حوار| عز الدين نجيب: «مدينة الحرف التراثية» مفتاح نجاة الفنون التقليدية

الفنان الكبير عز الدين نجيب
الفنان الكبير عز الدين نجيب

عز الدين نجيب: «مدينة الحرف التراثية» مفتاح نجاة الفنون التقليدية
إنشاء مجلس أعلى للحرف التراثية يحافظ عليها من الاندثار
مصر صاحبة أكبر تراث في الحرف التقليدية لا تملك متحف للمأثورات الشعبية

«الحرف التراثية»..كنز وثروة مصرية أصيلة لم تأخذ حقها من الاهتمام والاستثمار، فنجد شعوب العالم تتهافت على مشغولاتنا اليدوية من أنسجة ونحاس وأخشاب وأصداف، ورغم ذلك المنتج التراثي المصري لم يجد حظه من العالمية.

 

يرى كبير نقاد الفنون التشكيلية وأبو الحرف التراثية وراعيها في مصر الفنان عز الدين نجيب، أن تلك الحرف هي كلمة السر التي ستفتح باب الازدهار الاقتصادي لمصر، بأيادي مصرية بسيطة، ولكنها تحتاج الكثير الذي وضحه للقارئ في حواره لبوابة أخبار اليوم..

 

لماذا غابت الحرف التراثية المصرية عن العالمية المنشودة؟
الاهتمام بالحرف التراثية ينبغي أن يكون  المشروع دولة وليس مشروع أهالي يمارسون العمل في ظروف اقتصادية خارقة مثل التي نمر بها اليوم ، واقصد بمشروع دولة أن تعتبر الدولة هذا النشاط الحرفي قناة جديدة مثل قناة السويس، قادر أن يضخ للوطن دخلا اقتصاديا لا يقل اقتصاديا عن دخل قناة السويس، ويستطيع أن يحقق أهداف معنوية أكثر من ذلك بمعنى أنه القوى الناعمة الأولى لمصر سواء بالنسبة للهوية والأصالة أو بالنسبة للرسالة الحضارية التي يمكن أن ترسلها الدولة إلى العالم كدولة ذات حضارة ممتدة عبر ألاف السنين دون انقطاع، لان الحرف التقليدية بشكل خاص لم تنقطع، حتى تحت ظل مراحل الاستعمار، إلا أن المشكلة أن الدولة لا تنظر إلى الحرف التقليدية كمشروع أمة وإنما كجزء كمالي تعطي له بعض الفتات، وتجربتي الحية مثال على ذلك فأكثر من ربع قرن وأنا أناضل سواء من خلال الوظيفة بوزارة الثقافة لمدة 20 أو من خلال جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية، لكن في النهاية وكأننا نبدأ من الصفر والسبب أن الحرف التراثية غير موضوعة على خطط أو موازنات الدولة كمشروع مؤسسي، وإنما هي كما ذكرت فتات ما بقي من مشروعات الدولة توزعها هنا وهناك.

 

هل ترى أن هناك حل يمكن طرحه لاستعادة رونق الحرف التراثية؟
بالتأكيد هناك حلول فقد تبنيت فكرة منذ أكثر من  عشر  سنوات، وقمت بعرضها على جهات مسؤولة عديدة حتى وصلت إلى اثنين من رؤساء الوزارة هما دكتور عصام شرف والمهندس إبراهيم محلب، تتلخص في أن تتبنى الدولة إنشاء  مجلس أعلى للحرف التقليدية، يتضمن صندوق لدعم هذه الحرف على مستوى الجمهورية يتشكل من مجلس أمناء من الخبراء وشيوخ الصناعات والباحثين في التراث الحرفي تكون له سلطات وصلاحيات في اتخاذ القرار والإشراف على تنفيذه بالتعاون مع الدولة وليس تحت أوامرها، يعني أن يكون ذا طابع مستقل وان كان يستفيد بمظلة الحكومة من النواحي المالية والتنظيمية، وميزانية هذا الصندوق داخل المجلس يمكن تدبير الجانب الأكبر منها من ميزانيات الحرف التي تخصصها الدولة لعدد من الوزارات بالفعل، مثل التضامن الاجتماعي والثقافة و وزارة السياحة والآثار وغيرها من الجهات، جميعها لديها ميزانيات مفترض تخصص لتنمية الحرف لكنها في الحقيقة تتسرب في مجالات أخرى والفكرة أن يتم تجميع تلك الميزانيات في صندوق الحرف بالمجلس الأعلى للحرف التقليدية.

 

وأشار عز الدين نجيب إلى أن البنك المركزي يخصص 200 مليار جنيه لدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ويطالب بدعم الصندوق من هذا المبلغ، بما يعني أن تعترف الدولة إن الحرف التقليدية هي صميم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وأرى أنه بدلا من أن تعطى هذه المبالغ كقروض شخصية لأفراد نطالب بأن تعطى بشكل جماعي كصندوق للحرف، إلى جانب ما يتم دعمه من الوزارات المختلفة يمكن أن تكون بداية مناسبة لإقامة هذا الصندوق.

 


تحدثنا عن سُبل الدعم المادي للمشروع ولكن ما هو دوره المؤثر في الحرف التراثية؟

مهمته تدريب أجيال جديدة من الحرفيين لملأ الفراغ الذي تركه الحرفيين القدامى بالتقدم في السن آو تغيير نشاطهم إلى مهن أخرى بسبب ضيق الأحوال، ومنح إعانات محدودة للعائلات الصغيرة الموجودة بالريف والصعيد، لاستعادة مشروعات البيوت المنتجة، كما كان الحال في سنوات سابقة، تحت مسمى الأسر المنتجة، يمكن بهذا الشكل إنتاج منتجات من البيئة الريفية بالاعتماد على الخامات البيئية وتشغيلها بدون الحاجة إلى استئجار محلات أو شراء معدات فهي تحتاج إلى أدوات بسيطة يستخدمها المواطنون من قديم الزمن في النسيج اليدوي على النول آو في أشغال الإبرة والتطريز وفي أشغال الخوص وأثاث الجريد ومشغولات الحجر الدقيقة لأشغال الحلي والفضة لعمل أداوت الزينة، وكل هذه المشروعات البسيطة يمكن أن يتم صنعها في البيوت وتقوم إدارة المجلس بتسويقها بعد أن تعطي تكاليف إنتاجها إلى القائمين عليها ويقام التسويق من خلال شركات خاصة بهذا النشاط لتسويق المنتجات بداخل مصر وخارجها أسوة بأغلب الدول التي تتميز بهذا النشاط إلى جانب ذلك يعني المجلس المقترح بإقامة مركز للأبحاث المتصلة بتاريخ وجماليات الحرف التراثية لتكون مرجعًا ثقافيًا ومادة للتصميمات الحديثة ليتم إنتاجها بما يتناسب مع احتياجات العصر والأذواق الحديثة، وعلى المدى الطويل يمكن للمجلس إقامة مدينة متكاملة للحرف التراثية في المكان التي سبق تخصيصه لها بمنطقة الفسطاط.


من المفترض أن وزارة الثقافة لديها "مركز للحرف التقليدية بالفسطاط" لماذا لم يقدم تلك المهمة؟

 هذا المركز أنشأته وزارة الثقافة منذ 18 سنة ووضع حجر الأساس لهذه المدينة بالفعل 2001 ولكنه ظل حتى الآن لم تبنى به طوبة واحدة، وكنت أنا من تقدم بذلك المشروع وأشرف على تنفيذه، وكان هناك دول أجنبية ستساهم في إقامته ولكنه توقف، وأرى أننا من الممكن أن نستدعي مستثمرين أجانب للمشاركة في إقامة هذا المشروع.

 

كيف ترى ملامح مشروعك "مدينة الحرف التراثية"؟
يتضمن المشروع  آماكن للترفية وللثقافة ومسرح للفنون الشعبية والفنون الاستعراضية وسينما ومكتبة عامة إلى جانب إقامة بيوت على نمط البيوت الريفية في المحافظات المختلفة مثل النوبة وسيوة والأقصر يتم استضافة أسر من هذه البيئات للإقامة والإنتاج بداخلها لفترات معينة ويتم ممارسة هذا العمل أمام الجمهور والبيع لهم بشكل مباشر، وهذا سوف يحقق عدة أهداف "اقتصاديًا وثقافيًا وسياحيًا، لان هذه المدينة سوف تكون مؤهلة لاستقبال السائحين بإقامة يوم كامل في وجود ومطاعم وأماكن ترفية، ومع كل الكفاح التي قمت به وقامت به جمعية أصالة من أجل تحقيق هذا المشروع إلا أننا حتى الآن لا نجد أذان صاغية، فإذا كان لدا الحكومة نية حقيقة لاستثمار هذا الجانب فعليها أن تبدأ من هنا.


 ختامًا .. لماذا لم نعد نملك القدرة في تمييز الأعمال التراثية لمحافظة عن أخرى وأصبحت الأعمال متشابهة لا تعبر عن بيئتها؟

السبب في هذه المشكلة هو غياب البحث العلمي والميداني الدقيق لفرز هذه الأنماط ، وبلورتها في أبحاث منشورة إلى جانب عدم وجود متحف للمأثورات الشعبية بمصر حتى الآن، ومصر التي تملك أكبر تراث في الحرف التقليدية عبر التاريخ لا تملك متحف متخصص في ذلك باستثناء ما يوجد في المتحف الزراعي وهو في حالة مزرية، فوجود المتحف إلى جانب وجود دراسات يقوم بها المتخصصون هو الكفيل بفرز وببلورة الأنماط الفنية والمنتجات الحرفية الخاصة بكل إقليم .