين من العرب يتحدثان عن الصراع بين أنصار الحسين وأنصار عمر بن الخطاب وأبى بكر الصديق فتدخل وسألهما هل هم مرشحون فى الرئاسة فى بلدكم فقالا له لا - لقد ماتوا منذ ألف وأربعمائة سنة - فانفجر الرجل بالضحك. الأمر تجاوز الشيعة والسنة وتقسّم بين تيارات داخل الفريق الواحد فما أكثر الجماعات التى تدين بالسنة لكنها تختلف عن بعضها فالإخوان غير السلفيين غير داعش غير جبهة النصرة غير بن لادن وتستطيع أن تعد. كما تقسمت الشيعة يوما ما إلى اثنى عشر فريقا حيت سمى الفريق الأخير بالاثنى عشرية وان كان هذا التقسيم أقرب إلى تقسيم المذاهب السنية. الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة وغيرهم لكن هؤلاء هم الأشهر. تاريخ طويل قديم يمكن حقا دراسته ولقد أبدع فيه مفكرون كثيرون لكن فى النهاية لماذا لا ندرك حتى الآن أنه تاريخ وأن الحاضر تجاوز هذا كله وأنه لا راية إلا راية العقل وإنه لا دين إلا العدل والمعاملة الطيبة بين البشر. لو انتهينا من التفكير فى هذا الماضى باعتباره الراية التى يجب أن ندافع عنها ونتقسَّم بينها لوجدت الشعوب وقتا للسياسة وطالبت بحقوقها من أى نظام سياسى. حقوقها كمواطنين لا رعايا ولانتهى أى مبرر فى أى مكان وزمان للقمع خوفا من هذه الانقسامات القديمة المميتة. لكنها السياسة فى كل الأحوال هى محرك الجميع ولا أحد يتعظ مما جرى فى العالم بل يأخذون ماضيه مبررا لحاضرنا.