حوار| أشهر سفراء مصر في أمريكا: الرئيس السيسي يتحدث باسم العرب وأفريقيا

السفير عبد الرءوف الريدي خلال الحوار
السفير عبد الرءوف الريدي خلال الحوار

- العالم ينظر باحترام للإصلاحات الاقتصادية بفضل القرارات الشجاعة للرئيس
- مصر الدولة الوحيدة القادرة على توحيد الصف العربي وقيادة مستقبل القارة السمراء
- ترامب رئيس مختلف في تاريخ أمريكا وانحيازه لإسرائيل يتجاوز الاعتبارات السياسية
- تصويتنا في الأمم المتحدة يخالف ٧٠٪ من القرارات الأمريكية
- العالم يحتاج إلى عقلانية السياسة المصرية بعيدا عن طائفية إيران ومغامرات أردوغان

 

لا تبدو السياسة الأمريكية اليوم واضحة لكثير من المراقبين والمتابعين، بل إن قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبدو أحيانا صادمة حتى لرموز الإدارة الأمريكية أنفسهم، وجاءت المنطقة العربية في صدارة المتضررين من السياسات الأمريكية، وبخاصة بسبب الانحياز السافر لإسرائيل، وقد تجسد ذلك في قراري نقل السفارة الأمريكية بإسرائيل إلى القدس والاعتراف بالمدينة الفلسطينية المحتلة عاصمة لإسرائيل، ثم قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.


ووسط تلك العواصف الأمريكية تسعى مصر إلى الحفاظ على ثوابتها القومية، ودورها التاريخي في محيطها الإقليمي العربي والمتوسطي والأفريقي والإسلامي، وفي نفس الوقت تحاول الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فكيف يمكن لمصر الحفاظ على هذا التوازن الدقيق؟ وكيف تستطيع القاهرة العبور بالمنطقة إلى بر الأمان بعدما استعادت زمام المبادرة العربية والأفريقية؟ وكيف يمكن لمصر وللعرب التأثير على صناعة القرار الأمريكي لجعلها أقل انحيازا لإسرائيل؟وما أهمية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن في هذه المرحلة الدقيقة، ودورها في خدمة المصالح المصرية والعربية؟

 

أسئلة عديدة طرحناها على السفير عبد الرءوف الريدى الرئيس الشرفي للمجلس المصري للشئون الخارجية، وأحد أهم السفراء المصريين في واشنطن على مدى تاريخ العلاقات بين البلدين، والذي عرف السياسة الأمريكية عن قرب طيلة سنوات، بالإضافة إلى خبرته الدبلوماسية الفريدة في أروقة الأمم المتحدة مندوبا لمصر، وفي الجامعة العربية وغيرها من المواقع الدبلوماسية والسياسية التي جعلت منه أحد رموز الدبلوماسية المصرية العريقة.. وإلى تفاصيل الحوار:


السياسة الأمريكية طالما وصفت بأنها نتاج دولة مؤسسات، فكيف نفهم اختلاف تلك السياسة في عهد ترامب عن سائر الرؤساء الأمريكيين؟ وأين مؤسسات صناعة السياسة الأمريكية من قراراته الصادمة أحيانا؟


أولا لابد أن ندرك أن دونالد ترامب رئيس مختلف عن كل سابقيه، وأن موضوع دولة المؤسسات به بعض الالتباس أحيانا، فنحن نفهم ذلك المصطلح على أن السياسة الأمريكية تضعها المؤسسات ليأتي الرئيس لتنفيذها أيا كانت شخصيته أو سياساته، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فالسياسة الأمريكية هي محصلة تفاعل العديد من المؤسسات الأمريكية، وأهمها بالطبع البيت الأبيض الذي يمثله الرئيس، لكن هناك أيضا مؤسسات فاعلة مثل الكونجرس، والذي نلاحظ أنه لا يوافق على أكثر من ٥٠٪ من قرارات ترامب، وقصة الجدار الفاصل على الحدود مع المكسيك خير مثال، لكن رغم تلك الاختلافات، فإن الطرفين عادة ما يتوصلون إلى تسوية ما، ولابد أن ندرك اليوم أن الأغلبية الديمقراطية هي التي تقود مجلس النواب الأمريكي، وعلى رأس هذا المجلس شخصية قوية هي نانسى بيلوزى.. كما أن المؤسسة العسكرية ممثلة في البنتاجون لها دور مهم في صناعة السياسة الأمريكية، وكذلك مراكز البحث والفكر والتي تختلف انتماءاتها بحسب التوجه السياسي لكل منها، وبعضها تابع لمؤسسات بعينها، وهناك أيضا المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية وبه أعضاء بارزون من رموز السياسة الأمريكية مثل هنرى كيسينجر وريتشارد هاس وغيرهما، ولا يمكن أن نغفل دور وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وبخاصة الصحف الكبرى مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز.

 

ولكن هل تفرض شخصية رئيس مثل ترامب نفسها على كل تلك المؤسسات رغم أهميتها وقوتها؟


نعم شخصية الرئيس يمكن أن تلعب الدور الأكبر في توجيه الكثير من القرارات، وقد تصدر بعض تلك القرارات دون اتفاق مع المؤسسات المعنية، مثلما رأينا في قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، والذي استقال على إثره وزير الدفاع، لكن في المقابل لا يمكن أن نغفل أهمية التواصل مع مختلف مؤسسات صناعة القرار الأمريكي لأنها في بعض الأحيان تكون بيدها كلمة الحسم في بعض القرارات، وأتذكر خلال عملي سفيرا لمصر في الولايات المتحدة، وأثناء المفاوضات الشاقة لإسقاط الديون العسكرية الأمريكية على مصر، والتي تجاوزت في ذلك الوقت ٧ مليارات دولار، كنا نعمل عن قرب مع اللجان المعنية في الكونجرس، ليس فقط على مستوى رؤساء تلك اللجان، ولكن حتى على مستوى صغار الموظفين ومساعدي النواب، وكنت أقسم فريق السفارة ليكون كل واحد من أعضاء الفريق مسئولا عن التواصل مع مجموعة من النواب ومساعديهم، وكذلك التواصل مع مراكز البحث والفكر لنعرف توجهات السياسة الأمريكية تجاه مصر، والحمد لله وبفضل هذا الأداء الجماعي نجحنا في واحدة من أهم معارك الدبلوماسية المصرية وأسقطنا الديون العسكرية، وكان ذلك مقدمة لإسقاط ديون أخرى من جانب الدول الصديقة لمصر في تلك الفترة، الأمر الذي خفف كثيرا من الأعباء عن كاهل الاقتصاد في تلك الفترة.. بل إننا نكون أحيانا بحاجة إلى التواصل مع مؤسسات غير رسمية مثل جماعات الضغط، وقد حاولنا خلال فترة عملي في واشنطن أن نوطد العلاقات مع «لوبيات» يمكن أن تكون داعمة لمصر مثلما يدعم اللوبي اليهودي المنظم جدا والمنتشر في كل مفاصل المجتمع الأمريكي إسرائيل، وبدأنا بالفعل التعاون مع لوبى الأمريكيين من أصول أفريقية، وكان لذلك اللوبي حضور قوى في الكونجرس وله ٣٥ نائبا، كما ينتمي إليه العديد من الشخصيات الفكرية والثقافية المهمة.. وبالتالي فإن أي سفير لمصر في كل عواصم العالم يكون تواصله الرئيسي مع وزارة الخارجية، بينما السفير المصري في واشنطن يكون عليه إدارة منظومة متكاملة من الاتصالات مع العديد من المؤسسات الفاعلة، ومن المهارة ألا تبدأ الاتصال مع تلك المؤسسات عندما تحتاجها، بل المهارة الحقيقية هي أن تبنى علاقات مستمرة مع تلك المؤسسات لتجدها عندما تكون بحاجة إليها.


الانحياز الأمريكي


نعرف جميعا أن انحياز السياسة الأمريكية لإسرائيل أكبر من الانتماءات الحزبية في الولايات المتحدة، لكن كيف نفهم كل هذا الانحياز السافر من جانب ترامب للمصالح الإسرائيلية بما يفوق ما فعله أي رئيس قبله؟


أتفق معك تماما في أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل يتجاوز فكرة الانتماءات الحزبية، فلا يوجد فارق بين رئيس جمهوري أو ديمقراطي إذا تعلق الأمر بمصلحة إسرائيل، لكن ورغم ذلك فلا ينبغي أن ننسى العديد من المواقف المهمة لرؤساء أمريكيين استطاعوا اتخاذ قرارات مصيرية وقفت في وجه الأطماع الإسرائيلية، منها مثلا موقف الرئيس أيزنهاور خلال العدوان الثلاثي على مصر، والذي وقف بحسم وطالب بانسحاب قوات دول العدوان من مصر، ولا ننسى أيضا مواقف لجورج بوش الأب، والذي كان لديه موقف صارم ضد الاستيطان الإسرائيلي، وربما نتيجة هذا الموقف خسر معركته للفوز بولاية ثانية أمام بيل كلينتون.. ومن المهم أن نعرف أن أسلوب ترامب في إدارة سياسة بلاده وبخاصة تجاه المنطقة العربية وانحيازه السافر للمصالح الإسرائيلية لا يقوم فقط على اعتبارات سياسية، ولكنه يقوم أيضا على اعتبارات دينية، فالكتلة الرئيسية التى يعتمد عليها ترامب وكانت أحد أسباب فوزه في الانتخابات هى كتلة اليمين المسيحي المتشدد، وهذه الكتلة ترى أن دعم إسرائيل مسألة دينية وليست سياسية فقط، فهى تؤمن بأن إسرائيل أرض الميعاد وأن المسيح المخلص سيخرج منها، وغير ذلك من التصورات الدينية التى تمجد إسرائيل، فضلا عن إيمان تلك الكتلة بتفوق العنصر الأبيض، لذلك نجد أن تلك الكتلة ترفض كل السياسات الليبرالية التي جاء بها الرئيس أوباما على سبيل المثال، كما تتخذ مواقف متشددة في مسألة الهجرة، لذلك نجد تلك الكتلة تسقط التصورات الدينية على القرارات السياسية، وهى للأسف مؤثرة للغاية على طبيعة قرارات ترامب، كما كان لها الدور الأكبر في فوزه بالانتخابات الرئاسية.

 

ولكن قرارا مثل الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، ألا يعد قرارا خارجا عن كل ثوابت السياسة بل ويضر بالمصالح الأمريكية نفسها؟


- بالتأكيد، فهذا القرار لا يقوض السياسة الأمريكية فحسب، بل يقوض النظام الدولي كله، فالنظام الدولي المستقر منذ عام ١٩٤٥ والذي كانت الولايات المتحدة نفسها من أرست دعائمه من خلال تكوين عصبة الأمم، ثم صياغة ميثاق الأمم المتحدة وإنشاء المنظمة الدولية الأهم، واستضافت مقرها في نيويورك، هذا النظام يقوم على عدم استخدام القوة لفرض إرادة الدول، وهذا ما تنص عليه المادة ٢ من ميثاق الأمم المتحدة، كما يرفض هذا الميثاق الاعتراف بأي حيازة أو سيطرة لدولة ما على أرض دولة أخرى بالقوة، لكن قرار ترامب بشأن الجولان يحطم كل تلك القواعد، ولذلك أقول إنه يقوض النظام الدولي كله، ويذهب بالعالم إلى وضع خطير، لكن للأسف كما أوضحت سابقا فإن قرارات ترامب وبخاصة فيما يتعلق بإسرائيل تنطلق من تصورات كتلة اليمين المسيحي المتشدد التي تؤيده بالحق وبالباطل، ولا يعنيهم في شيئ مبادئ النظام العالمي أو حتى المصالح الأمريكية.


كما ينبغي أن نفهم أن ترامب رجل صفقات وليس رجل مبادئ، وهو يحترم بشدة القوى، ويرى الآن إسرائيل هي المتفوقة تكنولوجيا والأكثر استقرارا، بينما العرب مفككون ومشتتون وغير قادرين على اتخاذ موقف موحد فيما بينهم، بل إن بعضهم مثل قطر على سبيل المثال تعمل ضد المصالح العربية وتدخل في صراعات حادة ضد دول عربية شقيقة لها، بل وحتى الفلسطينيون أصحاب القضية الأصليين غير موحدين ومنقسمون على أنفسهم، ومن هنا تأتى أهمية الدور الذي تلعبه مصر في إعادة التماسك العربي، وتوحيد المواقف العربية، لأن التشتت والتفكك أديا بنا إلى الوضع الراهن الصعب الذي تعيشه المنطقة العربية.

 

زيارة الرئيس


الحديث عن دور مصر يدفعني إلى السؤال عن أهمية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة، كيف تنظر إلى تلك الزيارة ودورها في تعزيز الرؤية المصرية والتخفيف من حدة المواقف الأمريكية تجاه المنطقة؟


الدور الذي تقوم به مصر بقيادة الرئيس السيسي دور بالغ الأهمية في توقيت دقيق وصعب للغاية، ويجب أن ندرك أن الدور المصري الراهن لا يقتصر فقط على الساحة الداخلية، بل يحاول إعادة التماسك إلى الساحة العربية والأفريقية أيضا، ولعل الجولة الأفريقية التي سبقت زيارة واشنطن تحمل رسالة مهمة للغاية، فالقمة بين السيسي وترامب تأتى بعد أسابيع قليلة من القمة العربية الأوروبية التي استضافتها مصر، وبعد أيام من القمة العربية التي شارك فيها الرئيس السيسي بتونس، وفي ظل الرئاسة الحالية لمصر للاتحاد الأفريقي، وهذه كلها رسائل مهمة تشير إلى أن مصر لا تتحدث باسمها فقط، لكنها تتحدث باسم العرب وأفريقيا أيضا، وقد كان ذلك دوما دور مصر التاريخي، لكن الظروف الصعبة والانقسامات العميقة التي تعانيها المنطقة، تمنح دور مصر قيمة إضافية.


ويجب ألا نغفل أن النظرة العامة لمصر في الولايات المتحدة وفي العالم صارت أفضل، فمنذ آخر زيارة للرئيس السيسي إلى واشنطن في أبريل ٢٠١٧ تغيرت الكثير من الأمور في مصر إلى الأفضل، فتجربة الإصلاح الاقتصادي صارت أكثر استقرارا وبدأت تؤتى ثمارها بفضل القرارات الشجاعة والجريئة للرئيس السيسي، فهو لم يكتف بعلاجات سطحية لمشكلاتنا الاقتصادية، بل يعالج تلك المشكلات بطريقة جذرية، رغم بعض القرارات الصعبة التي كانت ضرورية، وهذا التطور يضع مصر كقوة اقتصادية صاعدة في المنطقة، وهو ما يستقطب الاهتمام الأمريكي.. وقد حققت مصر أيضا نجاحات كثيرة في مجال مكافحة الإرهاب على كافة الجبهات في سيناء وفي تأمين الحدود الغربية، وفي تأمين الداخل والعمق المصري من الهجمات الإرهابية رغم كل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا كله يدفعنا إلى القول إن الدولة المصرية تعود بقوة، وإن مصر بموقعها الاستراتيجى ودورها التاريخي الذي أيدته ودعمته حقائق التاريخ خلال القرون الثلاثة الأخيرة، تعود لتلعب دورها في العالم بعدما تصور كثيرون أن الدولة تفككت وانهارت، لكنها تعود وبقوة، ليس فقط على المستوى الوطني، بل وعلى المستويات العربية والأفريقية والمتوسطية من خلال التعاون الوثيق مع اليونان وقبرص، والذي يتميز حقيقة بالإبداع في إدارة علاقات مصر الخارجية.

 

رغم متانة العلاقات المصرية الأمريكية واعتبارها من كل الجانبين علاقات استراتيجية، لكن ذلك لم يحل دون وجود نقاط خلاف في الرؤية والمواقف بين القاهرة وواشنطن، وخاصة في ظل القرارات «الترامبية» الأخيرة.. كيف يمكن أن نفهم ذلك؟


متانة العلاقات المصرية الأمريكية ينبغي ألا تفهم على أنها تماثل في المواقف أو السياسات، فكل طرف يقيس وينظر إلى الأمور من منظور مصلحته، والحقيقة أن المصلحة الوطنية المصرية هى بوصلة تحرك السياسة الخارجية المصرية دوما، وبالتالي تحدث أحيانا اختلافات في وجهات النظر والمواقف مع واشنطن، لكن مادمنا ندير سياساتنا بطريقة عقلانية وهادئة وبشكل متوازن فإن الشريك الأمريكي سيتفهم المواقف والاختلافات في وجهات النظر، ولو راجعنا على سبيل المثال مدى التوافق بين التصويت المصري والتصويت الأمريكي في الأمم المتحدة على سبيل المثال سندرك أن تقريبا ٧٠٪ من التصويت المصري يناقض القرارات الأمريكية، لكن رغم ذلك هناك احترام متبادل، وهناك بحث عن مساحات التعاون وإرادة قوية لتعزيزها وهذا هو المطلوب.. ومصر أثبتت حضورها وجديتها وفاعلية وجودها في العديد من الملفات الكبرى في المنطقة، في مكافحة الإرهاب على سبيل المثال، وفي الملفين الليبي والفلسطيني لا يمكن إحداث أي اختراق حقيقي دون الاعتماد على الدور المصري، وعلى المصداقية والثقة التي تحظى بها الدبلوماسية المصرية من مختلف الفرقاء في تلك الملفات.

 

الدور المصري


وكيف تنظر الولايات المتحدة والعالم إلى الدور المصري في ظل صعود قوى إقليمية أخرى تحاول أن تجد لنفسها مساحة للفعل في المنطقة؟


- بالفعل الفترة الماضية التى عاشتها المنطقة العربية كانت صعبة للغاية، وقد أدت إلى بروز قوى إقليمية غير عربية مثل إيران وتركيا، وبدورها ساهمت تلك القوى في تعقيد الكثير من مشكلات المنطقة، ولذلك فإن العالم كله وليست الولايات المتحدة فقط بحاجة إلى الدور المصري العقلاني والهادئ والمعتدل، الذي يقدم نفسه للعالم بثقة كقوة سلام وتوازن وبالتالي يمكن للعالم ان يراهن عليه، دون الحاجة إلى طائفية ومذهبية إيران، أو أيديولوجية تركيا في عهد أردوغان ودعمها للقوى الإسلامية، وبالتالي الدور المصري المعتدل والمتوازن الذي تحركه المصلحة الوطنية المصرية والثوابت العربية هو الدور المطلوب دوليا في منطقة منقسمة على نفسها، وباتت مشاكلها خطرا على العالم كله، ولم تعد تقتصر على المحيط الإقليمي وحسب.

 

الرئيس الفسطينى محمود عباس قال في كلمته أمام القمة العربية أن القادم أمريكيا أسوأ، خاصة في ظل ما يتردد عما يسمى بـ«صفقة القرن».. كيف ترى ذلك؟


- أولا لا أحد يعلم على وجه التحديد ما هي صفقة القرن التي يتردد الحديث عنها من حين إلى آخر، وكل ما لدينا هو مجرد تسريبات وبالونات اختبار لا يمكن الاعتماد عليها سواء في التحليل أو اتخاذ المواقف، أما بالنسبة للأسوأ فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فقد بدأ يتحقق بالفعل، فنتانياهو يستغل وجود ترامب في البيت البيض للحصول على أكبر مكاسب ممكنة لصالح سياسته الاستيطانية، وبالفعل أعلن عن ضم أراض من الضفة الغربية للمستوطنات، وهذا لم يكن ليحدث لولا الدعم الأمريكي والتشرذم الفلسطيني والعربي، ويجب أن نعترف أن الآفة التاريخية التى تعانيها القضية الفلسطينية هى الانقسام الفلسطيني، فأنا أذكر أنني سألت يوما الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وكان قبلها قنصلا عاما في القدس عام ١٩٤٢ عن رؤيته للمشكلة الفلسطينية فأجاب بأن الانقسام الفلسطيني هو السبب الرئيسي، ليس فقط على مستوى الفصائل كما نرى اليوم، بل وحتى في تلك الفترة المبكرة من الأزمة، والوقت الوحيد الذي توحدت تلك الفصائل كان تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، لكن خرجت «حماس» عن ذلك الإجماع الفلسطيني، وبالتالي فإنهاء الانقسام الفلسطيني بداية التصدي الحقيقي للأطماع الإسرائيلية سواء في ظل صفقة القرن أو غيرها، وهو ما تدرك مصر أهميته وتسعى إلى تحقيقه بكل السبل.

التأثير العربية


وفي رأيك.. ماذا بقى للعرب من أوراق للتأثير على السياسة الأمريكية لجعلها أقل اندفاعا لصالح إسرائيل؟


أول ورقة وأقوى ورقة نملكها كعرب للدفاع عن مصالحنا هي وحدتنا وتماسك مواقفنا، أو على الأقل تحقيق نسبة كبيرة من المواقف تجعلنا نبدو ككتلة متماسكة أمام العالم، وللأسف الواقع العربي منقسم للغاية حاليا، حتى على المستوى الخليجي الذي كان دائما مثالا لتنسيق المواقف يعانى من انقسام حاد نتيجة السياسات القطرية، لكن رغم ذلك أعتقد أن عودة القيادة المصرية لممارسة دورها القومي والتاريخي يمثل بادرة أمل مهمة في هذا السياق، فالعرب تدريجيا يعودون للالتفاف حول مصر، وهذا تحرك إيجابي جدا، ومصر هي الدولة الوحيدة القادرة على جمع الشتات العربي، رغم كل مشكلاتها الداخلية، والتي تسير بخطى ثابتة نحو حلها، ومن المهم أن يستعيد العرب زمام المبادرة في حل مشاكلهم، وساعتها سيمتلكون القدرة على إدارة علاقاتهم الإقليمية والدولية بصورة أفضل، وبالتالي التأثير في القرار العالمي عامة وعلى الساحة الأمريكية خاصة.


كما يجب أن يمتلك العرب أسباب القوة الحقيقية المتمثلة في العلم والتكنولوجيا، وأعتقد أن اهتمام الرئيس السيسي واضح في هذا المجال من خلال بناء قاعدة علمية حقيقية والاهتمام بإعادة بناء الإنسان المصري من خلال محاور الصحة والتعليم والثقافة، وهذه مسألة مهمة للغاية، فالهند على سبيل المثال استغلت علاقاتها مع الولايات المتحدة للحصول على دعم علمي ساعدها في تطوير قدراتها الذاتية حتى أصبحت اليوم واحدة من اهم القوى الصاعدة عالميا، ومصر رغم كل الإرث المتراكم من المشكلات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لكنها تسير بإرادة حقيقية نحو التقدم وبناء قدراتها الذاتية، وهذا نهج مهم جدا على العرب جميعا أن يسعوا إلى التجاوب معه.

في هذا الشأن أنت تقوم بدور بالغ الأهمية في خدمة المجتمع من خلال رئاستك لمجلس إدارة مكتبات مصر العامة، كيف يسهم الدور التنويرى للمكتبة في خدمة بناء الإنسان المصري والمكافحة الفكرية للتطرف والإرهاب؟


الدور التنويرى لمؤسسات الفكر وصناعة الثقافة مسألة في غاية الأهمية، وكذلك دور النخب المثقفة في دعم الهوية الوطنية ومكافحة الإرهاب والتطرف، وللأسف المكافحة الفكرية للإرهاب لم تبدأ فعليا حتى الآن، ولا يمكن مقارنتها مع الجهود العسكرية والأمنية الكبيرة في هذا الشأن، ونحن بحاجة إلى منظومة متكاملة لنشر مؤسسات الثقافة وبناء الوعى في كافة ربوع مصر، ونحاول جادين من خلال مكتبات مصر العامة أن نقوم بذلك الدور، فنحن الآن لدينا ١٧ مكتبة، وبنهاية العام سنفتتح مكتبتين جديدتين، ولدينا طموح أن تكون لدينا ألف مكتبة في مختلف المحافظات، فمصر بها الآن مكتبة لكل ٢ مليون مواطن، في حين أن دولة مثل الهند لديها مكتبة عامة لكل ٢٧ ألف مواطن فقط، وقد أسهمت تلك المكتبات كما أشرت في بناء النهضة العلمية والتكنولوجية في الهند وهى دولة تبدو ظروفها مشابهة لنا، فنحن بحاجة إلى جهد عظيم في هذا الشأن، وكم كانت سعادتي بإعلان الرئيس السيسي في خطابه أمام البرلمان خلال أداء يمين الفترة الرئاسة الثانية بالتركيز على أولويات بناء الإنسان المصري، ومنها الثقافة، فهذه هي السبيل الأهم لبناء المستقبل.