قصة بطولة ولدت فى فندق بالبرتغال.. وحملت مصر شهادة ميلادها وأرقامها القياسية

السيسى و عبدالناصر و «أهداف» لصالح الأمم الأفريقية

الرئيس السيسى أثناء زيارته لتدريب منتخب مصر
الرئيس السيسى أثناء زيارته لتدريب منتخب مصر

 

«الحمد لله الذى أعاننا على أن نسير فى طريقنا لنبنى هذا البلد كما نريد».. من قائل هذه العبارة؟
لو طرحت هذا السؤال المدرسى على مجموعة من الناس هذه الايام، لجاءت جل الاجابات بأنه الرئيس عبد الفتاح السيسى، انطلاقاً من ثلاثة ثوابت واضحة فى هذه العبارة وهى تمثل استراتيجية مستقرة «ارادة البناء.. استقلال القرار.. التوكل على الله».
من المؤكد أن الجميع سمع من الرئيس السيسى هذه المعانى كثيراً حتى باتت تشكل منطلقا لعملية البناء والتنمية لكن وعندما تعلم أن قائل هذه العبارة أعلاه هو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وذلك فى يوليو ١٩٦٠ وهو يحتفل بافتتاح ستاد ناصر فى العيد الثامن لثورة يوليو قائلاً: «باسم الله نفتتح جميعاً هذا الملعب ونشعر بالحمد فى عيد الثورة الثامن.. الحمد لله الذى أعاننا على أن نسير فى طريقنا لنبنى هذا البلد كما نريد».
مقولة عبد الناصر ومحدداته الواضحة وهو يفتتح هذا الاستاد قبل ٥٩عاماً، تمثل نفس التوجه للرئيس السيسى الذى يفتتح غدا الجمعة بنفس الملعب (تحول بعد وفاة عبد الناصر الى ستاد القاهرة الدولى) بطولة الامم الافريقية لكرة القدم.. أهى مقاربة تاريخية.. أم أن التاريخ يعيد إنتاج نفسه.. أم هى ثوابت مستقرة..؟
من يتابع السطور ربما يلحظ الاجابة:


بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ كان توجه مصر نحو أفريقيا واضحاً وصريحاً ومدفوعاً بدعم ثورات التحرر والاستقلال لكل ربوع القارة السمراء وانقاذها من براثن الاستعمار والاستقلال ونهب الموارد.. فكانت انحيازات عبد الناصر واضحة وكاملة.
بعد ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو أعاد الرئيس السيسى مصر إلى أفريقيا وأدرك أهمية اضطلاع مصر بدورها المحورى والتاريخى فى دعم عملية التنمية فى القارة السمراء وتحرير قرارها وتحقيق وحدتها..
عبدالناصر أدرك أنه لا مستقبل لأفريقيا إلا فى تحررها ووحدتها، وكان ينظر بعين ثاقبة إلى تأمين الوجود المصرى بقوة فى دول حوض النيل بالتحديد.
الرئيس السيسى وقف أمام مؤتمر الاتحاد الأفريقى فى أديس ابابا فى فبراير ٢٠١٩ وهو يتسلم رئاسة الاتحاد الأفريقى قائلا «لقد مضى أكثر من نصف قرن على اجتماع الآباء المؤسسين الذين أرسوا سوياً لبنة الوحدة الأفريقية هنا بأديس ابابا فى مايو ١٩٦٣ يومها قال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر: ليكن ميثاقا لكل أفريقيا ولتعقد اجتماعات على كل المستويات الرسمية والشعبية، ولنبدأ طريقنا فى التعاون الاقتصادى نحو سوق افريقية مشتركة».. وأضاف السيسى إلى كلام ناصر قوله: «كلمات مضى عليها أكثر من نصف قرن ولكن ما يزال صداها ماثلاً أمامنا».
لماذا كأس الأمم؟
يجمع المراقبون على أن ناصر كان حريصاً على تدشين الدائرة الأفريقية بعمق وأنه استحدث لأجل هذا وسائل غير تقليدية لتقوية هذه الدائرة منها الرياضة والاعلام والتعليم والاتصال.. ولاحظ دور مدينة البعوث، وركز ناصر على الخيارات غير التقليدية.
وفى هذا الاتجاه رعت مصر تأسيس الاتحاد الأفريقى لكرة القدم فى العام ١٩٥٦ مثلما حرصت على إطلاق الاذاعات الموجهة بكل اللغات، وفى اجتماع عقد فى أحد فنادق مدينة لشبونة البرتغالية فى ٨ يونيو ١٩٥٦ وبتعليمات صريحة من الدولة المصرية وأجهزتها، اجتمع عبدالعزيز سالم وهو مهندس مصرى أول رئيس للاتحاد الأفريقى ومحمد لطيف ويوسف محمد من مصر ومعهم من السودان عبد الرحيم شداد وبدوى محمد وعبد الحليم محمد والجنوب أفريقى وليم فيل.. ووضع المجتمعون يومذاك الخطوط الفعلية لتأسيس الاتحاد الأفريقى لكرة القدم.
كان الرئيس عبد الناصر أول من تحمس للفكرة ، وأكثر من اهتم بربط الرياضة بالسياسة. إذ كان يرى أن الرياضة وسيلة لتقارب الشعوب خاصة كرة القدم التى تقدم المتعة للجمهور، وكلف ناصر مسئولى الرياضة المصرية بالاهتمام بتعميق العلاقات مع الشعوب فى  افريقيا عن طريق كرة القدم.. فكان الدعم الكامل من مصر عبد الناصر لانطلاق بطولة الأمم الأفريقية فى فبراير ١٩٥٧ بالسودان التى كان اختيار ناصر لها دعماً بعد عامين فقط من اختيارها الانفصال عن مصر. بينما استبعدت جنوب أفريقيا لاسباب سياسية تتعلق بانتهاجها التفرقة العنصرية وهكذا انغمست البطولة بالسياسة منذ ضربة البداية فيها.
بطولة الأمم الأفريقية التى رعاها عبد الناصر وحرص على اقامتها هى نفسها البطولة التى تبلغ الآن دورتها الثانية والثلاثين والتى عندما تأزم موقف الكاميرون لتنظيمها كان تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسى سريعاً وحازماً مكلفاً مسئولى الرياضة العمل على احتضانها فى مصر وتقديم كل الدعم الرئاسى واللوجيستى لتنظيمها والحرص على تقويتها.
جنوب أفريقيا التى عملت مصر عبد الناصر على استبعاد مشاركتها فى الدورة الأولى لاسباب تتعلق بسياستها العنصرية هى  ذاتها جنوب افريقيا التى اقتبس السيسى من مناضلها التاريخى والاسطورى نيلسون مانديلا أمام مؤتمر الاتحاد الأفريقى باديس ابابا هذا العام عبارته ونضاله قائلا: «لقد امتلك أسلافنا حكمة الوحدة ومنهم نستمد الشجاعة تلك الشجاعة التى قال عنها الزعيم الراحل نيلسون مانديلا والذى سميت هذه القاعدة تيمنا به: «انها ليست غياب الخوف، وإنما هى القدرة على التغلب عليه». 
هذه الشجاعة فى التصدى للمهام الكبيرة، مثلما توافرت للزعيم جمال عبد الناصر وهو يدعم وبكل قوة ثورات التحرر والاستقلال فى القارة السمراء، وجعل من بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم واجهة من الواجهات الرياضية والشبابية فيها لدعم الشباب وتوحيده وتبصيره بالظروف العامة والصعبة  وتوعيته وتثقيفه.. كانت هى نفسها المحرك المباشر للرئيس السيسى وهو يوجه خطابه فى أديس أبابا عند تنصيبه رئيساً للاتحاد الأفريقى وموجهاً كلامه لشباب القارة وقال بعد ان عبر عن امتنانه وتقديره لرئيس الوزراء الأثيوبى أبى أحمد: «أنه ظرف دولى وقارى تعصف به نزاعات التطرف وموجات الارهاب.. وإلى شباب أفريقيا.. قلب القارة النابض وسواعدها الفتية اقول أننا نبذل الجهود ونعد الخطط آملين ان نترك لكم قارة أقوى مما ورثناها.. والتضامن الأفريقى كيان فاعل يستطيع أن يحرك المواقف ويفرض نفسه على الأحداث وليس مجرد شعار نظرى»..
شاركت مصر وبقوة فى الدورة الأولى لكأس الأمم الأفريقية بالسودان مع صاحبة الأرض اضافة إلى أثيوبيا (لاحظ الربط التاريخى) وأحرزت مصر اللقب الأول بعد التغلب على السودان ٢/١. وكان رأفت عطية صاحب أول هدف فى تاريخ البطولة واضاف أحمد دياب العطار (شهرته الديبة) هدفاً وسجل للسودان برعى أحمد البشير. وتأهلت مصر للمباراة النهائية لتفوز على أثيوبيا بأربعة أهداف نظيفة سجلها الديبة ليكون نجم الاتحاد السكندرى الكبير أول هداف للبطولة واستقبل الرئيس عبدالناصر الفريق القومى بعد أن احرز كأس البطولة الأولى والتى احتفظ بها المصريون فى الدورة التالية التى أقيمت بالقاهرة فى الفترة من ٢٢ إلى ٢٩ مايو ١٩٥٩ مع نفس الفرق: السودان وأثيوبيا، وبدلت مصر نتائج الدورة الثانية، إذ فازت على أثيوبيا ٤/صفر سجل منها محمود الجوهرى ٣ أهداف (وحقق الجوهرى اللقب كمدرب فى ٩٨ ببوركينا فاسو ليكون أول من يحرز كأس البطولة لاعباً ومدربا).
وأحرز ميمى الشربينى هدفا، ثم فازت مصر على السودان ٢/١ احرزهما عصام بهيج، وظلت مصر صاحبة الأرقام القياسية والتفوق فيها حتى اليوم.
عبدالناصر أدرك قيمة كرة القدم تحديداً كأحد أهم مكونات «القوة الناعمة» ورأى أنها وسيلة فعالة لتقارب الشعوب ووحدة ابناء القارة نحو التحرر والاستقلال، ووجد فى كأس الأمم الافريقية الواجهة الكروية المهمة.. و الرئيسى السيسى شدد فى لقائه مع لاعبى المنتخب الوطنى عند لقائه بهم مؤخراً على أهمية بذل كل الجهود لاسعاد الملايين من ابناء الشعب فى بطولة كبيرة بالقارة التى عادت مصر لحمل لواء التنمية والبناء والتعمير فيها.