من التراث الفني المصري

تقرير| «فرقة حسب الله» أول مدرسة لتعليم العزف.. مات صاحبها «مفلسًا»

فرقة حسب الله
فرقة حسب الله

«فرقة حسب الله» أسطورة حُفرت في أذهان المصريين، حيث تأسست منذ ما يقرب من 159 عامًا، وقدمت فنًا شعبيًا، صنع لمصر بصمة عالمية، إلا أن ألحانها ما زالت تضج بأفراحنا الشعبية ونفتخر بتاريخها، الذي خرج من شارع محمد علي، على يد الشاويش "حسب الله" مؤسس فرقة "حسب الله" الموسيقية، التي حُفرت في ذاكرة التراث العالمي لتعبر عن الأفراح الشعبية المصرية.

 

انطلقت الفرقة الموسيقية النحاسية من قلب شارع محمد علي بوسط القاهرة التاريخية، سنة 1860، على يد صاحبها "محمد حسب الله"، الذي كان أحد أفراد فرقة السواري، التي عملت في خدمة الخديوي عباس حلمي، لتصبح جزءاً من التراث والفلكلور المصري، حتى وصل صيتها إلى كل أنحاء العالم العربي.

 

وكان «حسب الله»، موسيقيًا محترفًا وصاحب موهبة كبيرة، حصل على الباشوية بمنطوق سامي من الخديوي إسماعيل؛ لأنه أحب موسيقي فرقة حسب الله، ومنذ تلك اللحظة ذاع سيط فرقة حسب الله، وأصبح صاحبها الباشا من الأثرياء لدرجة أن حذائه كان مصنوع من الجلد المرصع بكبسولات من الذهب.

 

«فرقة حسب الله».. أول مدرسة لتعليم العزف في مصر

وأعد الباحث د. أحمد الحفناوي، تقرير تاريخي عن فرقة حسب الله، قال فيه إن الشاويش محمد علي حسب الله، كان عازفًا متميّزًا على آلة «الكلارينيت»، واتجه إلى تكوين فرقة خاصة بمشاركة بعض زملائه من عازفي آلات النفخ الخشبية وآلات الإيقاع، وهم من العازفين الدارسين بنفس الفرقة، على أيدي أساتذة إيطاليين رفيعي المستوى، حيث كانت أول مدرسة لتعليم العزف بأسس علمية في مصر، ولا تزال بعض المدوّنات الخاصة بتلك المرحلة، والتي تم إنقاذها من حريق الأوبرا القديمة، موجودة الآن بمكتبة دار الأوبرا ومختومة بختم «تياترات خديوية».

 

وأوضح التقرير أن محمد علِى حسب الله العسكري الفنان، العصامي الذي حلم بتكوين فرقة، المايسترو وجمع رفاقه المتقاعدين وصنع بهم ومعهم كبرياء «الترومبيت» أمام «الساكس».

 

«حسب الله الأول» معشوق الأميرات

 

صار «حسب الله»، نجم زمانه وظاهرة مصر الفنية، وكان معشوقًا للأميرات في المجتمعات الراقية بمصر في ذلك العصر، فقد كان، كما وصفه أحمد الحفناوي في كتاب التاريخ والموسيقى، أنيقًا في ملابسه، معتزًّا بنفسه لدرجة كبيرة، وكان الإقبال عليه كبيرًا، والطلب له ولفرقته ينهال من طبقات المجتمع العلوية، حيث تتنافس على جلب فرقة حسب الله في حفلاتها وأفراحها، وصار موضع تنافس بين هذه العائلات ومثار أحاديث الصحف والمنتديات والصالونات.

 

حتى إن «كبسولات» حذائه الأسود الطويل كانت تُصنع من الذهب، وهناك رواية بأن الخديو في لحظة انتشاء بموسيقى حسب الله وطربًا بهذا التدفّق النحاسي لطبوله وإيقاعاته قد أطرى على محمد حسب الله عقب إحدى التشريفات أمام قصر عابدين في حفل الزفاف الشهير للأميرة «زاهية» مناديًا إياه «حسب الله باشا»، فاعتبر هذا فرمانًا بمنحه درجة الباشاوية.

 

«حسب الله الاول» اغتر بالشهرة وأضاع الثروة

 

لم يتعلَّم حسب الله من سلف ولم يتحصَّل من خبرة ولم يتسلَّم من سابقين، ولم يكن إلا هذا الفنان التعس بموهبته المنبهر بثروته، فلم يحافظ على نفسه ولم يحفظ ماله ولم يصن ثروته ولم يحصّن نجاحه، فبدّد المال واستخفّ بالعمل ونسى نفسه وفنَّه وتراجع عن دأبه واغترّ بما بلغ وقد بلع طعم القدر وداس على لغم الدنيا.

 

لم يصن هذه الثروة وأفناها بسفهٍ، فضاقت به الحال وعافَه الناس وتراجعوا عن طلبه وانتهى به الأمر إلى نهاية مأساوية، حيث توفّى مفلسًا بائسًا جالسًا أمام محلّه بشارع محمد علِى في بدايات القرن الماضي، وتم تكفينه في «جوَّال»، لكن فرقته لم تمت ولم تفنَ ولم يكفّنها أحد، لا فنًّا ولا جمهورًا ولا تاريخًا ولا خلودًا.