مدافن الـ 5 نجوم.. «موتة تشرح القلب»!

مدافن الـ 5 نجوم
مدافن الـ 5 نجوم

الإعلانات منتشرة في كل مكان.. والأسعار من 400 ألف إلي مليون جنيه حسب المكان والتشطيب

 

لم يعد البحث عن شقة للسكن هو المعضلة الوحيدة التي تواجه الكثيرين بل ظهر ما هو أصعب في الحصول عليه، فالمدافن أصبحت مشكلة أكبر تواجه كل من يبحث عن ثري يواري جثمانه بعد مغادرة الدنيا وصعود الروح إلي خالقها.

 

فضلًا عن الوقوع فريسة لسماسرة وتجار الموت، الذين انتشرت إعلاناتهم علي الحوائط في الشوارع، ومحطات المترو والمصالح الحكومية، يعلنون عن توافر مدافن تشطيب «سوبر لوكس»‬ بمبالغ تتراوح بين 500 ألف إلي مليون جنيه للمدفن الواحد، الواقع يدعو إلي السخرية الممزوجة بالشفقة، علي واقع أصبحنا نعيشه، يؤكد أن الموت أصبح تجارة رابحة.

 

وتحول حلم المواطن في مكان صغير يدفن فيه بعد موته إلي «كابوس» بعد أن اشتعل بيزنس المقابر، وأصبح يتحكم فيه سماسرة، يرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه لدرجة جعلت إمكانية توفير مدفن بعد الموت »‬مهمة مستحيلة» علي قطاع كبير من المصريين.

 

«‬الأخبار» ترصد في هذا التحقيق بيزنس المقابر وأسعار المدافن التي أصبحت »‬دربًا من الخيال» ونزلت إلي أرض الواقع لرصد سوق المدافن وكيف وصلت الأسعار إلي هذا الوضع المبالغ فيه.

 

مدير عام إدارة جبانات القاهرة: أصبح بيزنس مثل العقارات وطرح مساحة الـ 40 متراً توقف


«‬كومباوندات» مقابر السويس تبدأ من 500 ألف.. والمحافظة: دورك بعد 5 سنوات


السماسرة: أسعار البناء «‬نار» ونشتري القديم ونعيد بناءه مرة أخرى


الرابطة العامة للترابية: قائمة انتظار المقابر الجديدة تتعدى الـ 10 سنوات

 

نصف تشطيب.. تشطيب «‬سوبر لوكس».. أرضيات رخام.. أرضيات بلاط.. مواصفات قد تجدها في إعلانات الشقق والمحلات، لكنها أصبحت مصطلحات متداولة بإعلانات المدافن، فمن ينوي شراء مدفن عليه تحديد المستوي الذي يستطيع تحمل نفقاته وتشطيباته أولًا، فضلًا عن أجرة «‬التربي» واكراميات للمقرئين والشحاذين الذين يستغلون حزن الأهل والأقارب ويلحون بشدة للحصول علي ما تيسر من الأموال.


مقابر الواحات


بدأت جولتنا بمقابر طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر، والتي تعتبر من المقابر حديثة العهد، وتحدثنا مع «‬عم فرج» أحد حراس المكان والذي قال إن المقابر أسعارها تختلف علي حسب المساحات والموقع وعدد الغرف الموجودة أسفل المدفن، هذا إلي جانب مستوي التشطيب، وتتوقف كل هذه الكماليات علي حسب طلب «‬الزبون»، فهناك من يطلب تشطيبًا «‬مخصوصًا» وهناك من يطلب تشطيبًا «‬عاليًا»، وهناك من يبحث عن مدفن بحري أو قبلي بمساحة كبيرة، أو بحري بمساحة صغيرة، وقد يتوفر الطلب وقد يكون غير متوفر نظرًا لزيادة الطلب وعدم توافر مدافن.


بداية منطقة المدافن تقع علي طريق الواحات والتي تطل عليها مدافن «‬السوبر لوكس» ومساحات الغالبية العظمي منها 40 مترًا ولكن تختلف في أسعارها علي حسب الوجهة والموقع فإذا كانت قبلية وعلي شارع جانبي سعرها يكون أقل من البحري التي تقع علي الرئيسي وتتراوح أسعارها بين الـ 800 ألف والمليون جنيه، وهناك مدافن أخري ذات 3 نواصٍ وذات واجهة بحري وتبعد عن الشارع الرئيسي بعدة مفارق فيتراوح سعرها بين 500 ألف و700 ألف.


أما المدافن ذات المساحات الكبيرة فهناك مدافن تتكون من 8 غرف وصالة وتطل علي شارع جانبي ذي وجهة قبلي فيتراوح سعرها بين 2 و3 ملايين، وبطبيعة الحال تندرج تحت مقابر الهاي سوبر لوكس.


وبالنسبة لمدافن المحافظة فيتم التعامل معها عن طريق المحافظة فقط وليس لديه فكرة عن أسعارها أو مساحاتها ولكن يتم التقديم والحصول عليها بعد استيفاء الأوراق المطلوبة وتسديد المصروفات المقررة.


لمسات جمالية


وبسؤال فتحي إبراهيم أحد العاملين هناك قال إن الاتفاق علي تشطيبات المدفن يتم مع المسئولين عن المنطقة وتكون بأرقام متفاوتة وكل طلب له سعر، حيث إن التشطيب الرخام يعد الأعلي سعرًا، بينما تشطيب البلاط هو الأقل سعرًا، أما السلالم وتغليف الحوائط وما إلي ذلك فيتفاوت في أسعاره وأشكاله فضلًا عن جودته.


وأضاف أن هناك زبائن ترغب في إضافة لمسات جمالية ووضع زرع أو ورد بأنواع مختلفة وبأعداد كبيرة والبعض الآخر قد يرغب في إحضارها بنفسه ووضعها داخل المدفن ولكن يتم الاتفاق علي ذلك بشكل مسبق، ويتم الاتفاق علي تكلفة سقيه حيث إن سقي الزرع يستلزم ملء خزان سعة 500 لتر وتكلفة إيجاره بين 50 و70 جنيهًا شهريًا، ويتوقف علي ما يطلبه الزبون أو ما يتفق عليه.


وأشار إلى أن تكلفة «‬التربي» قد تتفاوت علي حسب مستوي الزبون وأهل المتوفي، ولكن هناك حد أدني لأجرته الذي قد يتراوح بين 700 جنيه و1000 جنيه، أما المقرئ فتترك أجرته لذوق الزبون وتقديره، فهناك من يسعي لإرضائه ويعطيه مبلغًا نسبة من أجرة التربي، ومنهم من لا يستطيع إرضاءه بشكل كبير ولكن تترك للتفاوض وقتها بحيث تتم مراضاة كافة الأطراف.


فضلًا عن الخفير أو الحارس الذي لديه مفتاح الحوش فيتم عمل شهرية ثابتة له من أجل الحراسة، والتواصل معه لفتح الحوش في حالة وجود متوفي تابع للأسرة، وأيضا يتم الاتفاق عليها بالتراضي مع صاحب المدفن.


وادي الراحة


وانتقلنا بجولتنا إلي مدافن طريق العين السخنة والتي تسمى «‬وادي الراحة» تصادف وجود أحد المواطنين الذي قال إنه جاء ليبحث عن مدفن لشرائه لعائلته، حيث إن مدافن عائلته في محافظة قنا وهو ما يكبد أهل المتوفي عناء السفر، ولكن أحلامه تحطمت بعد اصطدامها بأسعار المدافن، حيث إنه لم يكن يطمع في شيء أكثر من مدفن صغير لعائلته، ووجد أنه قد يضطر لبيع كل ما يملك للحصول عليه فالأسعار تراوحت بين الـ 400 والـ 500 ألف وهو ما جعله يلغي الفكرة جملة وتفصيلًا وقال في نهاية حديثه معنا: «‬خليهم يسافروا بيا يدفنوني هناك عشان يدعولي بدل ما يدعوا عليا».


ويقول إسماعيل عبد الرحيم موظف إنه جاء لزيارة أحد أقاربه وأعجب بالبناء المخصص للمقابر بالمنطقة وحداثة تشطيباته وهو ما جعله يسأل عن الأسعار ولكن تفاجأ بالأرقام الباهظة التي لم تكن في حسبانه، بل وتعدت سقف توقعاته بكثير.


وأضاف أنه كان يرغب في شراء مدفن لأسرته بالقرب من مدافن أقاربه بدلا من الدفن بمقابر عائلته بمحافظة بني سويف، ولكن تكلفة السفر ستكون أقل وطأ وعبئا علي أسرته من تحمل نفقات شراء مدفن بهذه المبالغ.


ويقول محمد إبراهيم »‬أرزقي»: »‬حتي الموت بقي لأصحاب الملايين» بهذه الكلمات بدأ أبراهيم وانتابته الحسرة عندما جاء للمقابر لشراء مدفن، حيث وجد أرخص المدافن أسعارها تتعدي مئات آلاف الجنيهات، وهو يعمل علي باب الله وليس له دخل ثابت شهريًا، كما أن لديه أربعة أولاد في مراحل تعليمية مختلفة، وإذا توافرت لديه أموال سيقوم بشراء شقق لهم ليتزوجوا فيها.


وقال إنه ظل يبحث كثيرا ويسأل عن مقابر بأسعار رخيصة، ولكنه وقع فريسة لكثير من السماسرة من منعدمي الضمير، وهو ما جعله يبحث عن عائلة تقبل أن يتم دفنه لديهم قائلا »‬ولهم الأجر والثواب».


ثم انتقلنا إلي مقابر الوزير بصلاح سالم والتي مر عليها أكثر من مائة عام، استولت عليها مجموعة من »‬السماسرة» وضعوا أيديهم علي بعض المقابر والأحواش القديمة وقاموا بتجديدها وإبعاد الرفات القديمة منها وبناء هياكل المقابر عليها، ووضعوا تسعيرة خاصة بهم يبدأ سعر المتر في الأحواش والمقابر الصغيرة بـ 4000 جنيه، حسب طبيعة الشارع والجهة التي تطل عليها المقبرة أو الحوش.

 

وأثناء جولتنا بين شوارع مقابر الوزير الضيقة اكتشفنا أن هناك مجموعة من »‬السماسرة» سطوا علي المساحات المخصصة للسير علي الأقدام وبنوا عليها مجموعة من المقابر بهدف بيعها بأسعار مرتفعة وتحقيق أرباح دون مراعاة لأي قوانين.

 

وقام السماسرة بتدوين أرقامهم علي حوائط الأحواش وقالوا إن لديهم »‬عيون مقابر» داخل الأحواش يبدأ سعر المتر فيها من 4 ألاف جنيه وصولا إلي 8 آلاف جنيه حسب مكان الحوش في شارع رئيسي أو شارع داخلي..


ويضيف حسين قوطة «‬سمسار» أن أسعار المدافن حالها كحال باقي احتياجاتنا الحياتية نالها غلاء الأسعار خاصة وأن الأسمنت والرمل والرخام وجميع المواد المستخدمة في البناء أو التشطيب طالتها نار الارتفاع أيضا ولذلك تجد الأسعار تغيرت وارتفعت وبالطبع تختلف من منطقة إلي أخري فتوجد مقابر تبدأ أسعارها من 350 ألف جنيه وبعضها يصل إلي 450 ألف جنيه ويختلف السعر حسب المواصفات والتشطيب ولكن أغلب المساحات تكون 40 مترا تقريبا.


ويضيف أن هناك مقابر تشطيبها «‬سوبر لوكس» وعلي الأسفلت مباشرة وليست جانبية وهذه مقابر مواصفاتها متميزة وتفرق في السعر أيضا.


بلا رحمة


وفي نفس السياق يوضح سيد أحمد، سمسار مقابر، أنه ترك تلك المهنة منذ عامين، وذلك لأن المقابر الجديدة الآن يتم التعامل معها بشكل استثماري ويتم عمل بيزنس كبير بها ولا توجد بها أي رحمة، فالأسعار الآن تتعدي 450 ألف جنيه للمدفن الـ 40 مترا في طريق السويس، إلي جانب أن المحافظة تطرح المقابر ـ إنشاء جديد ـ مساحة 20 مترا و40 مترا فقط ولا توجد بها مساحات أكبر، وهناك مقابر تتبع جهاز المدينة وتختلف عن مقابر المحافظة من حيث الإنشاء والتشطيب، وعلي حسب الطلب وهو ما يجعل أسعارها تفوق قدرة المشتري.


وأشار إلي أن الكثيرين يبحثون عن بدائل أرخص سعرا وأقل في التكلفة والتشطيب وهو ما جعل بعض الأهالي ينشئون شركات لشراء مساحات كبيرة ويقومون بتقسيمها إلي مدافن صغيرة بمساحات متفاوتة تناسب زبائن الطبقة المتوسطة أو طبقة الغلابة وتغيب بها عوامل الرفاهية وتشطيبات السوبر لوكس، بل تسعي فقط لدفن الموتي بطريقة شرعية في متناول أهل المتوفي.


بيزنس ضخم


ومن جانبه أشار محمد طه، مدير عام إدارة جبانات القاهرة، أن المقابر الجديدة في طريق العين السخنة أسعارها تبدأ من 50 ألفا حتي 400 ألف جنيه وهذا يتوقف علي طلب العميل ومقدرته المادية، وأشار إلي أن بيع وشراء المقابر أصبح «‬بيزنس» ضخما مثله مثل الاستثمار العقاري وهو أحد أهم أسباب ارتفاع أسعارها، وتتفاوت تلك الأسعار حسب المنطقة ونوعية التشطيب إلي جانب اختلاف موقعها في المنطقة الواحدة فمنها ما يقع علي الطريق العمومي وهو الأعلي سعرا، ومنها مقابر تقع بالشوارع الجانبية.


ويضيف طه أن مساحات المدافن التي تطرحها المحافظة هي ذات الـ 20 مترًا فقط، بينما المساحات الأربعينية والستينية توقف طرحها، وأكد أن كافة المقابر تتبع المحافظة وأن التقديمات التابعة لها في المرحلة الثانية ستبدأ قريبا.


أسعار متفاوتة


ومن جانبه يقول أحمد مرزوق، عضو مجلس إدارة الرابطة العامة للتُرابية في مقابر السويس، إن الأسعار الآن تصل لـ 600 ألف جنيه، وهذا المبلغ من الممكن أن يتم شراء به منزل متكامل، حتي الفقراء الذين لا يستطيعون دفع ذلك المبلغ لا توفر المحافظة لهم بديلا، والأهم من ذلك كله أن كل أرض متاحة حاليًا تصبح مقابر ثم تُباع في السوق السوداء، بالإضافة إلي أنه علي طريق السويس محافظة القاهرة ألغت 14 مدفنا نظرًا لتجاوزهم حرم الطريق.


ويضيف أن المقابر الجديدة في مدينة بدر لا تشبه المدافن العادية بل أصبحت تشبه الكمباوند وأسعارها خيالية وذلك لأن قائمة انتظار المقابر الآن أصبحت تتعدي الـ 10 سنوات، حيث إن من يقدم في المحافظة علي مدفن يقولون له الدور يأتي عليك بعد 5 سنوات علي الأقل، فيضطرون إلي الشراء من السوق السوداء، وذلك هو السائد في مدافن طريق السويس، ومن المفترض أن المدافن تكون علي الطريقة الشرعية وهي أن يتحدد لكل منطقة 10 أفدان في مكان ما وتحاط بسور وتصبح خاصة بتلك المنطقة وإلغاء توريث المقابر، بعض الأشخاص كانت تمتلك المقابر وضع يد منذ عصر جمال عبد الناصر وعند معرفة أسعار المقابر استغلوا تلك الفرصة لعملها مشاريع مقابر خاصة في أراضٍ غير مخصصة لتكون مدافن.


ويشير مرزوق إلي أن المقابر تختلف تكلفتها نتيجة ارتباطها بالموقع والتشطيب، فالمدفن علي الشارع العمومي يعلو سعره عن الذي يقع بحارة داخلية أو شارع جانبي، فضلا عن التشطيبات والتي تتنوع في أشكالها وطابعها الخاص والتي قد تكون رخاما أو سيراميك أو طوبا حراريا أو فرعونيا.


أما الأسعار فتتراوح ما بين 450 ألفا حتي 600 ألف جنيه، بينما الأسعار في منطقة السادس من أكتوبر تتراوح ما بين 75 ألفا و200 ألف جنيه، ومن حيث المساحة فإن المقابر الجديدة في السويس مساحتها 20 مترا أو 40 مترا ولا توجد الستينات، بينما في السادس من أكتوبر المساحات المتاحة 20 مترا و40 مترا و60 مترا، إلي جانب أن من يريد التقدم لطلب المقابر يقدم في المحافظة طلبا لمدير إدارة الجبانات في المحافظة وعند انعقاد لجنة التخصيص يعرف إذا تمت الموافقة علي طلبه ويتم دفع الرسوم.