عاجل

حوار| عميد «العلوم السياسية» بالسويس: 30 يونيو أنقذت العرب من خطر الإخوان

د.جمال سلامة
د.جمال سلامة

- الشرق الأوسط لن يشهد حرباًالآن.. والتصعيد الأمريكي هدفه ابتزاز الخليج

- المخاوف العربية من الأطماع الإيرانية حقيقية ومشروعة

- أردوغان ينوح على «مرسيه» وحلم الخلافة الذى تبخر


بين صفحات التاريخ تكمن حقيقة ما يدور فى المنطقة العربية هكذا يؤكد د.جمال سلامة المتخصص فى شئون الشرق الأوسط السياسية، والمعنى بالصراع العربى - الإسرائيلى مشيرًا أن مذكرات (بن جوريون) والمثبت فيها تأكد إسرائيل من أن الخطر الحقيقى بالنسبة لها يأتى من مصر لذلك كان التفكير فى كيفية أن تنشغل مصر بنفسها وكذلك العرب.. يشرح د.سلامة كيف تحول الصراع العربى - الإسرائيلى إلى صراع عربى - عربى مستغلا فيه الطرف الخارجى أطماع أطراف من داخل المنطقة لتأجيجه حتى أصبحنا اليوم نتساءل هل ستضع الحرب أوزارها فى الشرق الأوسط ؟.. يشكك د.سلامة فى اندلاع حرب بالمنطقة حاليا، ويعول على الدور المصرى القيادى فى تهدئة حدة الغليان بها، ودليله أن بمجرد استقرار مصر بعد 30 يونيو شهدت المنطقة العربية نوعا من الاستقرار النسبى. وإلى نص الحوار:


> شهد ملف السياسة الخارجية فى مصر تغييرا ملحوظا.. بداية ما تقييمك لهذا الملف قبل 30 يونيو ؟
    السياسة الخارجية أيام الإخوان كانت سياسة عبثية. الدولتان الوحيدتان اللتان كانت لهما علاقات بجماعة الإخوان هما قطر وتركيا، وهم كجماعة لم يكن باستطاعتهم أكثر من ذلك لأن إدارة تنظيم ليست كإدارة دولة حتى أنهم فشلوا فى إدارة هذا التنظيم وأتوا به على الأنقاض بعد 80 سنة. لقد كنا نعتقد أنهم قادرون على التنظيم الجيد لكن السنة التى حكم فيها الإخوان مصر كانت كاشفة وكانت فترة جيدة تمخض عنها حدوث نوع من الاستفاقة وكشف عن زيف هذه الجماعة التى أراها من وجهة نظرى قد قبرت وانتهت لأنها اليوم أصبحت فى عداء مع الشعب بينما كانت تدعى أن الحكومات السابقة هى التى تعاديها بداية من حكومات ما قبل 1952 ثم حكومات عبد الناصر والسادات وحتى مبارك. اليوم تلك الجماعة فى مواجهة مع الشعب وبالتالى أعتقد أنها أصبحت جماعة بلا مستقبل.
سياسة غير مسبوقة
> ما رصدك لما حدث من تقدم فى ملف السياسة الخارجية المصرية حتى يومنا هذا ؟
    بالتحديد فترة الرئيس عبد الفتاح السيسى أعادت للسياسة الخارجية رونقها وبريقها لأن قبل 25 يناير لم تكن السياسة الخارجية بنفس العنفوان أو القوة التى هى عليها الآن فهى كانت تتوحد مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج، وعلى النطاق الرسمى العربى فقد كانت فى إطار الجامعة العربية وبالنسبة للاتحاد الأوروبى فلم تكن السياسة الخارجية مع دول الاتحاد بها هذا الزخم الذى نشهده اليوم. الرئيس السيسى قام بعملية «تثوير» لهذا الملف فهو يتحرك شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً بشكل غير مسبوق بالتالى السياسة الخارجية منذ 2014 تشهد إعادة إحياء لسياسة مصر الخارجية بما تستحقها.
> وماذا عن رؤيتك لعودة مصر إلى عمقها الإفريقى ؟
من أهم النجاحات التى تحسب للرئيس السيسى فى ملف السياسة الخارجية فكرة استعادة مصر لدورها فى أفريقيا، فمن بداية حرب 1973 كان هناك تراجع فى التواجد المصرى سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا فى أفريقيا حتى حدث نوع من الانسحاب أو القطيعة مع أفريقيا فى نهاية التسعينيات بالتالى إحياء هذا الدور اليوم ورئاسة مصر للاتحاد الأفريقى بعد تجميد العضوية هو نجاح بامتياز يحسب للرئيس السيسى.
> كيف ترى علاقة مصر الخارجية بالولايات المتحدة الأمريكية ؟
علاقة مصر مع الولايات المتحدة الأمريكية قبل 25 يناير كانت علاقة أحادية فلم تكن مصر تستطيع أن تتحلل من ارتباطات فرضت علينا بشكل أو بآخر. باختصار مصر كانت يدها مغلولة فى فترة الرئيس الأسبق مبارك، أما اليوم فمصر تشهد تعدد محاور السياسة الخارجية بداية من تنويع مصادر السلاح، وتعدد محاور الاقتصاد، وإقامة علاقات سياسية مع دول فى الشرق أو الغرب، وعقد صفقات.. هذا فى بدايته أغضب الولايات المتحدة ولكنى أعتقد أنها اعتادت على ذلك وهذا فى حد ذاته شيء جيد، والرئيس السيسى أحدث توازن فى العلاقات. مصر اليوم أشبه بما حدث فى خمسينيات القرن الماضى حينما كسر الرئيس عبد الناصر فكرة حظر الأسلحة بصفقة أسلحة سوفيتية بل ما نعيشه اليوم أكثر من ذلك لأن السيسى جعل السلاح سوقا مفتوحا ومتعدد المصادر. مصر ليست دولة تابعة بل هى دولة لها دور وأعتقد أن الولايات المتحدة وعت ذلك جيدا، كما وعت أن فى مصر توجد قيادة تعى أين تقف وأين تسير وأين تتجه مصالحها. بالتالى أعتقد أن هذه الملفات لم يكن متصوراً إعادة ترتيبها بهذا الشكل فى هذا الوقت القصير.
> تواجه مصر حملة عدائية من أردوغان تصاعدت حدتها مؤخراً.. فما هى أسباب هذا العداء ؟
أردوغان رجل « مفجوع « فهو كان لديه أوهام باستعادة قوة تركيا كدولة رائدة تقود الشرق الأوسط، أما أعوانه فى سبيل تحقيق ذلك فكانت التنظيمات الإرهابية وآخرها داعش، بل إن أوهامه وصلت إلى أن جماعة الإخوان سوف تسود النظام الإقليمى العربى فى مصر والسعودية والخليج العربى لذلك كل دول الخليج التقطت أنفاسها ماعدا بعضهم عندما قامت ثورة 30 يونيو لأنها كانت فى مرمى الخطر. أردوغان فجع فى مرسيه وفى مناطق أخرى بمنطقة الشرق الأوسط فمصر له بالمرصاد فى ليبيا والسودان وغيرهما، وأحلامه بأن يكون زعيما للعالم الإسلامى أو قائدا للسنة تبخرت فأصبح لديه هواجس يستيقظ على صراخ فقدانها كل يوم. أردوغان منذ أن جاء رئيسا لتركيا كان له وزير خارجية نشر مقالة بعنوان «صفر مشاكل مع دول الجوار» وأن هذا المبدأ هو الحجر الأساسى لسياسة تركيا فى المنطقة لكن سرعان ما تحول هذا المبدأ لمشاكل مع الجميع.
عقدة قديمة
> وماذا عن تركيا الدولة.. لماذا تناصب المنطقة العربية كل هذا العداء؟
المبدع جمال حمدان قال فى منتصف السبعينيات أنه فى حيرة من أمر تركيا فهى تحاول أن تروج نفسها للغرب على أنها طاووس الشرق وتحاول أن تروج نفسها المنطقة العربية على أنها الصقر الذى يملك القوة ولكنها فشلت فى أن تصبح طاووساً أمام الغرب وفشلت فى أن تصبح صقراً أمام العرب فأصبحت غراباً أمام الغرب والشرق.. هذه المقولة تنطبق تماماً على تركيا اليوم. منذ انتهاء ما يسمى بالدولة العثمانية أو الخلافة وتركيا لديها عقدة من العرب فهم يعتقدون أن العرب خانوهم وأنهم تحالفوا مع البريطانيين لهدم دولة الخلافة لكن علينا أن نذكرهم بأن ما يسمى بدولة الخلافة كان يطلق عليها عام 1760 «رجل أوروبا المريض» وأن ذلك الخليفة كان يستنجد بوالى مصر ليساعده فى حروبه. مصر فى ذلك الوقت كانت جزءا من الخلافة العثمانية ولكنها كانت دولة داخل الدولة لدرجة أن محمد على ابن إبراهيم باشا كان على وشك الوصول إلى الأستانة ليعزل الخليفة ويجلس مكانه لولا أن الغرب تكاتل عليه. إذن تركيا كادت أن تصبح ولاية مصرية. وفى أواخر القرن الـ 18 وبداية الـ 19 كانت تركيا تعيش على دعم بريطانيا وفرنسا فى مواجهة روسيا حتى لا تسمح لها بالدخول إلى منطقة المياه الدافئة، وهى أيضاً التى جاءت برأس الوهايبة ووضعته فى فوهة مدفع باسطنبول وفجرته. إذن أين الإسلام الذى يتحدثون عنه!
متى تتوقف حملات أردوغان ضد مصر ؟
هذا حلم صعب تحقيقه إلا إذا هزم داخلياً من خلال الانتخابات ولكنه يزور إرادة الأتراك وأظن أن كثيرا من العملية الانتخابية التى كان يقودها شابها نوع من التزوير وبالتالى أعتقد أن هذا الرجل سيظل ينوح إلى أن يسقط أو يلقى مصير عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا الأسبق الذى أعدم شنقاً بعد أول انقلاب عسكرى فى تركيا سنة 1961 وكان أشد عداء لمصر ولعبد الناصر.
> منطقة الشرق الأوسط فى حالة غليان شديد.. فكيف تفسر الصراع الدائر بها؟
لا أنكر أن هناك أطماعا إيرانية فى المنطقة وهذا منذ أيام دولة الصفويين وغيرها، وهى ستوجه ضربة مباشرة لكن ليس فى هذه الحقبة، ما تقوم به إيران اليوم هو توجيه ضربات غير مباشرة عن طريق الحوثيين فى اليمن وحزب الله فى لبنان ولكنها لا تسعى للدخول فى مواجهة مباشرة مع أمريكا وكل دول الخليج فهى ترى كل الأساطيل الأمريكية الموجودة فى المياه الخليجية، هى تريد أن تتوارى عن الأعين حتى تمرر برنامجها النووى. أما أمريكا فمن المستحيل أن تحارب لأنها لن تتورط فى حرب أخرى ضد دولة معينة وتخسر جنود كما حدث فى العراق. الكونجرس لن يسمح بذلك ولنتذكر أنه هو الذى أجبر أوباما ومن قبله جورج بوش الابن بضرورة سحب كل القوات الأمريكية من الخليج فى نهاية 2008 ورفض صرف أى مبالغ مالية على الحملة الأمريكية فى العراق، هذا فضلا على أن العراق ككتلة إستراتيجية أسهل من إيران فكيف يمكن أن نتخيل أن الكونجرس سيسمح بتوريط الولايات المتحدة فى حرب جديدة.
مخاوف مشروعة
الموقف السورى من القمتين العربية والإسلامية اللتين عقدتا فى مكة المكرمة فى نهاية شهر رمضان كان صادماً للبعض.. فكيف تفسر ذلك ؟
القمتان العربية والإسلامية عقدتا تحت وطأة محاولة تفزيعية من أمريكا للسعودية والخليج لابتزازهم. مخاوف الخليج من إيران مخاوف مشروعة وحقيقية لكن إيران هى حليف لسوريا وكذلك روسيا بالتالى تقارب النظام السورى مع إيران هو الذى أدى إلى تصعيد الموقف بينه وبين الدول العربية، كما أدى إلى أن سوريا أصبحت خارج جامعة الدول العربية. سوريا تحصل على دعمها المادى والمعنوى والعسكرى من إيران ولن يحدث أنها سترى أن دول الخليج تدين إيران على سبيل المثال فتؤيدهم.
> بعض المحللين يرون أن هناك أطرافا أخرى تحاول توريط إيران.. فكيف ترى هذا الطرح؟
بالتأكيد والدليل أمس كان العالم يتحدث عن ضرب إيران لناقلات البترول فى مضيق هرمز الذى تمر سفنها عبره أعتقد أنه مع التصعيد وحالة التفزيع الذى يقودها ترامب ضد إيران منذ 3 شهور من أجل ابتزاز دول الخليج أعتقد أن إيران فى هذه الفترة من المفترض أنها تعلم أنه سوف يكون تصعيدا من أمريكا إذن ليس منطقياً أن تضرب إيران الناقلات، إلى جانب أنه لا يوجد ما يثبت ذلك وهى قد نفته وأمريكا لم تقدم أى دليل على ما ادعته إذن فلنبحث عن أطراف أخرى لها مصلحة لإشعال هذه المنطقة وبالتالى أراها منطقية أن تكون إسرائيل أو حتى أمريكا نفسها لكن كل هذا لا ينفى أن إيران لا تشكل خطراً على المنطقة. إسرائيل اليوم فى أفضل أوضاعها منذ نشأة هذا الكيان فكل الدول من حولها إما مخرب أو مهدد بالتخريب حتى من نجا من تلك الموجة التخريبية هو يقوم بحساباته كى لا تعود إليه مرة أخرى، بالتالى إسرائيل تحاول أن تسرع التقام ما يمكن التقامه يساعدها فى ذلك وجود ترامب على رأس القيادة السياسية فى الولايات المتحدة وهو يحاول أن يكسب أصوات اليهود لأن فى الأنتخابات الأولى كانت أغلب أصوات اليهود لهيلارى كذلك معظم الصحافة التابعة لمؤسسات يهودية كانت تهاجمه ولكنه نجح. اليوم هو يحتاج دعم أصوات اليهود.
رأس المنطقة
> إذن ما هى قراءتك لمستقبل منطقة الشرق الأوسط القريب؟
للأسف الشرق الأوسط فى وضع أسوأ مما كان عليه فى عهد الاستعمار لأن وضع الدول العربية فى عهد الاستعمار لم يكن به عرب يقتلون بعضهم البعض. العرب كلهم كان يجمعهم تحدٍ واحد وهم واحد ومصلحة واحدة لكن اليوم حتى المصلحة، البعض يرى أن الاستعانة بالأجنبى سوف تكون أفضل. هذا هو التصور الموجود فى الذهنية العربية وذلك نراه فى نطاق التشغيل والتوظيف، بالتالى حالة الغليان الموجودة حالياً فى الشرق الأوسط قد يكون جزءا منها عدم وعى ولا أستطيع أن أقول إنها مؤامرة لأنه إذا صح ذلك فلابد أن يكون الشرق الأوسط طرفا فيها لأنه لا يوجد شىء يحدث فى المنطقة إلا إذا كان من أيدى أبنائها لذلك أسوأ شىء يدمر هو أن يقتل الإنسان نفسه بنفسه. لذلك أرى أن وتيرة تصاعد هذا الغليان أو التهدئة منه مرتبطة بدور مصر القيادى والدليل نراه فى مصر فخلال السبع سنوات الأخيرة حينما استقر الحال بمصر شاهدنا نوعا من الاستقرار النسبى فى المنطقة، إذن أصبح التعامل مع المنطقة تعاملاً جزئياً أى مع كل دولة على حدة أو كل ملف بمفرده، هذا يؤكد أن مصر هى رأس المنطقة بإمكانيتها الاقتصادية المحدودة أو حتى بالمشاكل التى تواجهها. اليوم من يملكون المال لا يستطيعون الاستغناء ثانية واحدة عن مصر.
> أشرت إلى أن وضع الشرق الأوسط أصبح أسوأ.. فما أسباب تحول الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع عربى - عربى ؟
    بداية إسرائيل لا تستطيع مواجهة المنطقة مواجهة شاملة لذلك هى تحاول بشكل أو آخر تحويل الصراع إلى ملفات ثم العمل على فكرة أن تشغل العرب بأنفسهم وطبعاً من ضمن المستهدف أن تظل مصر منشغلة بنفسها وطبقاً لمذكرات «بن جوريون» فى 1948 والذى كان رئيسا للوكالة اليهودية آنذاك أن الجيش المصرى فى 1948 أبلى بلاء حسناً بالرغم أنه لم يكن يملك أسلحة جيدة وكان هدفه تحرير فلسطين بينما كل الجيوش العربية التى شاركت فى حرب 1948 كانت مشاركتها مرتبطة بأهداف محدودة فعرض على مصر فى ذلك عبر وساطات غربية وعربية أن تستقل بغزة وتخرج من الحرب لكن الملك فاروق رفض، لذلك ذكر «بن جوريون» أنه ثبت أن الخطر الحقيقى يأتى من مصر وأنهم لا يريدون إخراج مصر من فلسطين كما أخرج محمد على من الشام فقط بل عليهم أن يشغلوها بنفسها حتى لا تتطلع مرة أخرى خارج حدودها. إذن تحويل الصراع العربى - الإسرائيلى إلى صراع عربى - عربى هى فكرة الحرب منخفضة التكاليف والأكثر ضراوة إعمالاً بمقولة إذا «أعجزك سلاح خصمك فأفسد عقله» وبالتالى ما يحدث اليوم فى منطقة الشرق الأوسط هو تخريب للعقل وإفساد للوعى عبر وسائل الإعلام الحديثة والتى كانت من المفترض أن تكون كلها ثورة فى العلم والتكنولوجيا إلا أنه ثبت أنها دمرت بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر أخلاق الشعوب كلها وهذا جزء من الصراع العربى - العربى.