في ذكرى يونيو 67.. «تخاريف» إسرائيلية من على فراش الموت

مئير عاميت
مئير عاميت

- فى تسجيل صوتى مزعوم يظهر بعد وفاة صاحبه بعشر سنوات: اتصلنا بمصر سراً لمنع نشوب حرب الأيام الستة والقاهرة لم ترغب فى اندلاعها!


- رئيس الموساد السابق يختلق شخصية مقربة من ناصر ويدعى لقاءها !

 

لا تكف آلة الدعاية الصهيونية عن تزييف التاريخ وإطلاق الأكاذيب وبالونات الدخان كى يصدقها العالم لتصبح حقائق معترفاً بها. للأكاذيب الإسرائيلية مواسم تظهر فيها تواكب مواعيد الحروب والأحداث الهامة التى جمعت بين مصر وإسرائيل سواء حرباً أو سلاماً. بمناسبة مرور 52 عاما على حرب يونيو 1967 خرج الموقع الإخبارى للقناة الإسرائيلية الثانية «ماكو» بتقرير هو أقرب إلى «التحشيشة» منه إلى التقرير المهنى الاحترافى المدعم بأسانيد ووثائق وحقائق منطقية. التقرير يدعى ان إسرائيل بادرت إلى اجراء اتصالات سرية مع القاهرة من أجل منع نشوب حرب الخامس من يونيو 1967. يُظهر التقرير إسرائيل وكأنها كانت طرفا محايدا وليست الطرف المعتدى، وأن مصر عبدالناصر لم تكن راغبة فى خوض الحرب لكن «روسيا» هى التى دفعتها دفعاً نحو الحرب بسبب مشاكل داخلية فى النظام «الروسى».
رواية مهترئة
فى رواية مهترئة تقارب الدعابة المصرية القديمة حين قال الأب لولده وهو على فراش الموت: يا ولدى اريد ان ابوح لك بسر قبل وفاتى انا لست أباك.. أنا أمك!
هكذا تقريبا جاءت الرواية الإسرائيلية التى نشرها الموقع الإخبارى نقلاً عن تسجيل صوتى مزعوم ومقتضب لمدير الموساد الإسرائيلى إبان حرب يونيو 1967 مئير عاميت. التسجيل الصوتى الذى وصفه الموقع العبرى بـ«النادر» تم حينما كان عاميت على فراش الموت وقال فيه ان «الروس» هم الذين دفعوا مصر نحو الحرب.
ويزعم التقرير ان عاميت كشف عن قيام اسرائيل بإجراء اتصالات سرية مع مسئولين كبار فى مصر فى محاولة لمنع الحرب وكان الشخص المصرى الذى أجرى تلك الاتصالات السرية اسمه محمود حبيب وكان جنرالا بسلاح الطيران المصرى مقربا من «.. وقفة صوتية» الساعد الأيمن لعبدالناصر حسب ما نُقل عن التسجيل الصوتى.
ويضيف عاميت فى التسجيل الصوتى المنقول عنه: «بطريقة ما نظموا لقاءات معه، قابلته فى أوروبا مرتين وفى لحظة معينة جاءنى وقال لى: اسمع انا ادعوك لزيارة مصر ستكون ضيفى» يواصل عاميت: نقلت هذا الكلام بالطبع لليفى أشكول وكان رئيس الوزراء حينئذ وقد قرروا ان هذا أمر خطير».
فى يد ناصر
المعروف ان مخاوف الطبقة العسكرية الإسرائيلية كانت تدور فى ذلك الوقت حول ان ناصر يخطط للحصول على رأس رئيس الموساد الإسرائيلى ولذلك اشترطت مصر ان تتم اللقاءات فى القاهرة وليس فى أوروبا، ومن ثم تم رفض الفكرة.
تقدم الصياغة الركيكة للتقرير والتى لا تتناسب مع كون محررها مراسلاً حربياً للقناة الإسرائيلية انطباعاً بأن التسجيل الصوتى هو جزء من محادثة مع الدكتور آفى يعقوبوفيتس (إعلامى شهير صاحب برنامج اذاعى وتليفزيونى) كشف فيها عاميت قبل وفاته عن التدخل الروسى فى الصراع وعن مسئوليتهم فى نشوب الحرب وعن حقيقة إمكان منع اندلاعها وأن المصريين لم يكونوا راغبين فى خوض الحرب لكن الروس لأسباب داخلية حرصوا على إشعالها.. ويضيف عاميت: «اعرف ان الصقور الروس أرادوا خلق مصدر إضافى للاحتكاك مع الولايات المتحدة بخلاف فيتنام».
ثم يمضى قائلاً: «حرب الأيام الستة هذه قصة بمفردها لقد مارسوا ضغطاً قوياً على المصريين كى يتدخلوا لكن المصريين لم يرغبوا، وناصر لم يكن راغباً وأرسل فوزى رئيس الأركان ليستطلع ما إذا كانت هناك تمركزات إسرائيلية كما يقول الروس ولم يكن ناصر متحمساً لكنه انجر إلى هذا».
مبدئيا ثمة ملاحظات استهلالية على هذه الفبركة الصحفية الإسرائيلية خبيثة الأغراض أولها أن التقرير العبرى لا يشير إلى اى تواريخ محددة، لكن من خلال سطوره يمكننا استنتاج أن إخراج هذا التسجيل المحفوف بالغموض إلى النور يأتى اليوم بعد عشر سنوات كاملة من وفاة صاحبه المنسوب اليه مئير عاميت رئيس الموساد إبان حرب 1967 فقد مات عاميت فى 17 يوليو 2009 وكان فى الثامنة والثمانين من عمره، وفى ضوء تحديد التقرير ان التسجيل الصوتى تم وهو على فراش الموت يمكننا أيضاً استنتاج ان التسجيل لو صح فقد تم عندما كان عاميت فى سن الثامنة والثمانين. هنا يبدو السؤال بديهيا: لماذا لم يخرج هذا التسجيل إلى النور فى حينه ويعتبره التقرير تسجيلاً نادراً؟
من حبيب؟
لو انتقلنا إلى الملاحظات الموضوعية فسنكتشف ان المقطع الصوتى المشار اليه خلا من أية تفاصيل تتعلق بالملابسات التاريخية والسياسية المعروفة التى واكبت اندلاع حرب يونيو اللهم إلا الإشارة إلى مسئولية الاتحاد السوفييتى عن جر مصر نحو حرب لم تكن راغبة فيها لمكايدة الولايات المتحدة الأمريكية وهنا نلاحظ استخدام المتحدث لوصف «الروس» وليس «السوفييت» كما كان مستخدماً إبان الحرب، وبأخذ عمر المتحدث فى الاعتبار وظروفه الصحية أثناء هذه المحادثة المجتزأة يمكننا التشكك فى محتوى التسجيل ودقته.
مما يعزز تلك الشكوك ذكر أسماء مصرية لا وجود لها فى أرض الواقع وقد استطلعت «الأخبار» رأى كبار الأحياء من معاصرى تلك الفترة المقربين من الزعيم عبدالناصر أو من دوائر الاستخبارات والحكم عموماً فى مصر فضلاً عن البحث الالكترونى فلم نجد أثراً للجنرال المزعوم محمود حبيب المذكور فى التقرير مما يثبت ان ثمة اختلاقا لشخصيات وأحداث لا وجود لها.
أمر غريب
الأمر الغريب الآخر أن التقرير عمد إلى نشر ما يمكن اعتباره تهجما إسرائيلياً على روسيا وإلقاء المسئولية عليها فى جر مصر إلى الحرب عبر معلومات غير دقيقة عن حشود إسرائيلية على الحدود المصرية وفى هذا تجاهل واضح للتصريحات الإسرائيلية التى كشفت عن نواياها العدوانية فى تلك الفترة لاسيما رداً على إغلاق مصر مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية. ومحاولات تل أبيب المتكررة اجراء تبادل للأسرى ومحاولة استخدام الأسرى المصريين كورقة ضغط على نظام عبدالناصر للحصول على الأسرى الإسرائيليين ورفات الموتى الذين قتلوا فى المواجهات العسكرية التى وقعت بين الجانبين قبل الحرب.
كما أن نشر التقرير فى الفترة الحالية بصيغته المعادية لروسيا يثير الكثير من علامات الاستفهام حول الغرض من هذا النشر فى وقت تحرص كل وسائل الإعلام الإسرائيلية على مهادنة موسكو وعدم استفزازها لنيل تعاونها ومباركتها لصفقة القرن الأمريكية من ناحية ولتقديم الدعم الانتخابى لنتانياهو من جهة أخرى قبل جولته القادمة فى سبتمبر.