عندما تهاجم الدولة لأنها دولة!ُ

حفلات "الخبط"
حفلات "الخبط"

تبدأ حفلة «الخبط» مثل الحفلات الموسيقية الصاخبة التى يشارك بها بعض المهاويس تحت تأثير المخدرات ليرقصوا فى جنون مثل القردة على أنغام موسيقى غير مفهومة، الفارق الوحيد بين حفلات موسيقى الخبط التى تقام صيفا فى الساحل وبين حفلات أكاذيب السوشيال أن مهاويس الحفلات الأولى يتراقصون على الأرض أما الآخرون فيتراقصون فوق أزرار الموبايلات وفوق الشاشات الزرقاء.

نمارس فى كل ساعة بل فى كل دقيقة هذا الهوس دون توقف ونتحدى بعضنا البعض، كل منا يريد أن يتميز عن الآخر فى العثور ثم تقديم هذه الفقرة المكدسة بالتفاهة والبذاءة وخلطة الأكاذيب ولايهم هنا من هو أو هى الضحية المهم حصد آلاف الليكات والشير كأنها أرصدة مالية ستضاف إلى حساباتنا فى البنوك.

للأسف نحن نمتلك وعيا فقيرا وأولى سمات هذا الوعى الفقير هى التكرار فلا يوجد تنوع فى الموضوعات التى نطاردها على وسائط السوشيال ميديا يوميا أو نحاول أن نبدع فى التجديد بل على العكس نحن نتصف بكسل لزج ننتظر من الآخر أى آخر، عدو، صديق، مجهول أن يلقى إلينا فقرة النجم التى سنعيش عليها لمدة يوم أو أسبوع.

يصيب الوعى الفقير العقل بأنيميا معرفية كما مرض أيميا الجسد الذي تصيب الإنسان بالهزال وزيغ البصر من شدة الضعف، يجعل الأنيميا المعرفية العقل هزيل زائغ الرؤية فلا يستطيع التمييز بين العدو والصديق أو التفريق بين الصدق والإفك.

يتمكن الوعى الفقير من العقول الهزيلة ويجعلها عبيدا للتلقين فكل مايلقى أمامك تتلقفه دون أدنى محاولة للفحص ويصبح العقل مثل صندوق خشبى يقذف فيه أى شئ من أى أحد لا فرق هنا بين فتوى مسمومة تحولك إلى قاتل أو حاقد على المجتمع الذى تعيش فيه أو معلومة زائفة محاطة بإبهار الصورة واللون وحلو الحديث وتثق فيها كعين اليقين.

يظل هذا الوعى الفقير حاكما لكل فعل نقوم به ويخدعنا وعينا المتهافت للدرجة التى نظن بها أننا الفاعلون لكن الحقيقة التى لا يستطيع وعينا تحملها أننا مفعول بنا والفاعل الأصلى غائب عن بصيرتنا وأبصارنا.

يتحرك الفاعل الأصلى الغائب عنا وهو بالتأكيد عدو صريح أو على الأقل مجهول هدفه ولا يمكن ان يكون صديقا فالأصدقاء يحرصون على الظهور وتوضيح نياتهم.

يفرض علينا هذا الفاعل الأصلى أو العدو الصريح فى هدفه قائمة الموضوعات التى نطاردها أو فقرة النجم اليومية أو الأسبوعية حسب مقدار نهمنا فى المتابعة وحجم حلاوة سم الأكاذيب الذى نبتلعه فى غفلة سعداء حتى تختنق عقولنا به.

لايفرض العدو قائمة موضوعات أو فقرات نجوم خاصة بكل مواطن فهو لا يعمل عندك بل يعمل عليك لايرى العدو المواطن فهو هدف قادم لا محالة يتجه العدو مباشرة إلى الوطن ويعمل فى صبر ودأب ودهاء حتى يستيقظ المواطن ذو الوعى الفقير فلا يجد الوطن، سيجد فقط الشاشة الزرقاء تبتسم له فى خبث وهو يقف وحيدا وسط الخراب.

يرى العدو وقبيله فى الوطن ما لا نراه ونحن لا نرى لأن عيوننا ملتصقة بالشاشات الزقاء وأصابعنا مشغولة بالأزرار نهدى بما نكتبه نارا للعدو ليزيد فى حرقنا.. أما هذا العقل الذى يدير العين والأصابع فهو منقاد تماما فى فرح للعدو.

يتجه العدو مباشرة إلى قلب الوطن إلى الدولة حافظة الوطن من كل سوء يعلم العدو فى دهاء أن للدولة ثوابت ومؤسسات هى قوام الدولة السليمة اليقظة لا يحوم العدو حول هدفه بل يضرب فى سرعة ثابتا رئيسيا أو العمود الفقرى للدولة، فى تلك اللحظة نحن لا نكتفى بالمشاهدة لكن نعين العدو بوعينا الفقير.

لا يسب العدو أو يلعن فى ثوابتك ومؤسساتك.. إنه يتحرك وفق خطوات مدروسة وقد تعلم الدرس من الأحداث الجسام السابقة فى أن هناك صعوبة عند تحقيق هدفه عندما أطلق مجموعة من المرتزقة يروجون الأكاذيب حول ثوابت الدولة ويطالبون بتفكيكها حتى يقيموا اللادولة.

وسط هذه الأحداث الجسام التى وحدتنا احتفظ كل منا بموقعه فوق جبل الصدق وصوبنا سهام الحق إلى مروجى الأكاذيب لنحمى ظهور المقاتلين المدافعين عن ثوابت الدولة لكن عندما استشعرنا الأمان وتنفسنا الطمأنينة بعد خوف، هرولنا إلى الأسفل تاركين مواقعنا ليحتلها عدو لم ينس هزيمته ظانين أن المعركة انتهت والحقيقة أن الحرب الأكثر شراسة قد بدأت.

عاد العدو من بوابة الوعى الفقير وهذه المرة لم يُسر على الأرض تظاهرات مروجى الأكاذيب أو يطلق غربانه فى الفضائيات المأجورة لتنعق بالإفك أو منح وكلائه المتمسحين بالدين صكوك السلطة لقد عاد من الشاشة الزرقاء فى هدوء.

قامت خطته الزرقاء على تفاصيل دقيقة لا يمنحنا وعينا الفقير القدرة على ملاحظتها وسط صخب قائمة الموضوعات وفقرات نجوم الشؤم، تفصيلة العدو الأولى هى نزع القداسة والإجلال عن كل ثابت للدولة وخاصة الرئيسى منها يستخدم الأكاذيب ويتقن التشويه حتى يصل بالمواطن صاحب الوعى الفقير إلى لحظة الكفر بقيم وثوابت دولته.

ينتقل من خطوته الأولى إلى الثانية وهى الترويج بأن كل ثوابت الدولة بعد نزع الأجلال عنها ما هى إلا أمور عادية لا تستدعى كل هذا التبجيل والاحترام، وتسير العقول الهزيلة فى ركاب العدو فرحة فى غفلة وبلاهة وتطلق فرقعات الكوميكس وآلاف البوستات المحشوة بالأخطاء الإملائية المغلفة بالركاكة.

يبتسم العدو فى خبث ثم يُخرج العقول الهزيلة المصابة بأنيميا الوعى من فرحتها ويحول فرحها الساذج إلى غضب وبعد ذلك ينقلها إلى مرحلة الحقد ويشيطن أمامها كل ثوابت الدولة عن طريق الزيف والمزيد من الزيف والخداع حتى يصبح الهجوم على الدولة من قبل مواطنى الدولة لأنها دولة تقوم بوظائفها فى حمايتهم وتوفير الخدمات لهم.

يبقى سؤال كيف يستسلم هذا العقل مهما كان هزاله إلى العدو بتلك السهولة؟.. إنه الوعى الفقير فهناك أمر أخير يتسبب فيه هذا الفقر إنه يغيب العقل تماما ويمنعه من ممارسة دوره فى نقد الأمور وعقد مقارنة سريعة بين ما يطرح عليه وماحوله.

هذا النقد ماهو إلا ميزان سيزن كل ما حولنا ويضعه فى حجمه الطبيعى دون تقليل أو تهويل فلا أحد يطالب بالإشادة فى غير موضعها أو الهجوم دون سبب وهذا الفعل يتطلب قليلا من لحظات الاستفاقة وعدم الاستسلام لبؤس الوعى الفقير.

نستخدم الاستفاقة عند شن العدو حربه التى لا تتوفف، وهو يحاول فرض قائمة موضوعاته أو تصدير نجوم الشؤم للشاشات الزرقاء.. هذه الاستفاقة تطرح أسئلة.. لماذا الإصرار على تكرار الموضوعات دون ملل.. وماهى الفائدة العائدة على النجم الزائف ؟.. سؤالان فقط كبداية سيصبحان علاجا نتناوله كما أقراص الفيتامين التى تسعف الوعى الفقير فتخرجه من فقره إلى رحابة السعة وتقوى العقل الهزيل وتشفيه من أنميا المعرفة.

البحث عن إجابة للسؤالين ليس مرهقا ولا يحتاج إلى تحليل معمق فالزيف واضح لكن عمى العقول هو مايمنعها من رؤيته فالنجم الزائف يقف أمام ماكينات الكذب لينتج حصته من الإفك مقابل أجر حرام معلوم يقدمه له العدو الغائب عن أبصارنا وبصيرتنا.

نعود للسؤال الأول لماذا تكرار الموضوعات التى لاتتغير؟.. هذا التكرار عملية قصف مستمر لثوابت الدولة.. لكن عند الاستفاقة تتولد المزيد من الأسئلة.. هل وجد عدو يقصف الفراغ أو ماهو غير مؤثر؟.. لايوجه العدو مدافع الكذب وقذائف الإشاعات ونجوم الشؤم إلا لما يخشاه ويخاف منه ويجد فيه تهديدا على وجوده محاولا تدميره أو على الأقل حصاره وتقليل خطره عليه.

تحررنا من الوعى الفقير سيعيد للعقل قدرته على الإبصار فيرى ماخفى عنه.. فازدياد شراسة هجوم العدو تعنى أن حصون هذه الدولة أصبحت ذات منعة وقوة فجعلت العدو المأزوم يشحذ كل ماعنده من خسة ونذالة محاولا فى يأس تنفيذ غرضه.

يعلو ضجيج ماكينات تصنيع الكذب والإفك وتعمل بأقصى طاقتها وقريبا ستحترق بكذبها محاولة فى يأس طمس الحقيقة التى يراها العدو قبلنا بأن هذه الدولة تسير على الطريق الصحيح وتحقق النجاحات ولا تكتفى بالنجاح المعتاد بل تطور من وظائفها لصالح الملايين من المصريين دون تمييز أو تفرقة لتصبح دولة جديدة قائمة على الحداثة والمواطنة.

يرتعد العدو خوفا ورعبا ويتمزق قلبه حسرة عندما يجد الدولة المصرية تتنقل فى عزة بين القمم من قمة الدول الصناعية السبع إلى التيكاد فى أسبوع واحد، هنا لايستطيع العدو إطلاق أكاذيبه ويأكله الغم.. فأكاذيبه المصنوعة من الوهم والتضليل ستنصهر وتذوب تحت شمس الحقيقة التى يراها العالم أجمع، يخسأ العدو ذليلا مبتلعا موضوعاته المتكررة.. يزداد هجوم العدو شراسة كلما ترسخت قوة الدولة وآمن المواطن بها وأعطاها ثقته.

يتحقق الرسوخ والإيمان والثقة فى كل يوم وكل ساعة عندما تنجز الدولة مشروع مثل قناة السويس الجديدة وتنجزه بأموال المصريين وبعد خمس سنوات يجد المصريون أموالهم ردت إليهم كاملة غير ناقصة فكما وعدت الدولة أوفت.

يزداد هجوم العدو شراسة عندما يتجه المصريون بأموالهم إلى صكوك الأضاحى التى تشرف عليها الدولة ثقة فيها وتصل قيمتها إلى 100مليون جنيه.. هذه الملايين التى كانت تذهب سابقا الى جيوب شيوخ الفتنة وممولى الإرهاب.

يزداد هجوم العدو شراسة عندما تطلق الدولة عملية تعويم الدولار وتنعق قنوات الإفك وتكتب البوستات المسمومة مبشرة بالخراب القادم فيرتد كيدهم عليهم فيتراجع الدولار الآن ويصل الاحتياطى النقدى لأعلى مستوياته وتتدفق الدولارات فى يسر ثقة فى اقتصاد هذه الدولة.

يزداد هجوم العدو شراسة عندما هلل فرحا لنقص بعض السلع فى الأسواق فنجد الآن وفرة غيرمسبوقة فى كل السلع، ولم تكتف الدولة بذلك بل طورت من وظائفها وضبطت الأسواق فعاد ذلك على انخفاض أسعار السلع.

يزداد هجوم العدو شراسة عندما كان الفساد سابقا له سطوة ونفوذ غير محدود والآن يحاصر وتسقط رؤس الفاسدين بسيف القانون.

يزداد هجوم العدو شراسة عندما يجد حليفه الإرهاب يتلقى الضربات وينسحب مدحورا من حياتنا.

يزداد هجوم العدو شراسة عندما انتقلت مقدرات وإدارة رأس مال هذا الشعب من أيادى مجموعة من السماسرة إلى أبناء هذا الوطن ممثلة فى دولتهم.

يزداد هجوم العدو شراسة عندما تنهى هذه الدولة للأبد عار المرض ومعاناة ملايين المصريين من وباء فيروس «سى».

يزداد هجوم العدو شراسة عندما تستطيع الدولة بعدالة صارمة أن تعيد حقوق مواطنيها إليهم عن طريق تطبيق قواعد فض التشابك المالى والحوكمة بين قطاعات ووزارات الدولة.

هذا قليل مما أنجزته الدولة المصرية فى سنوات معدودة ولهذا تزداد شراسة هجوم العدو وتقتله الحسرة فى كل لحظة مدركا أن الأمة المصرية استعادت دورها التاريخى وتبنى مشروعها لصالح أبناء هذا الوطن

تمتلك الأمة المصرية طوال تاريخها المديد مخزونا استراتيجيا من الوعى الثاقب يغلب دائما على الوعى الفقير ويجعلها فى فترات تحولاتها الكبرى تثق فى أن النصر حليفها.. وما أكتوبر ويونيو المجيد ببعيد.