صور| «الأذن تعشق قبل العين».. مبادرة زواج المكفوفين طريقهم لعُش الزوجية

«الأذن تعشق قبل العين».. مبادرة زواج المكفوفين طريقهم لعش الزوجية
«الأذن تعشق قبل العين».. مبادرة زواج المكفوفين طريقهم لعش الزوجية

- صيدلانية تدشن صفحة على «فيسبوك» لزواج المكفوفين.. والتفاعل عليها يمتد لخارج مصر

- بيانات الراغبين سرية.. والتواصل من خلال الأدمن.. ونصائح هامة لترتيب بيت الزوجية

- توعية للمكفوفين بجواز عرض المرأة زواجها من رجل.. والدين ساوى بين الأسوياء وذوي الاحتياجات

- خبيرة علم نفس: المبادرة تحد من الإحباط والعنوسة.. ودور العبادة والإعلام عليه دور في «الدمج»

 

زواج المكفوفين وحقهم في الإنجاب؛ أحد أهم الحقوق التي كفلها الشرع لهم؛ إذ يكونون أحوج الناس لذلك من غيرهم، فيجدون من يؤازرهم ويساندهم، ويقف إلى جوارهم، ويعينهم في قضاء حوائجهم، لذا انطلقت مبادرة اجتماعية هامة مؤخرا على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لزواج المكفوفين ودُشّنت صفحة لها تحمل ذات الاسم، تحقيقا للمثل الشعبي الشهير «يا بخت من وفق راسين في الحلال».

 

معاناة المكفوفين في الوصول لشريك الحياة، قررت أسماء الماحي، الشابة الثلاثينية، خريجة كلية الصيدلة جامعة المنصورة، والتي تعمل دكتورة صيدلانية في طنطا، أن تحلها وتُقَصّر المسافات الشاقة والطويلة عليهم، عبر تدشينها صفحة «زواج المكفوفين» على «فيسبوك» وقيامها بدور أدمن الصفحة، فتتلقى رسائل من المكفوفين والمبصرين بطلباتهم وشروطهم وبياناتهم على مدار اليوم وترد عليهم على الخاص وصولا إلى التوافق المطلوب بين الشريكين، ومن ثم إتمام الزواج.

 

 

البيانات سرية

أسماء الماحي، تقول إن بيانات الراغبين في الزواج سرية ولا يتم الإفصاح عنها، كما من يعلق على منشور برغبته في الزواج من كفيفة أو العكس من ترغب في الزواج من الكفيفات، ترد عليها «الماحي» بضرورة التواصل على الخاص، موضحة أن الهدف هو إيجاد شريك الحياة للمكفوفين وهذا ليس فضلا بل واجب - على حد وصفها.

 

 

لا فرق بين المكفوفون والأسوياء

 

تركز المنشورات على صفحة «زواج المكفوفين» على مبادئ وأفكار كثيرة أبرزها؛ أن المكفوفين لا ينقصهم شيئا عن الأسوياء، ومن فقد حاسة من الحواس الخمسة فهو يوظف باقي الحواس لتعويض ما فقده ويحقق التكامل المطلوب، كما تنتقد الصفحة نظرة الشفقة من المجتمع والتعامل معهم بحساسية والبعد عن إغضابهم، مطالبة بالتعامل معهم كالأسوياء، وأيضا تنتقد الخوف الزائد أن يكسر الكفيف شيئا أو يتلفه لأن فقد البصر ليس معناه فقد العضلات، وتؤكد الصفحة على مبدأ أن البشر متكاملون وكل فرد لديه نقص في شيء يكمله الآخر.

 

 

عرض المرأة الزواج من رجل

 

وتمتلئ الصفحة بإعلانات راغبي الزواج حتى من دول عربية كالمغرب، كما تركز على فكرة أن عرض المرأة الزواج من رجل معين فهو أمرا من مباحث الشريعة الإسلامية ولا عيب فيه إنما نظرة المجتمع هي ما يجب أن تتغير، مستشهدة بأن صحيح الإمام البخاري فيه بابا لعرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وأنه في حديث نبوي شريف أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله قائلة له «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟»، وحديث نبوي آخر عن امرأة أيضا عرضت نفسها على الرسول فطلبها لنفسه سهل بن سعد، ولم يكن لديه شيئا من المال فزوجها له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما يحفظ من القرآن الكريم.

 

 

نصائح هامة لبيت الزوجية

 

أن يجد المكفوفون شركاء حياتهم، ليس فقط ما تهدف إليه أدمن الصفحة، بل أيضا تقدم لهم نصائح لتهيئة بيت الزوجية، بأن يتم ترتيب البيت بشكل أكثر أمانا وأفضل استعمالا وأيسر بالنسبة لهم، وأن تغيير موضع الأشياء بضع سنتيمترات من مكانه الذي تعود عليه الكفيف؛ فإنه غالبا ما يظن في فقدانه، فالكفيف يستخدم يده للبحث عن الأشياء والعثور عليها، مما قد يشعره بالتيه أحيانا ما إذا بعدت ضالته عن مكانها ولو سنتيمترات قليلة.

 

فتنصح أسماء الماحي، أدمن الصفحة، بالالتزام بوضع عصاته البيضاء وميدالية مفاتيحه وحافظة نقوده وكافة متعلقاته بالطريقة التي يراها مناسبة لنفسه وفي أماكن ثابتة لا تتغير مطلقا، وتنظيم أرفف الثلاجة وأرفف المطبخ بطريقة يسهل من خلالها سحب أي طبق أو وعاء من غير تأثر الأوعية الأخرى، وذلك برص الأوعية الفارغة في المطبخ بشكل رأسي يسمح بسحب أي منها منفردا، ورص الأوعية بالثلاجة بطريقة تسمح بوجود فراغات بينية تسهل على الكفيف التمييز ما بين الأوعية واستعمال الآنية المراد استعمالها من غير لبس.

 

أما الملابس فتنصح بالالتزام بتخصيص أماكن ثابتة في أرفف دولاب الملابس بحيث توجد بين الملابس فواصل تسمح بحُرية حركة اليد وانتقاء الملبس المناسب من غير تحريك بقية الملابس، وعدم مواربة الأبواب أو الشبابيك والتأكد من فتحها تماما أو إغلاقها تماما حتى لا يصطدم بها الكفيف، وحتى تكون له الخصوصية الكاملة التي يتطلع إليها.

 

وتشير إلى ضرورة تنبيه الكفيف عند وضع أكواب مشروبات أو سوائل أو أطعمة في أماكن قد تعوق حركته أو قد يتسبب في سكبها إن لم يعرف مكانها مسبقا، وانتقاء قطع أثاث ومقابض خالية من الحواف المدببة عند شرائها، حتى لا تصيب الكفيف بأذى عند الاصطدام بها، ووضع قطع الأثاث المنزلي في جنبات الغرف المختلفة، وتجنب وضع مناضد أو مقاعد في طريق المرور من غرفة لأخرى أو من مكان لآخر.

 

وتشدد على ضرورة تأسيس مفاتيح الإنارة ومزودات الكهرباء (الفيش) على مستوى ارتفاعات ثابتة ومناسبة، حتى لا يستغرق الكفيف وقتا طويلا في البحث عن أماكنها المتباينة، حبذا لو كانت مزودات الكهرباء تشتمل على مفتاح تحكم لتشغيلها أو تعطيلها، حتى يستعملها الكفيف بأمان كامل، والحفاظ على السجاد ومفروشات الأرض مفرودة الأطراف، فبعض حواف السجادات قد ترتفع عن الأرض منثنية لأعلى، مما قد يتسبب في تعثر مشية الكفيف وهو الأمر الذي يعرضه للخطر أحيانا خاصة عند حمله صينية مشروبات أو عند اقتراب حافة مدببة قد يستند إليها بدلا من السقوط على الأرض، مما قد يصيبه بجروح.

 

وتنصح «الماحي»، بتجنب وضع عبوات الزيت والخل إلى جوار زجاجات المياه لتجنب اللبس الذي قد يحدث بينها، وتجنب ترك زجاجات المياه أو عبوات السوائل بغير غطاء محكم، حتى لا تسكب عند سقوطها جراء البحث عنها.

 

 

موقف الشرع

 

أما موقف الشرع في زواج ذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم المكفوفون؛ فيقول الطبري في تفسير الآية الكريمة «وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»، بأن الله يقول زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له، من أحرار رجالكم ونسائكم، ومن أهل الصلاح من عبادكم ومماليككم، والأيم من لا زوج له أو من لا زوج لها، ولم يفرق بأمره بتزويج الأيامى بين ذوى الاحتياجات الخاصة وغيرهم من أهل العافية، وقد يقول قائل بزواج ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون إلى النفقة والمال لأنهم يصيرون أصحاب أطفال، فالإجابة أن من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة توفير وظائف وأعمال مناسبة لهم ليكتسبوا منها أرزاقهم، كما أن لهم الحق المالي من مصارف الزكاة، وقد بين الله عز وجل أن الزواج مصدر من مصادر الرزق والغنى.

 

 

طه حسين نموذجا

 

من جانبها، ترى الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري علم النفس والعلاج الآسري، أن زواج المكفوفين ليس فيه أي ضرر، وليس شرطا أن يحدث توارث جيني لفقد البصر وأن يولد أطفالهم مكفوفون، موضحة أن كثير منهم كانوا أصحاء وحدثت لهم إصابات وحوادث وفقدوا بصرهم، والزواج حق أصيل لهم.

 

وتابعت د.«إيمان»، حديثها قائلة: «المكفوفون لديهم طاقات هائلة، ومنحهم الله الذكاء، وعوضهم بحواس آخرى كالسمع، وقدرة الاعتماد على النفس، وسرعة التعلم، والدكتور طه حسين عميد الأدب العربي كان متزوجا من فرنسية مثقفة، وكان زواجا ناجحا، وكانت تكمل الجزء الناقص لديه، وهو يكمل الجزء الناقص لديها».

 

وأشارت إلى أن الأسر المصرية قد ترفض شابا متقدما لخطبة ابنتهم لوجود نقص أو إعاقة ما فيه، متناسين أنه لا يوجد إنسان كامل، وتكون النتيجة أن يحبط الشاب نفسيا، ويتجه لمن لديه نفس الإعاقة، مشددة على أن زواج المكفوفين سيكون أكثر تفاهما، وشيئا إيجابيا، ويخلص هذه الفئة من العنوسة والإحباط وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة أن  الثقافات البالية ترفض تزويجهم من المبصرين، إلا بتنازلات وشروط بأن يكتب لها السيارة والشقة باسمها ومؤخر كبير لأنها تخدم شخص لديه إعاقة.

 

وأشارت د.«إيمان»، إلى أن الإعلام والمساجد والكنائس عليهم دور هام في توعية الجمهور بحقوق المكفوفين وصولا للدمج، وبحاجتهم للزواج وتقديم نماذج وصور ناجحة، لتغيير النظرة الاجتماعية لهم.