بائع السعادة !.. ٥٠ عاماً يصنع الفرحة ويبيع الورد للمناسبات السعيدة

«عم أحمد» بائع الورد
«عم أحمد» بائع الورد

«يا بدع الورد.. يا جمال الورد»، وعلى نغمات تلك الأغنية الشهيرة لأسمهان، يتمايل تارة يمينًا وآخرى يسارًا، يطرب قلبه قبل مسامعه، وهو يتمتم بينما ينسق بحرفية الزهور التى من حوله، ذلك المشهد يجذب انتباه بعض الزوار الجُدد لتلك البقعة من ميدان الجيزة إلى ذلك الرجل المسن السارح فى ملكوت عالمه الخاص.


يفترش الأرض بين عيدان الزهر الملون الفائح عطره، ملامحه تغوص فى تجاعيد وجهه، لكنها تشع سعادة وبهجة وتفاؤلًا.


ويعرف سكان المنطقة عم أحمد يدركون أن حياته مرتبطة بالورد، مثل صلة الجسد بالروح، كلاهما لا يستغنى عن الآخر، وكما يقول لنا: «بدأت حياتى مع الورد من 53 سنة، يعنى عشت كل حياتى معه، من شبرا إلى الكورنيش لغاية استقرارى فى ميدان الجيزة خلال فترة الثمانينات»، ورغم أن أحداً فى عائلته لا يهوى الزهور ولا يشتغل به، لكنه انفرد فى حبه وكأنه خلق خصيصاً لهذه المهنة، وسعيد بذلك «بياع الورد لازم يكون هادى ورومانسى» .


لا يخفى بائع الورد عشقه الأغانى الرومانسية وقراءة الروايات العاطفية أيضا، وبحسب تعبيره «اللى بيحب الورد لازم يكون بنى آدم حساس، كلهم هنا يعرفوا انى بحب عبد الحليم واسمهان وليلى مراد، ولما أروح بيتى لازم اقرأ الروايات إللى كلها حب» .


فى اعتقاد عم أحمد أن لكل شخص مهنة تليق بملامحه ونبرة صوته وشخصيته أيضًا، يحلل وكأنه خبير نفسى ضالع فى شخصيات البشر»ماينفعش بائع أو سائق أو حرفى يعمل فى بيع الورد، لأن لها أصول وموهبة»، حتى أبناء عم أحمد صاحب الـ70 عاما لم يوفقوا فى حبها، «كلهم أعمال حرة، وبنتى الكبيرة ربة منزل».


أنا مش ببيع الورد.. شغلانتى هنا أنسق زهور.. وينهر بكل تباهى أن ينعته البعض بمجرد بائع، فهو صانع للسعادة حسب وصفه، «برفض أبيع الورد لزوار المقابر، الزهور هنا لزينة السيارات وزفاف العروسين أو باقات مهداة للحبيب، يعنى للفرحة فقط».


ورغم السعادة التى يخلقها عم أحمد لزبائنه بحسب وصفه إلا أن قلبه يقطر أسى وحزنا، يقول وهو مطرق الرأس، وقد طال العبوس وجهه: أوقات طبعا بيضيق الحال، لكن أرفض المغالاة فى ثمن باقة الورد، أبيعه بـ 20 جنيه، بالمقارنة بالمحلات، أصغر باقة بـ 100 جنيه؛ لأن الزهور كانت رخيصة زمان، الآن ارتفع سعرها فى المشاتل بصورة كبيرة، ويستطرد حديثه «وطبعا أنا فى الشارع، ومحتاج كشك مرخص فى نفس مكانى علشان أحافظ على زبونى اللى اعتاد وجودى».


مواسم بيع الورد بحسب عم أحمد معدودة طوال العام، بداية من شم النسيم مرورا بأعياد الحب وعيد الأم ورأس السنة وصولا إلى موسم الأعراس خلال شهرى يوليو وأغسطس، بينما يحل الركود فى شهر مايو ويونيه بسبب موسم الامتحانات، بحسب قوله «مكسبى فى المواسم يصل إلى 300 جنيه، لكن وقت المذاكرة والمدارس بنام فى البيت».


يختار عم أحمد زبونه الذى يحافظ على الورد مثله، «لا يمكن أفرط أبداً فى وردة لزبون ممكن يهملها»، رغم أنه لم يقتنها أو يزرعها لكنه حريص عليها ويعتبرها قطعة من قلبه، «أخاف الزبون يتعامل معاها وحش، طبعا مش روح؟!».


حين يذبل الورد يجد طريقه إلى محلات التجميل التى تصنع منه زجاجات مياه الزهور التى تستخدم فى المستحضرات المختلفة، بينما يذهب البعض إلى أصحاب النصيب من الفرحة بحسب الرجل السبعينى «أوزعه على أى عروسين متواضعى الحال، أبيع كيلو الورد الذابل بـ10 جنيه، عشان الناس تنبسط، لأن الورد ولكل من لا يعرف هو نعمة كبيرة من ربنا» .