حكايات| الرجل «الأقبح» في العالم.. رواية أخرى لـ«الجميلة والوحش»

 الرجل «الأقبح» في العالم
الرجل «الأقبح» في العالم

قلة أولئك الذين يدركون بواطن الخير والجمال في قلوب أقبح الوجوه، لا ينخدعون بمدى بشاعة الظاهر قدر الإحساس بجمال المستتر خلفه، رأوا بقلوبهم فكانت بصيرتهم خير مرشد ودليل في متاهة زيف البصر وانبهاره بقشور الأشياء..

«كاتي ناماندا» تلك الزوجة الأوغندية التي تزوجت من «جودفري باجوما» والذي صنف كأقبح وجه في العالم، تنطبق عليها تلك الحالة التي لم تنخدع بالظاهر وأحبت «باجوما» لتقول عنه إنه: «صاحب قلب طيب.. أتمنى أن يراه الناس بالطريقة التي أراه بها».

 

«جبران خليل جبران»؛ لخص تلك المسألة في قصته عن القبح والجمال، حينما قال: «تلاقى الجمال والقبح ذات يوم على شاطئ البحر، فقال كل منهما للآخر هل لك أن تسبح؟ ثم خلعا ملابسهما، وخاضا العباب.. وبعد برهة عاد القبح إلى الشاطئ وارتدى ثياب الجمال، ومضى في سبيله.

وجاء الجمال أيضا من البحر، ولم يجد لباسه، وخجل كل الخجل أن يكون عاريا، ولذلك لبس رداء القبح، ومضى في سبيله.. ومنذ ذلك اليوم والرجال والنساء يخطئون كلما تلاقوا في معرفة بعضهم البعض.. غير أن هناك نفرا ممن يتفرسون في وجه الجمال، ويعرفونه رغم ثيابه.. وثمة نفر يعرفون وجه القبح، والثوب الذي يلبسه لا يخفيه عن أعينهم».

 

لقب أقبح رجل

«جودفري» يعاني من حالة نادرة، لم يتم تشخيصها حتى الآن، ولا يعرف سببها، جعلت وجهه يبدو متورما بشكل غريب، وبسبب التشوه الخلقي حصد لقب صاحب أقبح وجه في العالم، وسلطت الأضواء عليه من حينها وحصل على فرصة للعمل كمغني بوب، مستفيدا من شهرته بعد أن تناقلت وسائل الإعلام قصته على نحو واسع.

 

حصول «جودفري» على لقب أقبح رجل في العالم كان في عام 2002 من خلال مسابقة تم تنظيمها داخل القارة، واضطر للتقديم فيها بسبب مروره بضائقة مالية، وفاز بها وقابل بعدها كيت واستمرت صداقتهما لمدة 4 سنوات وتأخر زواجهما خوفا من أن يراه أهلها فيرفضونه لقبح وجهه، حتى قررا مواجهة الأهل والارتباط، وتزوجها بالفعل وأنجبا 6 أطفال.

 

«كيت»، لم تكن الزوجة الأولى لـ «جودفري» فقد سبقها أخرى، ويقول عنها: «أنجبت من زوجتي الأولى طفلين، ثم انفصلت عنها بعد أن اكتشفت أنها تخونني مع رجل أخر».

 

الوحش والجميلة

وعن «كيت»، يقول «جودفري»: «ناماندا قضيت معها 4 سنوات قبل أن يعرف الناس قصتنا، فلم أرغب في أن يراني الناس قبيل أن أنجب منها طفلاً، لأنهم كانوا سينصحونها بتركي، وقد تركتني عندما كانت في شهرها السادس من الحمل، ولكني أعتقد أنها تقبلت بعد ذلك قدرها، لأنها عادت إلى بعد شهرين من ذلك، عندئذ قلت لها إنني لم أختر شكلي، ولكنها بمقدورها تركي إن أرادت». بدورها تقول «ناماندا» متحدثة عن علاقتهما العاطفية: «عندما تجدين الرجل، الذي تعتقدين أنه مناسب لك، لا تستمعي إلى ما يقوله الآخرون، واتبعي قلبك، لا ينبغي أن يتدخل المال والمظهر الخارجي في العلاقة العاطفية».

 

 

بداية «جودفري» كانت صعبة، ويقول عنها: «عندما ولدت، نظرت إلي أمي وقالت إنني لست طفلا عاديا وتركتني.. لكن الحمد لله أن جدتي اعتنت بي.. وكنت خائفا من الخروج والاختلاط مع الناس.. فقد يقول الناس أنني لست إنسانا، ويظنون أنني مخلوق غريب.. لكن الآن يجب أن أقبل كيف أبدو».

 

تحويل المحنة لمنحة

وبرغم موجة السخرية التي لا تنتهي حول وجه «جودفري»، إلا أنه تقبل كل ذلك بصدر رحب وبدأ في تحقيق حلمه بالغناء؛ محولا لعنته إلى ميزة وهبة ساعدته على الشهرة وتحقيق مبتغاه، وحياته المهنية الناجحة دفعته إلى حياة شعبية، واصفا الأمر بأنه: «الآن لدي أصدقاء.. يناديني الناس للذهاب إلى عروضهم ويعطونني المال.. والتي تساعدني في الاعتناء بأطفالي».

 

أما عن مرضه، فلم يتمكن الأطباء من تشخيص حالته الغريبة، ومع تدهور حالته في وقت سابق، قرر توني ويسلون رئيس الأطباء في مستشفى مبارارا إخضاعه للعديد من الفحوصات، ويقول د. ويسلون إن «لدى جودفري تشوه كبير في جمجمته يؤدي إلى الضغط على أجزاء مختلفة من الدماغ، كما أن انحناء جسمه يضغط على صدره ويجعله غير قادر على التنفس بشكل جيد».

 

مرض نادر

وبعد ستة أسابيع من الفحوصات وصور الرنين المغناطيسي، تمكن ويسلون من تشخيص حالة «جودفري»، وهي حالة نادرة تسمى خلل النسيج الليفي، وهي تؤثر على النمو وتوضع الخلايا والأنسجة. والخبر الجيد أن بالإمكان السيطرة على هذه الحالة من خلال تناول الدواء المناسب، كما أنها حالة غير وراثية ولا يمكن أن يمررها لأبنائه.

 

«جودفري»، كان يخشى أن يكون مرضه وراثيا، وينتقل إلى أحد أبنائه الثمانية حيث يقول: «أشعر الآن ببعض القلق لأن واحدة من أطفالي تشبهني، وأخشى أن يصبح شكلها مثلي في المستقبل. ويضيف: «يسيطر على شعور القلق لأن أطفالي لا يزالون صغارا، ولا أدري ماذا سيحل بهم بعد وفاتي».

رغم كل المعاناة التي لاقاها «جودفري»، إلى أنه حقق طموحه وتحدى عيبه الخلقي وأصبح أحد أشهر المغنين المحليين في أوغندا في موسيقى البوب الإفريقية، بل واندمج وسط مجتمعه ولم يقف تشوه وجهه أمام تكوين صداقات وعيش حياة طبيعية، كما أن له مجموعة من الإغنيات على موقع التواصل الاجتماعي منها من قاربت على تجاوز حاجز الـ 10 ملايين مشاهدة.