حكايات| بطل أولمبي مصري.. فنان بهوليوود هزم العنصرية بالزواج وقُتل بالحرب العالمية

بطل أوليمبي مصري.. فنان بهوليوود هزم العنصرية بالزواج وقتل بالحرب العالمية
بطل أوليمبي مصري.. فنان بهوليوود هزم العنصرية بالزواج وقتل بالحرب العالمية

في الثاني عشر من يونيو عام ألف وتسعمائة وسبعة ميلادية تلقت عائلة سميكة العريقة بالإسكندرية الخبر السعيد بقدوم مولود لباسيلي بك سميكة مدير الجمارك وقتذاك أطلق عليه اسم فريد، وكان بالفعل فريدًا في قصته ورحلته القصيرة مع الحياة لكن أحداثها لم تكن هينة، وسيذكرها التاريخ إلى الأبد بما فيها من مفاجآت وتراجيديا غير مسبوقة.

 

تربى فريد سميكة في الأوساط الراقية بالإسكندرية وكان عاشقًا لفكرة الطيران ويحلم بأن يصبح طيارًا، ولم يستسلم حتى أصبح حاملاً لرخصة الطيران المحلية في مصر، لكن القدر قاده ليصبح أحد أبرز نجوم الرياضة المصرية على مر تاريخها بعيدًا عن الطيران.. في البحر.


اقرأ للمحرر: حسين حجازي.. الأقدار تكتب قصة «الأب الروحي» للكرة المصرية

 

المجد الأولمبي والخطأ التاريخي

 

في سن الواحد والعشرين، كان فريد سميكة ضمن بعثة مصر المشاركة في أولمبياد أمستردام عام 1928، وهناك في الأراضي المنفخضة كان المجد ينتظره بأن أصبح مع الثنائي السيد نصير وإبراهيم مصطفى أول من رفعا العلم المصري والعربي والإفريقي في المحفل الرياضي الأكبر، فكان لفريد سميكة السبق بإحراز ميداليتين في دورة أولمبية واحدة معلنًا عن نفسه كأحد أفضل الغطاسين في العالم.

وفي أولمبياد أمستردام، وقع خطأ تاريخي حرم فريد سميكة من الميدالية الذهبية بعدما عزف السلام الوطني للمملكة المصرية آنذاك ابتهاجا بفوزه بالميدالية الذهبية، لكن أقرت لجنة التحكيم بوجود خطأ في احتساب الدرجات، وذهبت الميدالية الذهبية للغطاس الأمريكي بيتي ديسجاردنس بحسب كتاب «The Olympic's Most Wanted».

 

سميكة في أمريكا.. زواج وحرب ضد العنصرية

 

شقيق فريد سميكة الأكبر كان يشغل منصبًا دبلوماسيًا مصريًا في نيويورك خلال نهاية العشرينات وبداية الثلاثينيات، ولكن هذا لم يكن السر في هجرته لأمريكا، لأن كتاب مذكرات مرقس باشا سميكة، مؤسس المتحف القبطي وهو عم فريد سميكة، كشف النقاب عن العلاقة الوطيدة التي جمعت بين عائلتي سميكة وروزفلت، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في الثلاثينيات، والذي كان قد زار مصر صغيرًا وعشقها بشدة.

 

في العام 1929، طلب فريد سميكة الزواج من مابل فان دين آكر، ابنة أحد الأثرياء وكان يعمل تاجرًا للمجوهرات لنجوم هوليوود، ولكن القانون العنصري آنذاك كان يمنع تزوج الأمريكية البيضاء من شخص قوقازي، قبل أن تصدر المحكمة المحلية في كاليفورنيا حكمها بالسماح بهذه الزيجة، التي أثارت ضجة كبيرة في الصحافة الأمريكية بحسب ما ذكرته صحيفة «سان بيدرو» في عدد يوم 12 فبراير عام 1929.

 

 

وبعد أقل من عامين وقع الطلاق وتزوج فريد سميكة من أمريكية أخرى تدعى بيتي جين ويلسون وأنجب منها نجله الوحيد صادق.

 

اقرأ للمحرر: بدأت مع «الهضبة».. رحلة أحمد صلاح حسني من الملاعب إلى الفن

ملهم الأسطورة «سامي لي»

 

في أكثر من حوار صحفي ذكر أسطورة السباحة الأمريكية من أصل كوري سامي لي أن ملهمه ومثله الأعلى هو فريد سميكة الذي تنبأ له بأن يكون أول سباح غير أبيض يحقق ميدالية ذهبية في الأولمبياد قائلاً عبر صفحات «لوس أنجلوس تايمز»: "دربني جيمس ريان، وهو نفسه مدرب الأسطورة فريد سميكة، حين سحبوا منه الميدالية الذهبية في أولمبياد أمستردام 1928".

 

وأضاف سامي لي :"التقيت سميكة وأنا غاضب من تعنيف ريان لي في التدريبات، فسألني البطل المصري هل تعرف لماذا يحتد عليك هذا المدرب؟ لأنني عندما حققت الميدالية الذهبية في أولمبياد أمستردام 1928، عادت لجنة التحكيم بعد 3 أيام لتقول أن هناك خطأ وأن علي التنازل عنها لصالح سباح أمريكي، ورغم عرض بيتي ديسجاردنس باحتفاظي بالميدالية وإقراره بأنني الفائز بها، إلا أنني رفضت، وقلت له سأعود في 1932 لأحققها، ولكن مدربي ألقى بالكراسي في حمام السباحة بعد إعادة التتويج وسحب الميدالية، وقال أمام الجميع سأعود لكم ببطل من غير أصحاب البشرة البيضاء ليهزمكم جميعًا ويحقق الذهب.. واختتم سميكة حديثه معي قائلاً.. أنت هذا البطل يا سامي".

 

وتابع:" في أولمبياد لندن 1948 حققت الميدالية الذهبية وتحققت نبوءة فريد سميكة، وقال لي المصريون وقتها لقد جعلت من سميكة ملهمًا، وتحققت نبوءته".

 

اقرأ للمحرر: السد العالي اليوناني.. «براسكوس» حارس قاد مصر لأول بطولة أفريقية

 

هوليوود

 

اعتزل فريد سميكة الغطس والسباحة في العام 1932 وفي قمة التألق، بعدما أبهر الأمريكان في مختلف البطولات التي أقيمت هناك وتحديدًا في لوس أنجلوس، وحصوله أيضًا على بطولة العالم في اليابان، ولكن قصته لم تكن قد انتهت، بعدما اتجه للعمل في «هوليوود».

 

شارك سميكة في المشاهد الخطيرة في أفلام «طرزان» مع جوني فايسمولر وفي فيلم «ما وراء البحار»، وشارك بقفزاته في زوج من الأفلام الوثائقية الشهيرة من إنتاج «مترو جولدوين ماير» عن رياضة الغطس وهما «الغطس المزدوج 1939» و «الرياضات المائية» 1941.

 

الحرب العالمية وقطع رأس سميكة

 

في العام 1942، حصل فريد سميكة على الجنسية الأمريكية وراوده الحلم القديم بالعودة للطيران، ولكن الوقت كان قد فات، فأصبح مساعد طيار ضمن الجيش الأمريكي بتوصيات وبرنامج خاص أعده روزفيلت الذي كان يثق في سليل العائلة التي عرفها بمصر عن طريق مرقس باشا سميكة.

 

وبعد أن نال سميكة رتبة ملازم ثان في الجيش الأمريكي وبالتحديد عام 1943، كان أحد أفراد مهمة تصوير لمواقع اليابانيين في آسيا قرب الجزر الإندونيسية، على متن طائرة من طراز «B-42»، ولكنها سقطت في أيدي الجيش الياباني.

 

ووقع سميكة أسيرًا، واقتيد لأحد المعسكرات ثم نفذوا فيه حكم الإعدام بقطع رأسه بكل وحشية، واعتبره الجيش الأمريكي من المفقودين في العمليات.

 

اقرأ للمحرر: رحلة مصري من «المظاليم» حصد دوري أبطال أوروبا أربع مرات

 

سامي لي وتأكيد مقتل سميكة

 

يروي سامي لي في حوار مطول لمجلة «عالم السباحة»: "عندما دخلت إحدى المستشفيات العسكرية فوجئت بقائد عسكري يسألني ما إذا كنت أنا سامي لي بطل السباحة، وعندما أجبته بنعم، قال أن طاقمه في الحرب العالمية كان يضم فريد سميكة بطل الغطس وهو من ضمن المكلفين بمهام التصوير، فأجبته على الفور بأنه ملهمي، واستفسرت منه عن حقيقة طريقة وفاته على يد اليابانيين".

 

وأضاف:" صدمني القائد العسكري بأنه هو من أرسل سميكة في آخر مهام الاستطلاع وعندها سقطت الطائرة، وبالفعل تأكد من قطع رأس البطل المصري عندما اقتيد سباح آخر من الجيش الأمريكي إلى معسكر الاعتقال نفسه الذي شهد إعدام سميكة فتعرف على رأسه مقطوعة ومعلقة على السور بكل وحشية وعاد وأخبرهم هنا".

 

وتابع :"في أحد الحوارات الصحفية ذكرت أن مثلي الأعلى وملهمي هو فريد سميكة، وفوجئت بعدها باتصال هاتفي من نجله الذي دعاني على العشاء، والتقيته مع والدته وأخبرته بأن وفاة والده جاءت بقطع رأسه على يد اليابانيين".

 

واختتم:" أخبرني صادق نجل فريد سميكة أن الحكومة الأمريكية اعتبرت والده شهيدا في العام 1945 ومنحته وسام الصليب الطائر وتمت ترقيته لرتبة ملازم أول، والآن نجله أصبح طيارا في سلاح الجو الأمريكي محققا حلم والده".