حكايات| «الحج البديل».. صعايدة يشدون الرحال إلى البحر الأحمر

«الحج البديل».. صعايدة يشدون الرحال إلى البحر الأحمر
«الحج البديل».. صعايدة يشدون الرحال إلى البحر الأحمر

يعدون العدة سنويًا، في هذا التوقيت من كل عام، البعض يذهب مع بداية العشر الأوائل من ذي الحجة، والبعض يذهب قبل وقفة عرفات، يشدون الرحال، حاملين أمتعتهم وزادهم، وينطلقون في مواكب للسيارات تجاه البحر الأحمر.

 

تعلو مكبرات الصوت بمواكب السيارات وتحمل أغاني الحجاج، كما تحمل «الفدو» أو «النذر»، من خراف وماعز لذبحها هناك، وتوزيعها على الفقراء، وينطلقون في طريق يصعب المرور عليه بسبب المنحنيات والجبال، حتى يصلون إلى الشاذلي أبو الحسن، للاحتفال بعيد الأضحى هناك، فيما يطلقون عليه بـ«حج الغلابة».

 

هنا في قنا، تنطلق هذه المواكب سنويًا، ويمكث المسافرون بضعة أيام، يرون فيها - على حد قولهم - أنوار مكة، كما يعتقد البعض بأنه أدى حجة صغيرة، يتجرعون فيها للحج حتى يأذن الله لهم.

الرحلة إلى جبل «حميثرة» لها ترتيبات خاصة، أولها وسيلة المواصلات التي لا بد أن تكون سيارة نقل ضخمة تتناسب مع طول المسافة ووعرة المنطقة الجبلية، وتجهز بكل وسائل الإعاشة من مياه شرب وطعام وأغطية ووسائل ترفيه تُعين عدد الأسر التي تتشارك في تحمل كلفة الرحلة وأعبائها المادية، وتزين تلك السيارات بفروع الأشجار وتعلو كبائن القيادة مكبرات الصوت التي تبث الأدعية والتواشيح الدينية.

«يا شاذلي يا أبوالحسن وفي حميثرة سوف ترى»، هتافات يرددها مريدو القطب الصوفي "أبو الحسن الشاذلي"، من أبناء محافظة قنا، بداية من انطلاق رحلتهم الصعبة والشاقة، حتى عودتهم بعد انتهاء عيد الأضحى، في سيارات يلطخونها بأيديهم بدماء النذز بنظام "الكف"، اعتقادًا منهم بأنه بركة من الشيخ وحماية لهم أثناء العودة إلى أهلهم.

والاحتفاء بذكرى العارف بالله أبوالحسن الشاذلي، يتزامن الاحتفاء بذكراه مع موسم الحج إلى مكة المكرمة، حيث كان القطب الصوفي في العام 656 هجرية، متوجهًا للحج عبر طريق الحجاج القديم عبر صحراء "عيذاب" بين محافظة قنا والبحر الأحمر.

أبو الحسن الشاذلي، الذي ولد أواخر القرن السادس الهجري 593هـ/1196م، في إقليم غمارة بالقرب من مدينة سبته بالمغرب، وهو تقي الدين أبو الحسن على بن عبدالله بن عبدالجبار بن يوسف وهو حسني علوي، ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم.

وتلقى علومه الأولى وحفظ القرآن في "غماره" بالمغرب، ثم أراد أن يستزيد من العلم فرحل إلى تونس، وفيها بدأ الدراسة العلمية، وسلك طريق التصوف إلى أن أذن له شيخه، وأستاذه عبدالسلام بن مشيش أن يرشد غيره، فاتجه إلى شاذلة، وهي التي تلقب باسمها، وهي قرية في تونس ومنها وفد إلى مصر التي أحسنت استقباله، وأحرز فيها درجة في المقامات والأحوال، واعتبر من أهم أقطاب الصوفية في مصر.

مكانة «الشاذلي» في قلوب عشاقه ومريديه يمكن تلمسها في الرحلة الشاقة التي يتكبدها زواره إلى حيث مكان ضريحه بجبل "حميثرة" بصحراء عيذاب جنوب شرق أسوان بنحو 200 كم ويبعد 150 كم عن مدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، وكذلك ظروف الإقامة الصعبة في منطقة صحراوية تفتقد إلى الخدمات الضرورية، ويقطنها 5 آلاف من قبائل العبابدة التي تمتهن مهنة الرعي وهم الذين يقومون باستضافة زوار "الشاذلي" كل عام الذين يتراوح عددهم بنحو مليون زائر، ليس من مصر وحدها بل من بلاد شمال أفريقيا "تونس والمغرب".