ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب من واشنطن: حقائق وأكاذيب حول قمة الثلاثاء بين السيسي وترامب

ياسر رزق
ياسر رزق

ليست زيارة مفاجئة، تلك التي يبدؤها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن ظهر الإثنين بتوقيت العاصمة الأمريكية.

 

قبل شهر تقريبا، تلقى الرئيس دعوة رسمية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيام بزيارة رسمية للولايات المتحدة، هى الثانية للرئيس السيسي منذ تولى منصبه قبل 58 شهرا مضت، ومنذ تولى الرئيس ترامب الرئاسة قبل 27 شهراً مضت، وهى أيضا تواكب مرور عامين بالضبط على زيارة الرئيس الأولى لواشنطن.

 

خلال الأسابيع الأربعة الماضية، جرت اتصالات مكثفة بين العاصمتين للترتيب لهذه الزيارة، وكان آخرها في الزيارة السريعة التي قام بها سامح شكري وزير الخارجية إلى واشنطن الأسبوع الماضي، وعلى إثر الاتصالات تحدد موعد القمة المصرية الأمريكية لتنعقد الثلاثاء المقبل في البيت الأبيض.

 

في حين ظلت الملامح الأخيرة لجدول الأعمال قيد البلورة، في ضوء تعديلات تطرأ عليه بالزيادة والإضافة، حتى قبيل سفر الرئيس السيسي بساعات.

< < <

قمة الثلاثاء بين السيسي وترامب هى اللقاء السادس بين الرجلين.


ثلاثة من هذه اللقاءات جرت في نيويورك.


بالتحديد في فندق «بالاس» حيث مقر إقامة الرئيس السيسي خلال مشاركاته السنوية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

كان اللقاء الأول في يوم 19 سبتمبر عام 2016، أي قبيل خمسين يوماً من إجراء الانتخابات الأمريكية.

 

يومها، التقى السيسي مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، مباشرة قبل لقائه مع المرشح الجمهوري ترامب.

 

في اللقاء الأول بين الرجلين، فعلت الكيمياء الشخصية تفاعلاتها، في تأسيس علاقة صداقة وطيدة، زادتها رسوخاً مشاعر تقدير متبادل من جانب ترامب لموقف السيسي من قضية الإرهاب وتجديد الخطاب الديني، ومن جانب السيسي لصراحة ترامب في تناول الموضوعات والحديث دون لف أو دوران، كذلك لاحترامه لمكانة مصر وحرصه على دعمها في شتى المجالات.

 

لذلك لم يكن غريباً، أن يخاطب كل منهما الآخر في المحادثات أو أمام الصحفيين قائلاً: «صديقي العزيز».

 

وبات اللقاء بين السيسي وترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة في شهر سبتمبر أمراً يحرص عليه الرئيسان، والتقى الرجلان عامي 2017 و2018، برغم انشغال جدول أعمال الرئيس الأمريكي الذي تستضيف بلاده عادة في تلك الاجتماعات السنوية عدد 150 زعيما عالمياً.

 

والتقى السيسي وترامب في الرياض خلال انعقاد القمة الدولية لمكافحة الإرهاب في مايو عام 2017، بعد شهر واحد من قمة واشنطن الأولى بين الرئيسين.

 

< < <

 

بجانب تلك اللقاءات الخمسة، وسادسها يوم الثلاثاء المقبل، تبادل الرئيسان عشرات من الاتصالات التليفونية والرسائل الخطية والشفهية عبر مبعوثين، للتشاور حول عديد من القضايا والمستجدات.

 

وكان الرئيس السيسي هو ثاني زعيم دولة يتلقى ترامب مكالمته للتهنئة بعد فوزه بانتخابات الرئاسة.

 

وليس سراً أن الرئيس السيسي كان يتوقع فوز ترامب منذ لقائهما الأول قبيل قرابة شهرين من إجراء الانتخابات.

 

وأذكر حينما سألت الرئيس السيسي عن سبب هذا التوقع، وكان ذلك قبل 4 أيام من حفل تنصيب ترامب، أنه قال: «نعم.. كنت أتوقع ذلك، وكان تقديري مبنيا على أنه لمس بصراحته وصدقه عقل وقلب المواطن الأمريكي».

 

معروف عن السيسي صحة توقعاته وسلامة تقديراته.

 

منذ 13 عاماً.. أنهى العميد أركان حرب عبدالفتاح السيسي دراسته في كلية الحرب العليا الأمريكية وحصل على درجة الزمالة في الإستراتيجية العسكرية.

 

وكان موضوع بحث إجازة الزمالة عن «الإسلام السياسي والحكم في الشرق الأوسط».

 

وأذكر في ربيع عام 2012، أنني كنت في زيارة للواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية في ذلك الوقت بمكتبه في مقر القيادة المشتركة، وكان معه اللواء دكتور محمد سعيد العصار مساعد وزير الدفاع، وجاءت زيارتي بعد دقائق من مغادرة السفيرة الأمريكية (آنذاك) آن باترسون مكتب السيسي، وعلمت أن أول ما قالته باترسون للسيسي: «أود أن أسألك يا جنرال كيف تنبأت بوصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في شمال أفريقيا؟!»

 

< < <

 

هذا إذن، هو اللقاء السادس بين السيسي وترامب.

 

غير أنه اللقاء الأول بينهما الذي تسبقه سحابات غبار إعلامية كثيفة تسود فيها روائح الأكاذيب والافتراءات على ما عداها من أشباه معلومات وأنصاف حقائق!

 

- حينما أعلن البيت الأبيض عن عقد قمة بين ترامب والسيسي يوم الثلاثاء 9 إبريل، سارعت صحف ومحطات تليفزيون إلى الزعم بأن القمة ستعقد بمناسبة مضي 40 عاماً على توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية «مرت هذه الذكرى في 26 مارس الماضي»، وزاد البعض من مزاعمه قائلاً: إنها قد تتسع لتضم بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، ناسياً أن نتنياهو كان في زيارة لواشنطن قبلها بأسبوعين، وأن موعد القمة المصرية الأمريكية يأتي عشية الانتخابات العامة الإسرائيلية.

 

- رددت بعض وسائل الإعلام أن الهدف من القمة المصرية الأمريكية، هو تقديم الجانب الأمريكي مشروعه للسلام المسمى إعلامياً بـ«صفقة القرن»، لتتولى مصر «تسويقه» فلسطينياً لدى فتح وحماس والفصائل الأخرى، عندما تتهيأ الأجواء إسرائيلياً بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية التي يعتقد على نطاق واسع أنها ستكون في صالح نتنياهو. وهذا الافتراء لا يحتاج إلى كثير من ذكاء لتفنيده، ويكفي مطالعة مواقف مصر تجاه القرارات الأمريكية بشأن القدس ثم الجولان، ومواقفها الثابتة غير القابلة للتغيير من القضية الفلسطينية، للتأكد من كذب مروجي الافتراءات.

 

- الأشد وقاحة في تلك الأكاذيب، هو ما تلاقت عليه وسائل إعلام إخوانية وأخرى إسرائيلية «كصحيفة جيروزاليم بوست» من ادعاء بأن الزيارة تستهدف كسب التأييد لـ«التعديلات الدستورية»!

 

ولم يفسر لنا هؤلاء، لماذا لم تتم الزيارة قبل طرح التعديلات إذا كان الغرض منها «كسب التأييد»، ثم هل يحتاج «كسب التأييد» إلى زيارة رئاسية؟!

 

تلك الأكاذيب ومطلقوها لم تجد صدى لدى الرأي العام، لاسيما أنه يعرف أن «الاستئذان» و«نيل الرضا» على القرار الوطني، ليس من أبجديات سياستنا الخارجية وليس من مفردات قاموس السيسي الذي أقدم شخصياً على خرق نواميس التعامل مع القوى العظمى، عندما أطلق بيان الثالث من يوليو عام 2013، دون تلميح لأحد أو إشارة، ودون استئذان من أحد.. لا أمريكا ولا غيرها.

 

< < <

 

غداة وصوله إلى واشنطن، يلتقي الرئيسان السيسي وترامب في البيت الأبيض ظهر بعد غد في مباحثات قمة، تمتد على مأدبة غداء يقيمها الرئيس الأمريكي تكريما للرئيس السيسي والوفد المرافق له.

 

4 ملفات رئيسية يشملها جدول أعمال قمة السيسي وترامب:

 

- العلاقات الثنائية خاصة في المجالات الاقتصادية والعسكرية، وسبل تعزيز هذه العلاقة في إطار الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وسوف تكون هناك فرصة للنقاش حول توسيع التعاون في المجالات التجارية والاستثمارية، لاسيما أن الزيارة تواكب مرور 40 عاماً على تأسيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي.

 

- مكافحة الإرهاب وتدعيم التعاون بين البلدين في هذا المجال، والمتوقع أن يعرض الرئيس لما تحقق من إنجاز على صعيد العملية سيناء وتفكيك الجهاز العصبي لجماعات الإرهاب في شمال سيناء.

 

- مشكلات المنطقة وعلى رأسها تطورات الوضع بليبيا في ظل العملية التي بدأت لتحرير طرابلس، وكذلك الموقف في سوريا، والمتوقع أن تجدد مصر خلال مباحثات القمة موقفها المعارض للقرار الأمريكي الخاص بالاعتراف بـ«سيادة» إسرائيل على الجولان، وسوف تقدم مصر تقديرها للآثار الوخيمة التي يرتبها هذا القرار على استقرار المنطقة وأمنها.

 

- قضية السلام في الشرق الأوسط، والمتوقع أن يؤكد الرئيس على موقف مصر المعروف من القضية الفلسطينية وتحقيق السلام القائم على حل الدولتين مما يؤدي لإنشاء دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في حرب يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك بغض النظر عن انتهاء الولايات المتحدة من بلورة مشروع ترامب للسلام الذي يسميه الإعلام بـ «صفقة القرن» ويسميه هو بـ «اتفاق نهاية المطاف»، أو عدم انتهائها منه أو إرجائها له.

 

< < <

 

لا تقتصر زيارة الأيام الثلاثة للرئيس السيسي إلى واشنطن على قمة الثلاثاء مع الرئيس ترامب، فهناك عدد من اللقاءات المتوقع أن يجريها الرئيس خلال أيام الزيارة تشمل وزير الخارجية بومبيو، ومستشار الأمن القومي بولتون، ووزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان، ووزير التجارة ويلبر روس.


ومن المقرر أن يقيم الرئيس السيسي خلال زيارته لواشنطن في قصر «بلير هاوس»، تعبيراً عن الحفاوة ومظاهر الترحاب التي تحرص إدارة ترامب على أن تحيط بها زيارة الرئيس للولايات المتحدة.

 

وسألت مسئولاً مصرياً رفيع المستوى قبيل سفر الرئيس عن تقييمه للعلاقات المصرية الأمريكية في عهد ترامب بالأخص في مسار التعاون الثنائي، قال: لا توجد أي شائبة تعلق بهذا المسار أو عقبة تعرقل هذا التعاون، برغم وجود اختلافات في شأن موضوع الجولان ومن قبله قضية القدس، بل هناك رغبة مشتركة في تعزيز هذه العلاقة، وهناك مسعى ملموس من جانب إدارة ترامب لتصحيح أية مواقف حتى داخل الكونجرس تجاه الإدارة المصرية.