«الحلقة المفقودة» بين اليوم والأمس

«الحلقة المفقودة» بين اليوم والأمس
«الحلقة المفقودة» بين اليوم والأمس

كان ضربا من الجمال والروعة ما خرجت به الزميلة العزيزة «أخبار النجوم» في الحوار الذي أجراه الصديق العزيز خالد محمود، مع السيناريست المبدع مصطفى محرم، في العدد الأخير، وهو حوار عصف بذهني عصفا قويا جعلني استرجع أيام وليالٍ من الأحداث التي مرت بجيلنا وأجيال متتالية.

فالسيناريست مصطفى محرم، من الجيل الذي أضفى بريقا على صناعة الدراما التليفزيونية، وشارك في خلق نجوما تربعوا على عرش الفيديو أكثر من عقدين لدرجة اهتزت معها إيرادات شاشات السينما، ولا يمكن أن ننكر هنا أسماء العديد من الكتاب اللذين مازال يلتف أمام أعمالهم مئات المشاهدين في الوطن العربي بأثره حتى هذه اللحظة عندما تبث مسلسلاتهم أمثال أسامة أنور عكاشة، ومحفوظ عبد الرحمن، ومحمد صفاء عامر، ووحيد حامد، ومجدي صابر، ومحمد حلمي هلال، وآخرين.

ووجدتني أطرح تساؤلا حول أسباب الحلقة المفقودة بين جيل اليوم والأمس من المبدعين، لماذا هناك فجوة وهوة عميقة بين أجيال المبدعين، لماذا لا نسمع من شباب الفنانين من يقول أستاذي فلان أو علان، لماذا اختفى مفهوم الأستاذية كنوع من التقدير بين أبناء المهنة الواحدة، صحيح المثل يقول «عدوك ابن كارك» أي المنافس لك، لكن معنى الأستاذية يختلف،  فكما أشار محرم، في لقائه وأنقله بالنص: «حدث قطع لا تواصل، فالجيل الذي سبقنا وهم جيل الأساتذة كان بيننا وبينهم تواصل ومزج لكن ما حدث الآن قطيعة، فنحن لم نرفض جيل أساتذتنا كنا نعمل وهم أيضا كانوا يشتغلون، تعلمنا منهم وأصبحنا معهم، إنما ما حدث أننا فوجئنا بجيل رافض كما لو كانت عملية انتقامية».

من المخطئ هنا، في قطع التواصل بين الأجيال هل جيل مصطفى محرم، أم جيل الشباب المتهم الآن بنبذ كل نفيس وغالٍ من أجل الانفراد والاستحواذ على كل الوسائل السمعية والبصرية.

والمراقب للوضع يمكن أن يضع يده على الأسباب بهدوء، فالمشكلة مشتركة بين كل الأطراف وعلى رأسها مبدأ الشللية التي سادت الوسط في مرحلة من المراحل، وكان هناك سياج قوي يصعب على بعض المبتدئين اختراقه بسهوله إلا ما رحم ربي، والبديهي والعبرة من كلام أستاذ محرم، أن جيل الأساتذة كان بيننا وبينهم تواصل ومزج، التساؤل هنا للجيل الأكبر من قطع هذا التواصل مؤكد أن المسئولية تقع على الجيل الأكبر الذي انشغل بأعماله وتناسى وتجاهل دورة الحياة، ولم يتبن تلاميذ يتعلموا بين أيديهم مثلما تعلموا هم مما سبقوهم. وانفردوا بالساحة ليس هذا فحسب بل امتدت يد الوساطة للفن والأولوية لأبناء الفنانين. فاهتزت الموازين، وضعف المستوى، وظهر المنتج غير الفني والذي يعتمد على نجاح النجم واسمه.

وأصبحت المسألة تجارية بحتة، فكانت النتيجة مثلما رأينا. جيل لم يخلق لغة مشتركة مع الجيل الذي يليه، وشباب حفر اسمه في الصخر ويدافع عن مكتسباته بكل السبل، ويرفض مبدأ الأستاذية التي لم يحصل عليها، وفي كلتا الحالتين وقع الخلل في المنظومة وحدثت الهوة الفكرية بالأعمال الدرامية كما وصفها مصطفى محرم، لأنها لا تعبر عن المجتمع المصري إنما تعبر عن المجتمع الأمريكي، لأنهم يأخذون الروايات الأجنبية الدرجة الثالثة، ويحولونها إلى مسلسلات، وكل مجتمع له تفكيره وسياساته، وهم يأخذون الناحية الظاهرية، وهي العنف، فيتم تأصيل ذلك داخل الشخصية المصرية وهذا في منتهى الخطورة.