حكايات| قصة «يوسف وزينب».. حين لقّن فاروق الفيشاوي أهالي المالديف أغنية «ذهب الليل»

فاروق الفيشاوي
فاروق الفيشاوي

كطائر بلا أجنحة، ظل يغرد عاليًا متشبثًا بأمل الحياة حتى الرمق الأخير، مؤكدًا قدرته على مواصلة التحليق في فضاء عشقه الأول والأخير، لا يعرف للهزيمة طريق، حتى أمام أكثر الأمراض فتكًا، فوعد بمواجهته وأبى إلا الانتصار عليه بعزيمة وإصرار محارب، غير أن جسده لم يقدر على المقاومة كثيرًا ورفع "رايته البيضاء"، معلنًا نهاية رحلة مشوار فاروق الفيشاوي في عالم الفن.

ما بين السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة، حفر "الحاوي" اسمه ضمن صفوف الكبار، عبر مسيرة فنية حافلة امتدت لما يقرب من 3 عقود، قدم خلالها نحو 300 عمل فني، حقق الكثير منها  نجاحات واسعة ويحفظ الجمهور الكثير من جمله الحوارية عن ظهر قلب، فيما لم يحالف الحظ أعمالا أخرى فانضمت إلى قائمة "الأعمال النادرة"، وأبرزها فيلم "يوسف وزينب"، تأليف بشير الديك، وإنتاج وإخراج محمد خان، وبطولة فاروق الفيشاوي وليلى علوي وتوفيق الدقن، ومن المالديف مريم رشيدة، ومحمد عاصف.

"خان" و"روقة" في "المالديف"

في أواخر عام 1984، وفور انتهاء المخرج الراحل محمد خان من تصوير فيلمه "مشوار العمر"، الذي جمعه بـ"الفيشاوي" لأول مرة، أجّل مونتاجه لارتباطه بفيلم آخر وهو "يوسف وزينب"، إذ كان قد بدأ أسبوعا من تصويره في القاهرة أوائل 1985، قبل أن ينتقل إلى "المالديف"، حيث تدور أحداث الفيلم.

"يوسف وزينب"، يناقش المعنى الحقيقي للشعور بالانتماء، حيث يروي قصة مدرس مصري يمر بأزمة اقتصادية وعاطفية، حين تركته حبيبته المدرسة الحسناء لتتزوج من ثري وتهاجر معه إلى أمريكا، بعد أن فاجأها بقبول الإعارة للعمل كمدرس للغة العربية في عاصمة جزر المالديف، معتقدًا أنها ستحقق له حلمه في الثراء وادخار ما يكفيه لبداية حياة جديدة في بلده، ليكتشف أنها بلد نامية اقتصاديًا كان صيد أسماك التونة هو موردها الأساسي –قبل أن تتحول اليوم إلى أشهر المدن السياحية-.



وتتواصل الأحداث بانتقال "يوسف" المدرس إلى إحدى الجزر النائية تحمل اسم "دارافاندو" التي لا يزيد عدد سكانها عن 300 نسمة، لحضور حفل زفاف صديقه "وحيد" أمين المكتبة الذي يجيد العربية ويجمعهما سكن واحد، وهناك يقع في حب "زينب" الفتاة الهندية المسلمة التي تبادله ذات الشعور، وتجذبه إلى أن يستقر في البلاد، ويصبح مدرسًا لها، ليبدأ صراع البطل مع نفسه وخياره البقاء عن العودة.

لماذا المالديف؟

في كتابه "مخرج على الطريق"، يجيب المخرج الراحل محمد خان، عن التساؤل ببساطة، إذ كانت تجمعه برئيس جمهوريتها مأمون عبد القيوم صديق، علاقة صداقة بدأت منذ الصبا، يقول "خان": "كان يدرس بالأزهر الشريف، وأنا في المرحلة الإعدادية ثم الثانوية، وكان يجمعنا حبا شديدًا للسينما مجسد في زيارة أسبوعية لأحدث ما يعرض في القاهرة من أفلام، وخاصة أفلام هيتشكوك وأجاتا كريستي في تلك الفترة".

لم يكن من الغريب، حين التقى الثنائي بالقاهرة مرة أخرى بعد سنوات من الفراق، "صديق" كرئيس دولة و"خان" كمخرج سينمائي، أن يجتمع الاثنان على فكرة مشروع فيلم سينمائي مالديفي، ليخرج إلى النور فيلم "يوسف وزينب"، والذي يقول عنه المخرج الراحل، إنه أول فيلم مالديفي في تاريخ البلاد، وكان أول عرض له في المالديف 16 سبتمبر 1986، وفي القاهرة عُرض في يونيو 1989.

ذهب الليل

يروي "خان" في كتابه، الذي يجمع مقالات كتبها الراحل في العديد من المطبوعات المصرية خلال الفترة من 1990 وحتى 2015، واقعة طريفة مع أهالي الجزيرة عقب انتهاء تصوير العمل الذي استمر يوميًا لقرابة 3 أسابيع، بطلها الأول أغنية الموسيقار الراحل محمد فوزي الشهيرة "ذهب الليل".

الأغنية كانت محور أحد مشاهد العمل، حين يقف المدرس ليعلمها لطلابه، وحين يصل إلى "شاف القطة قالها بسبس قالت له نونو"، يجد الفتاة "زينب" التي يحبها قد عادت لتلحق بالفصل، بعد أن حرمها أهلها من الحضور بعد اكتشاف علاقة الحب التي تجمعها بالأستاذ ومقابلتها بالرفض خاصة أنها مخطوبة لأحد الصيادين، فتزداد نشوته مع ترديد الطلاب لكلمات الأغنية خلفه.


يقول "خان": "لم يخطر ببالي بتاتًا وأنا أصور هذا المشهد أن بقية سكان الجزيرة الذين كانوا يتابعون التصوير قد حفظوا كلمات الأغنية عن ظهر قلب، وبينما حان وقت الرحيل عقب انتهاء التصوير، اصطف أهالي الجزيرة على ساحلها ليودعونا وهم ينشدون معًا: (ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور صوصو)، لتسيل دموعنا جميعا".