حكايات| بضربة فأس عمرها 22 عامًا.. قصة حب فلقت «الجبل»

 بضربة فأس عمرها 22 عامًا.. قصة حب فلقت «الجبل»
بضربة فأس عمرها 22 عامًا.. قصة حب فلقت «الجبل»

عامل فقير لكن غنى نفسه وقلبه قاده إلى واحدة من كبرى معارك الخير في العالم، حتى حفر لنفسه موقعًا غير عادي في قلب أحد الجبال، فصارت قصته الواقعية أقرب للخيال.


داشرات مانجي، عامل هندي، ضرب مثالا للحب والوفاء لزوجته، حيث كافح لمدة 22 عاما من أجل الانتقام مما حرمه منها، ولم ييأس ولم تخر همته، ولم ينس حبيبته كل تلك السنوات.


في قرية صغيرة في منطقة جايا بولاية بيهار الهندية، تلك البقعة النائية والمعزولة عن العالم تقريبا، بحكم أنه يتوجب على قاطنيها السير لمسافة 80 كيلو مترا إلى أقرب بلدة، وسط طريق وعرة حول الجبل الذي يفصل بين القرية وبين أقرب نقطة تنبض بالحياة ومظاهر العيش.

 

 

كان العاشق «داشرات مانجي» مع زوجته، ولا يملك من كنوز الدنيا سوى قلبه، وكوخ صغير جدرانه من الحب والوفاء والإخلاص والرحمة والود، وفأس صدئة كان يحطم بها لحظات اليأس، وأربع نعاج عجاف تم إدخارها للغد، ولكن أعظم ثروات العامل الهندي كانت زوجته.

 

نزيف الزوجة

 

عمل «مانجي» في أحد مناجم الفحم واعتادت زوجته على الذهاب إليه يوميًا بالطعام والشراب، واستمر الحال لسنوات، الرجل يكافح من أجل لقمة العيش، والزوجة ما زالت على إخلاصها تذهب حاملة الطعام والشراب في يدها لزوجها.

 

وفي يوم من الأيام وأثناء ذهابها إليه وخلال مرورها بأحد المنحدرات الجبلية الوعرة، انزلقت قدمها لتقع أرضًا وهي تنزف بشدة، ليتجمع قاطنو القرية حولها ويحملوها إلى منزلها ويبعثون بأحدهم لإخبار زوجها.

 

 

وما أن وصل الخبر إلى مسامع الزوج، حتى انتفض خوفا وأخذ يسابق الريح من أجل زوجته، وربما قلبه وصل قبله إلى كوخه الصغير للاطمئنان عليها، ليجدها راقدة على الفراش مثخنة بجراحها وتنزف بشدة جراء السقوط.

 

جبل الموت

 

أقرب مستشفى كان يجب أن تذهب إليه الزوجة في بلدة جاهلور الصغيرة والتي تقع بالقرب منهم، ولكن يفصل بينهما جبلا يحتاج للاستدارة حوله، ويستوجب اجتياز طريقًا وعرًا يستغرق حوالي 80 كيلو مترًا، وبالتالي تعذر على سيارة الإسعاف الوصول إليهم، وأيضًا لم يكن بمقدور أحدهم أن ينقلها، وفارقت الزوجة الحياة في اليوم التالي، متأثرة بجراحها.


رحلت الزوجة ورحل معها جزء من «مانجي»، إن لم يكن رحل كله خلفها، ولكن ظل حبها ملتصقا بقلبه دون خلاص، ظل يراها في كل شيء، لا والله ما رحلت.. هكذا كان يحدث نفسه خلال اختفائه في منزله بعد وفاتها.

 

 

ظل الرجل قابع في منزله لا يخرج ولا يحدث أحدا، بالكاد يأكل ويشرب ما يبقيه قيد الحياة، ظل هكذا حتى اهتدى إلى فكرة لتكريم زوجته، فليس هكذا ترحل؛ نعم لن أنساها، ولكني سأخلدها وأخلد حبها وسأكتب اسمها على جباه التاريخ.

 

فأس الانتقام

 

فوجئ الجيران بالرجل يخرج عليهم من كوخه حاملا فأسه الصدئ الذي كان يحطم به لحظات اليأس، ولكن هذه المرة قرر أن يحطم به ما كان سببا في وفاة زوجته، سأله الجيران: إلى أين؟؛ فأجابهم: أنا ذاهب لإزالة العائق الذي منع إنقاذ زوجي، ومضى نحو الجبل الذي يفصل قريتهم عن القرية الأخرى التي بها كل مظاهر الحياة والعيش، تاركا خلفه الجيران وهم يهمهمون آسفا عليه، معتقدين أنه أصابه لسعة من الجنون بعد فراق زوجته.

 

«مانجي»، لم يرغب أن يلقى شخص آخر نفس مصير زوجته الحبيبة، لأنه يتوجب عليه الركوب لمسافة 80 كيلو مترًا، في حين أن شق هذا الجبل اللعين سيجعل المسافة لا تتجاوز 4 كيلومترات فقط، وبالفعل ذهب إلى الجبل وبدأ في دكه بفأسه الصدأ، لم يثنه شيء عن تحقيق هدفه، فقد كان قراره نهائيا بأن ينهي ما بدأه.

 

 

ورغم صعوبة العمل وغياب أي نوع من أنواع المساعدة، وسط سخرية بعض السكان، إلا أنه استمر في العمل يوميا لمدة 22 عاما، دون أن يتسلل اليأس إلى قلبه، أو يقل فيض الحب والوفاء لزوجته قيد أنملة، بل كانت هي رفيقته خلال رحلة الـ 22 عاما، وكانت تربت على كتفه مع كل تعب يصيبه خلال شقه للجبل. 

 

انشقاق الجبل

 

في عام 1982، ضرب «مانجي»، ضربته الأخيرة في النفق الذي امتد بطول 110 أمتار وبعرض 9 أمتار وارتفاع قدره 7 أمتار، حتى أنجز مهمته بعد أكثر من عقدين من الزمن، وهكذا وبدلا من أن تقطع سيارة الإسعاف 80 كيلو مترا للالتفاف حول الجبل والوصول إلى القرية، أصبح قطع المسافة الفاصلة بين المشفى والقرية يقاس بدقائق قليلة.

 

ما أنجزه «مانجي»، دفع الولاية لمنحه قطعة أرض مساحتها 10 أفدنة تكريما له وتقديرا لجهوده، لكنه لم يتردد في التبرع بها لصالح بناء مستشفى في قريته يخدم الجميع، والذي سمي على اسمه تكريما له.

 

 

مطرقة تبعث الحياة

 

الآن تغيرت حياة القرويين في هذا البلد المعزول بمطرقة «مانجي»، فأصبح بإمكان الأطفال الذهاب إلى المدرسة، وتوافرت للكبار فرص للعثور على وظائف أفضل، وتيسر للمرضى الوصول إلى الطبيب في الوقت المناسب.

 

مات «مانجي» في يوم ١٧ أغسطس من عام ٢٠٠٧، لكن الطريق الذي شقه في الجبل مازال حاضرا في ضمير العالم أجمع، لأنه أثبت أن كلمة «مستحيل» يمكن أن تختفي تماما عندما يكون الهدف واضحا والرغبة صادقة، وأثبت مجددا مقولة أن «الحب يصنع المعجزات».

 

 

قصة «مانجي» الملهمة والمليئة بالحب والإخلاص، دفعت بوليوود إلى إنتاج فيلما سينمائيا بعنوان: «رجل الجبل» في عام 2010، يروى قصّة هذا الرجل الرائع لتكون إلهاما للأجيال القادمة في كل بلدان العالم، لتظل الهند بقعة المحبين على الأرض، بعد ما تركه ورائه «مانجي» من ميراث من العشق والوفاء، وما تركه أيضا من قبله ضريح تاج محل الذي كان بناءه نتاج لقصة عشق ملتهبة بين الإمبراطور المغولي شاه جهان وزوجته الجميلة، ممتاز محل.