يوميات الاخبار

مغارة على بابا

السيد النجار
السيد النجار

السيد النجار

لن أستطيع تكوين ثروة بيل جيتس. ولكن أستطيع عمل الأفضل، وهو التقاعد مبكرا للأعمال الخيرية، وهذه هى البداية الحقيقية للحياة.

ماذا تقول.. عندما تجد مليونيرا شابا، يقرر إقالة نفسه من إدارة أمواله وشركاته، والتفرغ بوقته وجهده لأعمال الخير.. أكيد ردك الفورى «لما أوصل  لقدر  فلوسه أفعل مثله».. ولكن أشك فى صدق الإجابة، وأرى «لو حصل وكونت مثل ثروته وشركاته.. لن تفعلها.. فلم يفعلها قبلك أحد.. لا مصرى ولا عربي، وما أكثر أغنياءهم، ولكن هذا ما فعله جاك ما المليونير الصينى وأحد أكثر عشرة أثرياء فى العالم. وصاحب أشهر شركات التسويق الالكترونى وأكبرها عالميا «على بابا». جاك دخل فى سباق الخير مع المليونير الأمريكى بيل جيتس، الذى تبرع بنصف ثروته «مائة مليار دولار» لأعمال الخير، وعندما بلغ الثانية والستين، قرر الاعتزال والتفرغ لادارة الجمعيات الخيرية التى كونها مع زوجته. جاك الصينى تبرع العام الماضى بنصف ثروته «٤٠ مليار دولار». ولكن لم يكتف بذلك فقرر إقالة نفسه من المهام والمناصب، ابتداء من عشرة سبتمبر الجارى مع بلوغه ٥٥ عاما. سأله أحد الصحفيين.. لماذا النهاية مبكرا..؟.. قال أنا أعتبرها البداية، وأريد السير على خطى بيل جيتس فى الأعمال الخيرية.. وأسترسل قائلا.. لن أستطيع تكوين ثروة جيتس، ولكنى أستطيع أن أفعل شيئا أفضل، وهو التقاعد مبكرا.


ولمن لا يتذكر.. چاك بدأ حياته مثل ملايين الشباب الصينيين، وفى أنحاء العالم.. يعانى الفقر، وصعوبة التعليم، وندرة فرص العمل.. أمضى الجزء الأول من حياته فى معاناة، ورفضته ٣٠ وظيفة تقدم لها، وعمل فى توصيل الطلبات لشركة أغذية. ومنها لمعت فى ذهنه الفكرة، لماذا لا نجعل «مغارة على بابا» حقيقة. وهى قصة فى التراث العربى، لاقت شهرة عالمية كبيرة. أنشأ جاك شركة للتسويق الألكترونى.. بلمسة شاشة عبر الانترنت، يصل إليك ما تحتاجه فى أى مكان بالعالم. بدأت الشركة صغيرة مع مجموعة من الأصدقاء. ولأن النجاح رهن لإبداع الفكرة، وثمرة للجهد والمثابرة، ومكافأة للأخلاص والعطاء. ولأن نوايا جاك خير، فتح الله له مغارة على بابا، التى انفتحت دون كلمة السر «افتح يا سمسم» فسر النجاح فى الحياة، طموح وجهد وعرق، وصبر على الانكسارات، وإرادة لتخطى العقبات. وعلى مدى ٢٠ عاما فقط أصبحت «على بابا» أكبر شركات التسويق عالميا برأسمال ٤٠٠ مليار دولار.


تأمل قصتى جاك ما، وبيل جيتس، تجدهما كنزا من الفلسفة فى الحياة، كهبة لنا من الله.. جسّدا فى حياتهما توليفة عناصر نجاح أى شاب. وأدركا قيمة المال فى الدنيا والآخرة، أموالهما ليست ملكا لهما، ولكنهما خلفاء عليها.. أسعدتهما فى الدنيا، وتركا  لأبنائهما ما يكفى لمواصلة النجاح. وكانت القسمة العادلة لصالحهما، بالتبرع بالنصف الآخر للعمل الخيرى وخدمة الإنسانية، دون جنس أو عرق أو دين.. فأنفقوا الأموال وأنشأ مؤسسات للتعليم والصحة فى أى مكان بالعالم. ورسخ جاك وجيتس لمبدأ هو الأساس لبناء الأمم. فعندما قررا الاعتزال، لم يعطيا الادارة فى شركاتهما لأبنائهما وأقاربهما. ولكن لمن أثبتت كفاءته من الشباب العاملين بالشركات.


لم تكن افتح يا سمسم لجنى كنوز مغارة على بابا فى الدنيا، ولكن أيضا للسباق إلى حسنات الآخرة.. ما أجمل المنافسة فى فعل الخير.


من يجرؤ على الكلام


بينما أدلف إلى بهو وزارة الخارجية لمتابعة عملى اليومى بتغطية أخبار الوزارة. فوجئت بالمفكر السياسى الراحل الدكتور أسامة الباز مغادراً «المبنى» استوقفته.. وكان رجلا متواضعا، يرى من مهمته التوضيح والإجابة على تساؤلات الناس، سواء كانت صحفية أو فى لقاءات له بالندوات والأندية ومراكز الشباب.. وفى ثنايا الحوار المفتوح.. ودائما ما يكون أفعال اسرائيل جملة مفيدة فى أى حوار، سألته.. ألا يمكن أن تمارس أمريكا ضغوطا على اسرائيل لإيقاف سياستها وأعمالها العدوانية.. قال.. الأجابة عكس السؤال. فاسرائيل هى التى تمارس ضغوطها على امريكا لتنفيذ ما تريده.. فلا يجرؤ أحد على الكلام أو الفعل بما يمس اسرائيل. ابتسمت قائلا نفس الجملة سمعتها من رئيس تحرير «نيويورك تايمز فى لقاء بمكتبه مع مجموعة من الصحفيين المصريين منذ عشر سنوات عام ١٩٩٦. عندما سألته عن عدم متابعة الجريدة للوضع بالأراضى الفلسطينية المحتلة، وممارسات اسرائيل المعتادة من قتل وتدمير وتخريب.. قال الرجل حينها، بمنتهى الهدوء والثقة، الا اسرائيل.. سياستنا التحريرية دعم اسرائيل بكل قوة ووضوح.. واذا جرؤ محرر على كتابة رأى أو حتى خبر فيه شبهة نقد لاسرائيل. فسيتم فصله فورا.. ولا يجرؤ أحد على الكلام عن اسرائيل إلا بالمساندة والتأييد.


يمر شريط الذكريات، مع صدور الطبعة التاسعة عشرة من كتاب «من يجرؤ على الكلام - الشعب والمؤسسات فى مواجهة اللوبى الاسرائيلي».. أخيرا.. جرؤ أحد على الكلام حتى لو كان قد دفع ثمنا غاليا.. المؤلف بول فيندلى عضو الكونجرس الامريكى لمدة ٢٢ عاما متصلة. وعندما فاض به الكيل، وهو يرى المصالح الوطنية الأمريكية تضيع مجاملة لاسرائيل، انتفض الرجل وعبر عن آرائه داخل الكونجرس منتقدا اسرائيل والسياسة الامريكية. يكشف «فندلى» فى كتابه عن الهيمنة الحديدية الاسرائيلية على الكونجرس وسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط والصراع العربى الاسرائيلي، قائلا: أن هذه السياسة تصنع فى الكنيست الاسرائيلى وليس فى الكونجرس أو البيت الأبيض. وأن اللجنة الأمريكية - الاسرائيلية «إيباك» هى الآمر الناهى فى القرار الأمريكي. موضحا أنها ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، لهيمنة اللوبى الاسرائيلي، الذى يمتد نفوذه إلى كل المؤسسات السياسية والاعلامية والثقافية.. كاشفا أن اكثر من ٢٠٠ هيئة وتجمع ولجنة أمريكية تعمل وكأنها تابعة للسفارة الاسرائيلية بواشنطن. وإمعانا فى التوضيح يسوق فندلى مثالا على سبيل السخرية التبعية الامريكية لاسرائيل بقوله.. لو أصدر رئيس وزراء اسرائيل قرارا بأن الأرض ليست كروية وإنما مسطحة، لزم على الكونجرس أن يصدر قرارا ملزما للحكومة قبل مرور ٢٤ ساعة. يؤيد فيه الاعلان ويبارك لرئيس الوزراء الاسرائيلى اكتشافه العبقرى.


إلى متى تظل الهيمنة الاسرائيلية على أمريكا.. وإلى متى تضيع الحقوق الفلسطينية والعربية واحدا تلو الآخر؟!


رامى الإرهابى


أسعدنى للغاية.. خبر تناولته الصحف الأجنبية، ولم يشر له بسطر واحد فى الصحف المصرية، الخبر عن رفض النجم العالمى رامى مالك القيام بدور إرهابى يتحدث اللغة العربية فى فيلم «جيمس بوند». قال رامى لصحيفة ديلى ميرور البريطانية.. حصلت على تأكيدات بأن الدور الذى سأقوم به فى الفيلم لن يكون مرتبطا بعمل ارهابى، وأضاف. قلت للمخرج، لا يمكننا أن نربط الشخصية بأى عمل ارهابى يعكس أيدلوجية أو ديانة. هذا أمر لا أحبه.


وهذا هو سر القوة الناعمة التى لا نجيد الاستفادة منها. رامى مالك مسيحى لم يولد فى مصر. ولم يزرها مرة واحدة فى حياته، ولا يعرف عنوان البيت الذى عاشت فيه أسرته قبل الهجرة إلى أمريكا ورغم ذلك عن قناعة شخصية منه، ولأنه ذو أصول مصرية وعربية يرفض القيام بدور إرهابى يعكس فكرا أو دينا.


رامى مالك -٣٨ عاما- عندما فاز بجائزة الأوسكار فى يناير الماضي.. استقبل الإعلام المصرى الخبر، بزفة بلدى «بالطبلة والطار» وأعتبره مصريا يغزو عالم نجوم هوليود.. وهذا حقه.. ولكننا لم نحتفل به بما يليق ولم نجد الاحتفاء به كنجم عالمى، رغم أن اسمه لم يكن معروفا لعامة المصريين، وهذا تقصير ايضا من الاعلام المصرى، الذى يصنع لنا نجوما من ورق من أدعياء الغناء والفن نجوم الترسو الذين  أصابوا الذوق المصرى فى مقتل. قصرنا فى حق رامى فنانا صاعدا وحتى عندما أصبح نجما عالميا، فهو لنا يرفض أبدا تنظيم زيارة، حتى لو قصيرة إلى مصر، وتكريمه فيها، لن يرفض أبدا دعوة وزارة الثقافة أو السياحة الإجازة فى أحضان وطنه الأم. لن يمانع أبدا فى السبق المصرى بفيلم وثائقى عن حياة نجم واعد وأسرته المصرية. رامى يسعده دعوة أى مؤسسة إعلامية أو صحفية كبرى فى مصر. فى العالم.. مئات.. آلاف.. المصريين العالميين.. كل فى مجاله.. ولكننا ننتظر تكريمهم بالخارج، حتى نجرى لنشر وقائع الحدث.. أما أن نصنع نحن الحدث.. فلا.. المؤسف أننا لا نجيد الدعاية لأبنائنا ولا لبلدنا.


الحب فى التسعين


أحذر الوقوع فى هذا المطب.. من الممكن أن تضيع حياتك هدرا.. امرأة إيطالية تجاوزت التسعين من عمرها «٩٢ عاما» وجارها مهندس «٥٢ عاما» لنقل تجاوزا أنه شاب. اعتاد أن يحنو عليها ويقضى لها حاجياتها، ويقدم كل أشكال العون والمساعدة..

تلقائيا وتدريجيا، خفق قلبها بحبه، ونما وكبر الحب، ولم يبق أن تتأكد أن يبادلها نفس الحب، وأنه يعاونها عشقا فيها وليس شفقة عليها، فى إحدى الزيارات همت بتقبيله.. رفض وتملص، وبينما يهم بالخروج، بادرته بأربع رصاصات، لينجو من الموت بأعجوبة، شعرت بإهانة مشاعرها وجرح كرامتها، وبدون وعى حاولت الثأر من حبيبها!


لكن لا تخف.. فالتحذير المتقدم ليس له محل. فلا أنت هذه المرأة.. ولا أنت هذا الشاب.. الإيطاليان أو من أى جنسية أخرى لديهما إحساس مختلف بالحياة، وعلاقات إنسانية أسمى مما نعيشه نحن.. فلا توجد امرأة مصرية وإن كانت أصغر بثلاثين عاما لديها مثل هذه المشاعر.. وإذا.. إذا.. شعرت بحب ينمو بداخلها.. فهى تراه العيب نفسه، ولابد من وأده أو كتمانه حتى الموت.. ولا يوجد بيننا شاب يتمتع بهذا القدر من الانسانية فى خدمة الآخرين.


همس النفس


البعد عنك يضنينى.. أهوى القرب منك وإن كان يشقينى.. مظلوم كرجل شرقي.. محروم من قول الآه.. وكأنى لست مخلوقا بشريا.. عيب أن اشكو من هجر حبيبة.. عار أن تجود العين بالدمع عند عتبات داره.. يا دار لا تجزعى من طارق.. جاء يهفو لشوق لقاء أميرة قلبه.. تهلع النفس لصدى مدويا.. إن الذين غدوا بعقلك غادروا.. وعين الحاسد منك ترصد.. تركوا رسالة بالوصال وأن سلوتهم، وهم بخير ما بقيت لهم عاشق.. غابوا وبين ثنايا النفس.. همس وحوار أمتد من العمر سنين، وتمنعت عن صدق خاطر إن هم على غياب.. ما ألتقينا مرة، إلا والفراق كان منتظراً.. غابت زينة النساء.. وضاحة العينين.. براقة الثغر.. شقيقة الشمس والقمر.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي