مهندس ومحامي وفني ورثوا المهنة..

صور| أسرار صناعة «فاكهة رمضان».. قصة أول معمل «طرشي» في السويس

طرشجي الغريب
طرشجي الغريب

لا تخلو مائدة الإفطار في شهر رمضان من طبق "مخلل"، يفتح شهية الصائمين على الطعام، ويضفي مذاقًا خاصًا على أشهى الأكلات، حتى صار تناوله طقسًا من عادات الشهر الكريم.


في شهر رمضان، ينتشر باعة "الطرشي" على جنبات الطرق، إلا أن المواطنين يفضلون شراءه من المعامل، وهي المحال التي يصنع داخلها "المخلل" بكافة أنواعه من الخضروات بداية من الخيار، وحتى الزيتون.


في السويس، تنتشر معامل "الطرشي" فبعضها أُنشئ عقب عودة المهجرين من المحافظات، وأخرى بدأت نشاطها قبل يونيو 1967، إلا أن أقدمها كان بمنطقة الغريب، والتي تمثل قلب مدينة السويس قديمًا ومهدها.

مهندس ومحامي يرثون المهنة

تشتهر منطقة "الغريب" بأقدم معمل لإنتاج "الطرشي"، وأمامه يسيطر الزحام على المشهد قبل ساعتين من انطلاق مدفع الإفطار، وداخل محل "طرشجي الغريب"، يعكف علي سليمان مهندس بشركة السويس لتوزيع الكهرباء، وابن عمه حسن عربي المحامي، وشقيقه حسين عربي -فني-، وهم أحفاد مؤسس معمل "حَدق" للحفاظ على سمعته واسمه، بتقديم أفضل أنواع المخلل وتلبية رغبات الزبائن في التشكيلات المتنوعة بالبهارات و"التحابيش" التي اكتسب أسرارها أحفاد علي سليمان الذي أسس المعمل قبل 97 عامًا.

يقول علي سليمان، إن جده أسس المعمل عام 1922، وكان أول معمل لصناعة المخلل في السويس وعرف باسم "حَدق" بين المواطنين، وكان المحل -آنذاك- من دور واحد فقط سقفه من الخشب على الطراز البغدادلي، الذي كان شائعا في السويس، وتحديدا منطقة الغريب، منذ عهد المماليك وحتى أربعينيات القرن الماضي.


ويشير مهندس الكهرباء، إلى أن والده محمد سليمان، وعمه عربي سليمان ورثا العمل عن جده، علي سليمان، وأجريا تغييرات على المكان بالدهانات وترميم الجدران، لكن السقف الخشبي المرتكز على جدران المحل، بعروق خشبية من الخارج كما هو ليدل على الطراز المعماري العريق.

يعمل طوال العام

وأوضح "علي"، أن المحل يعمل طوال العام وليس في رمضان فقط، ويقبل عليه المواطنين لشراء أنواع المخللات المختلفة، فضلا عن توزيع الأكياس الجاهزة على مطاعم المأكولات الشعبية وبعض المحال التجارية، لكن في رمضان يختلف الوضع، فطبق "الطرشي" مكون رئيسي على أي مائدة سويسية في رمضان.


ولفت إلى أنه وأبناء عمه ينتهون من أعمالهم يوميًا، وبعد صلاة الظهر يحضرون للمحل لتجهيز المخللات في علب كبيرة، كل صنف منفردًا، وكل كيس يُعبأ أمام الزبون وفق ما يشتهي من الخضروات المملحة، وتضاف إليه التوابل حسب رغبته.

وعن زبائن المحل، يتحدث حسن عربي، ويقول إنهم يترددون عليه يوميًا للحصول على كيس المخلل، والذي يختلف من شخص لآخر حسب الأذواق، وهناك من يفضل نوعًا واحدًا خاصة الخيار أو الجزر والليمون. 

بالملح فقط

ويؤكد "عربي"، أنه وأبناء عمه يحرصون على سمعة المحل وصحة الزبائن، ولذلك لا يستخدمون سوى الملح فقط في التخليل، والمصنع من شركة "النصر" للملاحات كونه ملح طعام وآمن على الصحة، ولا يدخلون أي مواد حافظة أو كيماوية في التخليل، أو حتى الملح الخشن كونه غير صحي رغم انخفاض سعرة مقارنة بملح النصر.

سر الصنعة

في صنعة المخللات سر، يحتفظ به الأبناء لتبقى منتجاتهم مميزة، وطريقة التخليل التي تحفظ الخضروات كما هي لمدة طويلة، تصل إلى سنة بحسب ما أخبرنا المهندس علي، أكبر أحفاد "سليمان"، والذي يقول إن الخيار ينضج في يومين فقط، في الصيف، لكنهم بما لديهم من خبرة يحفظونه ليبقي 8 أشهر. 


والتقط حسين علي، طرف الحديث ويقول إن اللفت والبصل والجذر والقرنبيط، والليمون تصل مدة حفظها إلى سنة مع استخدام براميل خشبية تغلق جيدًا وتوضع في مكان جاف.
حرفة انقرضت

أما عن مشكلات صنعتهم، فيتولى على سليمان الحديث ويقول، إن البراميل الخشبية هي الأفضل في التخليل، وكان يتم جلبها من مصر القديمة في القاهرة، ومع دخول الصيف والشتاء يحضر عامل ليصلح أي نتوء قد يتسبب في تسريب لكن تلك الحرفة اختفت.

"نحافظ على ما تبقى لدينا من براميل خشب ونستخدم أيضا البراميل البلاستيك"، يقول "علي"، ويوضح أن ارتفاع أسعار الخضراوات تتسبب في رفع أسعار المخللات كما ارتفعت قيمة النقل أيضا من سوق العبور بالقاهرة إلى السويس.

كيس الطرشي بـ3 جنيهات

ولم يؤثر كثيرًا على الأسعار بالمحل، فكيس المخلل يبدأ من 3 جنيهات، مع تقديم كمية مناسبة تكفي طبقًا على المائدة حرصًا لإرضاء الزبائن.

ويستهدف الورثة في الفترة المقبلة، توسعة المحل وتطويره بشكل عام ليكون معمل للتخليل ومحل للبيع، خاصة أن قطعة الأرض التي أقام عليها جده المحل كبيرة وتكفي ذلك الغرض.

مع أحفاد "سليمان"، كان محمد غريب، الذي قضى عمره في المحل، يقطع الخضروات والتي تخلل صحيحة كما هي، ويقول: "اشتغلت مع عم عربي وأخوه عم محمد، وأنا عندي 10 سنين، وشربت الصنعة منهم"

سر حفظ المخلل

وأضاف الرجل الخمسيني، أنه قضى عمره في التخليل، وينظر إلى علي وحسين وحسن، وهو يقول مبتسما: "أنا هنا من قبل المهندس والمحامي".

وعن التخليل يكشف أنه حتى يستمر الخيار بحالة جيدة مدة طويلة، لابد أن تخلل الثمرة سليمة، وتثقب بشوكة أو بإبرة سميكة، ليدخل الماء الملح إلى داخلها، ثم توضع في برميل أو وعاء وتغلق بإحكام حتى لا يدخلها الهواء.