الصين تسابق العالم بـ«الطلقة» والقطار المكهرب

القطار المكهرب
القطار المكهرب

لاشك أن السكك الحديدية في مصر عانت على مدار العقود الماضية من الإهمال الشديد فى كل الخدمات، مما جعل رحلة الركاب فيها بمثابة «رحلة عذاب»، والأسباب كثيرة منها تهالك خطوط السكك الحديدية، وغياب الصيانة الدورية وإهمال بعض السائقين، وعدم الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة المتمثلة فى كهربة الإشارات، وتحديث الخطوط وتطوير الورش، والتعاقد على توريد الجرارات والعربات الحديثة وإنشاء مشروعات جديدة مثل القطار فائق السرعة والقطار المكهرب وغيرهما من المشروعات.

هناك تجربة كانت شبيهة بالأمس بوضع السكك الحديدية فى مصر وهى التجربة الصينية، ولكن اليوم الصين أصبحت هى الأولى عالميا فى مشروعات السكك الحديدية والقطارات المكهربة والمونوريل، بل وانفتحت أيضا على العالم فأصبحت هى الدولة الأولى المصدرة لتكنولوجيا السكك الحديدية الحديثة.. وعلى مدار 10 أيام وفى 5 مدن صينية مختلفة كانت «أخبار اليوم» هناك لترصد بالكلمة والصورة كيف أصبحت الصين الأولى عالميا فى مشروعات السكك الحديدية؟.

تجولنا داخل ورش ومصانع أكبر الشركات الصينية الحكومية التى كونت تحالفا مع مصنع سيماف وشركة المقاولات المصرية سامكريت تنافس الآن تحالفات أجنبية أخرى لتنفيذ مشروع القطار السريع «العلمين - العين السخنة» الذى سيربط بين البحرين الأبيض والاحمر بمسافة تقترب من 534 كيلومترا والقطار المكهرب «السلام- العاصمة الإدارية الجديدة- العاشر من رمضان» ومشروع «المونوريل» لمدينتى السادس من أكتوبر والعاصمة الإدارية الجديدة.. تحدثنا مع المسئولين فى تحالف الشركات الصينية وأطلعنا على كل التفاصيل الخاصة بالمشروعات الجديدة التى يتطلع الجانب الصينى الى العمل فيها مع مصر.

الجولة بدأت من مدينة «نيان» الصينية التى تبعد عن العاصمة بحوالى 700 كيلو متر قطعها القطار السريع المسمى بالطلقة فى ساعتين فقط وهناك وعلى ارض الواقع تفقدنا احد الخطوط الجديدة للقطارات فائقة السرعة التى تقوم الشركات الصينية بتنفيذها.. تابعنا وشاهدنا حجم التطور والتكنولوجيا التى تستعين بها الشركات الصينية فى تنفيذ مشروعات السكك الحديدية والتى تعتمد فى الاساس على تشغيل القطارات بالطاقة الكهربائية التى تضمن سرعة القطارات وسلامة الركاب واختفاء الضجيج الذى تتسببت فيه القطارات الديزل تماما.

وهناك أكد لنا المهندس xu jianzhen مدير التسويق والعلاقات الدولية بشركة crcc14 ، إحدى شركات التحالف الصينى لتنفيذ مشروع القطار السريع بمصر ويعود تاريخ انشائها لعام 1947.. قال ان الصين بدأت تجربة القطارات فائقة السرعة عام 2002 مع بناء أول خط سكك حديدية مكهرب بين العاصمة الصينية بكين ومدينة شنغهاى ويبلغ طوله أكثر من 1500 كيلومتر وبعدها استطاعت ان تنفذ أكثر من 4 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية الأخرى فى المدن المختلفة، والآن تمتلك الصين أكبر شبكة من خطوط السكك الحديدية للقطارات فائقة السرعة على مستوى العالم. وأضاف ان شركات التحالف الصينى لم تكن منعزلة فى العمل داخل الصين فقط ولكنها انفتحت على العالم فنفذت العديد من المشروعات التنموية المهمة الخاصة بالسكك الحديدية فى العديد من الدول الإفريقية مثل مشروع القطار الذى يربط بين دولتى إثيوبيا وجيبوتى لخدمة حركة الركاب ونقل البضائع وغيرها من خطوط السكك الحديدية فى دول غرب وشمال إفريقيا، بالإضافة الى تنفيذ قطار المشاعر لخدمة الحجيج بمدينة مكة المكرمة، مشيرا إلى ان العنصر الأهم الذى تهتم به شركات التحالف الصينى فى تنفيذ المشروعات هو عنصر الأمان لأن سلامة الركاب وراحتهم هى الاساس فى منظومة السكك الحديدية.

وحول مشروع القطار السريع «العلمين-  العين السخنة» والذى تدخل الشركة ضمن التحالف الصينى فى تنفيذه قال إن الصين تتطلع بالفعل للعمل فى تطوير مشروعات السكك الحديدية فى مصر ونقل التجربة الصينية الناجحة التى تعتمد على تسخير التكنولوجيا لضمان راحة الركاب وجودة الخدمات المقدمة وعلى رأسها اختصار المسافة الزمنية للرحلة لأكثر من نصف الوقت بسبب السرعات الفائقة للقطارات.

وأوضح أن القطار السريع العلمين- العين السخنة سيكون هو المشروع الأول من نوعه فى مصر للقطارات فائقة السرعة وستزيد سرعة القطارات به لأكثر من 250 كيلومترا فى الساعة حيث سيقطع المسافة بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر فى أقل من ثلاث ساعات، بالإضافة الى ان هذا المشروع سيحقق لمصر المزيد من التنمية الممثلة فى ربط المناطق الصناعية والموانىء عبر شبكة السكك الحديدية. 

تصنيع المهمات

بعد ذلك انتقلنا إلى مدينة أخرى وهى مدينة «شيان» احدى اهم المدن الصينية التى ترتكز بها العديد من الصناعات على رأسها تصنيع المهمات الخاصة بمشروعات السكك الحديدية وهناك التقينا بـ «deng yong « رئيس مجلس إدارة شركة  cr20 التى تصنف كإحدى الشركات العالمية العاملة فى مجال السكك الحديدية، والذى أكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى استطاع تحقيق معدلات تنمية غير مسبوقة خلال السنوات الـ5 الماضية، خاصة فى مجالات الطاقة والبنية التحتية، مثل حفر قناة السويس الجديدة خلال عام واحد، وشبكة طرق جديدة، مؤكدا أن هذه المشروعات الجديدة وغيرها كانت لها نتائج جيدة فى رفع تصنيف مصر ضمن المؤشرات الاقتصادية العالمية.

وأضاف قائلا: «الرئيس السيسى شخصية جادة وذكية ويحب مصر كثيرا، ولقائى معه برفقة رؤساء الشركات الصينية الكبرى كان شرفا كبيرا، خاصة أننى وجدته يخطط لأن تكون مصر فى مصاف الدول المتقدمة فى جميع المجالات، ودائما يبحث عن التجديد والتحديث، كما يبحث عن رفاهية المصريين وتحقيق أحلامهم، وأتمنى أن يسير الجميع على قدر رغبته».

مصر والصين

وأوضح «دينج يونج» ان العلاقة بين مصر والصين علاقة استراتيجية وصداقة حقيقية، ونحن كشركات صينية نقوم على تحقيق وتكامل هذه الشراكة من خلال تنفيذ مشروعات عملاقة، ولدينا منطقة صناعية فى السخنة، وأيضا نقوم بتنفيذ القطار الكهربائى بين السلام والعاصمة الجديدة، وهذا أول مشروع من نوعه يعتمد على الجر الكهربائى فى مصر، بخلاف مترو الأنفاق، ونشارك فى مناقصة تنفيذ المونوريل والقطار السريع «السخنة - العلمين» بالشراكة مع الهيئة العربية للتصنيع، ونستعد لتنفيذ تكنولوجيا عالمية حديثة فى القطارات السريعة، بالإضافة إلى تدريب عدد كبير من المصريين والتصنيع المشترك فى بعض منتجات المشروع.

وأكد أن الصين يوجد بها أضخم شبكة سكة حديد من القطارات السريعة، إذ بلغت أطوالها نحو 30 ألف كيلومتر، شركتنا نفذت منها نحو 200 كيلو، بالإضافة إلى 2100 كيلو خارج البلاد فى إفريقيا وأوروبا وآسيا، ولذا فنحن الأكثر والأضخم فى العالم، ونمتلك تكنولوجيا عالية، ولم نسجل حادثة واحدة منذ أن انطلق مشروع القطار السريع فى 2005. وأشار الى ان مصر بحكم موقعها ومكانتها وعدد سكانها الكبير، تحتاج إلى شبكة حديثة من خطوط السكة الحديد لأن أساس التنمية هو القطارات الحديثة والسريعة، وعليك أن تقيم مردود شبكة الطاقة الجديدة فى مصر، كيف كان لها تأثير على التنمية ومشروعات الطرق الحديثة، ونحن سنتيح لها جميع أوجه التعاون والتصنيع المشترك حال فوزنا بالمناقصة، وسنقدم كل خبراتنا فى ظل الصداقة التى تجمع الشعبين.

الورش والمصانع

ذهبنا بعد ذلك إلى مدينتين من اهم المدن الصينية التى ترتكز فيهما صناعات السكك الحديدية وورش الصيانة وتصنيع وتجميع الوحدات المتحركة والعربات الخاصة بالقطار السريع.. هناك أكد لنا المسئولون انه تم تصنيع أكثر من 100 قطار سريع يربط بين الخطوط الرئيسية داخل الصين وتتعدد سرعات هذه القطارات لتتراوح بين 350 حتى 500 كيلومتر فى الساعة وأكدوا ان مصانع وورش صناعة القطارات السريعة فى الصين مملوكة للدولة بالكامل لتضمن جودة المنتج والخدمة المقدمة للجمهور الذى يتردد يوميا على هذه القطارات ولذلك اصبحت الشركات الصينية الاولى على مستوى العالم فى صناعة وانتاج القطارات فائقة السرعة حيث يتم تصدير منتجاتها إلى أكثر من 20 دولة على مستوى العالم من ضمنها مصر التى قدمنا لها حوالى 200 عربة قطار تعمل الآن على شبكة خطوط السكك الحديدية.

وأشار المهندسون المشرفون على المشروعات فى هذه الورش والمصانع إلى انهم يمتلكون أكثر من 2000 معدة حديثة لصناعة عربات القطارات تعتمد فى الاساس على التكنولوجيا وتقلل تدخل العامل البشرى فى الصناعة وبلغت قوة إنتاج هذه الورش والمصانع حوالى 960 عربة قطار فائق السرعة سنويا كلها مصنوعة من مواد مثل الالومنيوم والفولاذ المقاوم للصدأ تجعل العمر الافتراضى للقطارات يصل إلى حوالى 30 عاما. 

العلمين - العين السخنة

عدنا بعد ذلك الى العاصمة الصينية بكين لنلتقى بـ «chen zhenhe» مدير المشروعات فى الشرق الأوسط وإفريقيا بشركة «ccecc» الحكومية الصينية ليحدثنا عن التفاصيل الكاملة لمشروع القطار السريع «العلمين- العين السخنة» وقال ان فروع الشركة على مستوى العالم بلغت حوالى 67 فرعا والعمل فى الشركة الام منقسم إلى اربعة قطاعات رئيسية هى تصميم المشروعات والمقاولات العامة والبنية التحتية والتصنيع والتشغيل، مشيرا إلى ان اول مشروعات الشركة خارج الصين كان فى دولة تنزانيا فى سبعينيات القرن الماضى عندما تم إنشاء اول مشروع للسكك الحديدية هناك بطول 1860كم.

أما بالنسبة لباقى المشروعات خارج الصين فقد نفذت فروع الشركة العديد من خطوط السكك الحديدية فى إفريقيا بدول نيجيريا وإثيوبيا والجزائر والعديد من الدول الأخرى فى منطقة الشرق الأوسط وبلغت مسافات الأطوال التى تم تنفيذها خارج الصين حوالى 12 ألف كيلومتر، وتابع: أما بالنسبة لمشروع القطار السريع فى مصر فهو مشروع يمثل لنا أهمية بالغة نظرا للصداقة المشتركة بين البلدين الكبيرين ولتطلع الشركات الصينية فى مشاركة الحكومة المصرية فى تطوير السكك الحديدية، مؤكدا أن هناك العديد من المميزات  تضمنتها المناقصة التى تقدم بها تحالف الشركات الصينية مع مصنع سيماف وشركة المقاولات المصرية سامكريت للحكومة المصرية لتنفيذ المشروع أهمها مدة التنفيذ التى تصل إلى حوالى ثلاث سنوات ونقل تقنية القطارات فائقة السرعة إلى مصر، حيث ستصل سرعة القطار إلى 250 كم فى الساعة، وتدريب العمالة المصرية والتصنيع المشترك مع المصانع والشركات المصرية، على أن يكون تجميع المعدات الخاصة بالمشروع فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بالإضافة إلى العديد من المفاجآت التى سنعلن عنها فى حال فوزنا بالمناقصة الخاصة بالمشروع.